عمر نشابة
مرّ نصف قرن من التعذيب والقهر والقمع الدموي الإسرائيلي لأبناء المشرق العربي قبل أن تظهر مقاومة جدّية تهزّ الكيان الصهيوني في أعماقه، ليس فقط بواسطة ترسانة من الصواريخ طالت قواعد حربية على مشارف الضفّة، بل بفضل العزيمة والصبر والعقل والدراسة أيضاً. المقاومة في وجه الجيش الإسرائيلي أثبتت للعالم وللإسرائيليين أنفسهم أن طليعة من الشباب العربي المتعلّم والمقاتل مصمّم على مقاومة العدوان الإسرائيلي المستمرّ منذ أكثر من نصف قرن، بقوّة وصلابة.
إن مقاومة الظلم الإسرائيلي لا تقتصر على محاربة الاحتلال والاعتقال والخطف والتعذيب، بل تتعداها إلى مقاومة كلّ أشكال القمع والإكراه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي. إذ إن الإسرائيليين لا يحاربون أبناء المشرق العربي بجيشهم فقط، بل بجامعاتهم وبمراكز الدراسات والمؤسسات الاجتماعية والإعلامية والاقتصادية التابعة لهم أو المتحالفة معهم (علناً وسرّاً). ويقوم استراتيجيون وأكاديميون إسرائيليون بدراسة السبل الفعّالة لضرب الخطّ المقاوم لكيانهم أينما كان. وفي المقابل يُفترض أن تدرس المقاومة جيداً كلّ خطوة تقوم بها لصدّ الهجمات الإسرائيلية. وكما في ميدان المواجهات الحربية، قد يكون اعتماد أسلوب التراجع لمسافة قليلة قبل الهجوم الدفاعي الشامل، مجدياً. وحتى لو ظهرت حينذاك صورة المقاومة المنقولة في وسائل الإعلام تراجعية في الفترة الأولى فهي تتحوّل لاحقاً إلى نصر كاسح.
وضعت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تقريراً تذكر فيه أن المقاومة قتلت مدنيين إسرائيليين خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، واعتزمت المنظمة عقد مؤتمر صحافي في بيروت لإطلاق تقريرها. شنّ عدد من الأصدقاء الإعلاميين والمحامين والمقاومين والمحازبين حملة لمنع انعقاد المؤتمر. لكني أعتقد أن ذلك يعرّض الخطّ المقاوم للصهيونية لهجوم قد يحدث ضرراً أكثر من الهجوم المتمثل بالتقرير الذي يدين قصف المقاومة لمدنيين إسرائيليين. إن منع أشخاص من التعبير عن رأيهم أمر يخالف أحد المبادئ التي يرتكز عليها الخطّ المقاوم للصهيونية.
لذا اقترح دراسة استراتيجيا متطوّرة وبعيدة الرؤية للتعامل مع مؤتمرات ومقابلات وتقارير ووسائل إعلام تستهدف المقاومة في أعمالها العسكرية أو في نشاطها السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي.
نُشر تقرير «هيومن رايتس ووتش» ووزّع ولا يمكن منع ذلك في عصر الإنترنت... لكن بدل السعي إلى منع مؤتمر صحافي، ألم يكن ممكناً شنّ حملة عالمية تفضح من جديد الممارسات الإسرائيلية الوحشية بحقّ آلاف الأطفال والنساء والشيوخ اللبنانيين؟