البقاع ـ عفيف دياب
أطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري آخر ما في جعبته من مبادرات للحل السياسي في لبنان، وأعلن باسم المعارضة «التخلّي» عن مطلب حكومة الوحدة الوطنية والثلث الضامن، مؤكداً أن «هذا التنازل هو للبنان». وقال بري في احتفال الذكرى الـ29 لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه في مدينة بعلبك مساء أمس متوجّهاً الى فريق «الموالاة»: «تفضّلوا لنقرّ جميعاً بانتخابات الرئاسة على أساس التوافق وبالثلثين، والمعارضة لا تريد حكومة موسّعة».
واضاف: «فور التوافق على المبدأ الذي ذكرت، أتعهّد إطلاق تشاور وحوار مع أطراف عديدة بدءاً بالكرسي البطريركي، وخصوصاً قادة الحوار الوطني الذي انعقد في 2 آذار في المجلس النيابي توصّلاً لاتفاق على اسم الرئيس العتيد، وكلما أسرعنا في التوافق على الرئاسة كان خيراً و«خير البِّر عاجله» لإنهاء الاعتصام ووأد الفتنة وإبعاد الشر المستطير الذي يتربّص في الأيام العشرة الأخيرة، وأشباح التنظير والتطيير والتصدي من الآن للانهيار الاقتصادي الذي بدأ يداهمنا والمخططات الأمنية التي تغزونا».
وتابع بري من خارج نص كلمته المعدّة سلفاً بالقول إن: «»ما أقترحه ليس من غلبة لفريق على آخر، وفي جميع الأحوال من يتنازل يتنازل للبنان، أنتم تقولون (الموالاة) إن قراركم لبناني، وأنا أعترف بأنني عملت وما زلت، على مساعدة عربية ودولية وآخرها المبادرة الفرنسية المشكورة، وقبلها الكثير مع المملكة العربية السعودية ومع الجامعة العربية. إن ما أطرحه الآن هو مبادرة لبنانية صرفة، يا من تدّعون العصمة داخل الدار إلّا إذا أردتم أن تأخذوا وطنكم الى حيث الفتنة والدمار، نحن لا نتراجع لكم، نتراجع لأجل احتضانكم، فنحن للوطن لنثبت ما ندّعيه إلا إذا كان القصد التحكم، لا المشاركة لا سمح الله، وإنني أجزم بأننا خلال المهلة الدستورية سنصل الى توافق حول شخصية ورئيس البلاد، وبالتالي لن ندفع بلدنا نحو المجهول، ولا سيما أننا في القضايا الوطنية وبناء الاستقرار العام يجب أن لا يكون هناك فرق بين موالاة ومعارضة».
وجدّد بري التأكيد على قيامه بمبادرة «انطلاقاً من الكرسي البطريركي»، حيث يكون الحل على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب فيه»، منتقداً «البعض الذين يزعمون ولاءهم لبكركي وعند صدور موقف من البطريرك صفير يؤوّلونه ويرفضونه»، قائلاً إن: «المسلمين في هذا البلد يؤمنون بمواقف بكركي ويعملون بها أكثر من المسيحيين».
وأكد بري وجوب توافر الثلثين في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، مشيراً إلى أن الاجتهاد في الدستور «أمر غير مقبول»، مذكّراً بما جرى خلال انتخاب الرئيس الراحل بشير الجميل وضرورة توافر نصاب الثلثين، وأيضاً خلال الاستحقاق الرئاسي عام 1988 يوم كانت سوريا مع إجراء انتخابات بمن حضر «فيما كان سمير جعجع يريد الثلثين ونحن أيضاً». ورأى أن انتخاب رئيس «صنع في لبنان» وفي المواعيد الدستورية المحدّدة هو المدخل الوحيد لحل الأزمة اللبنانية. وأضاف «إن الدستور والقانون هما ضمانة الجميع، والطريق إلى بناء العدالة». مؤكّداً ومجدّداً قوله إن «انتخاب رئيس توافقي صنع في لبنان في المواعيد الدستورية وآليات الدستور بأكثرية الثلثين يمثّل فرصة لإخراج لبنان من المأزق الراهن».
وعرض بري تفصيلياً للأوضاع التي مرّ بها لبنان منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وصولاً الى عدوان تموز 2006، وقال إن: «لبنان يعيش حالة من عدم الاستقرار الناجم عن ارتداد الزلزال الذي ضرب بلدنا من خلال جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وعبر المسلسل المجرم الذي استهدف شخصيات فكرية وإعلامية وسياسية، وعبر التفجيرات التي استهدفت زعزعة النظام الأمني في بلدنا»، وأضاف إن «عدم الاستقرار تحوّل الى حالة مرضية، ليس نتيجة تخلف السلطة عن الاضطلاع بواجباتها فحسب، بل لأن تلك السلطة لم تعد تمثل الحاضن الجامع لكل المناطق والفئات والجهات والطوائف والمذاهب، وبالتالي فقدت شرعيتها ودستوريتها وميثاقها وميثقايتها بسبب عقلية أُحادية حوّلت البلاد الى مربّعات أمنية وسياسية».
وأكّد بري أن «السلطة» تنكرت «لمسؤوليتها» في مواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف العام الماضي. وقال: «لقد استثمرت إسرائيل اللحظة الإقليمية المناسبة لإطلاق حربها صيف العام الماضي وهي حرب تنكّرت الحكومة اللبنانية لمسؤوليتها عن نتائجها العملية حتى المتعلقة بإزالة آثارها الدموية والمدمّرة، وكذلك عن نتائج تسفيه الانتصار الذي حقّقته المقاومة وجعل من لبنان بلداً يستطيع أن يتباهى وأن يفتخر بأنه لم يبقَ ساحة للمناورات الإسرائيلية بعد الآن».
وتابع رئيس مجلس النواب أنه «في الوقت الذي شُكلت فيه في اسرائيل عشرات لجان التحقيق في التقصير الذي برز في حرب تموز وأجمعت كلّها على هزيمتها، الحمد الله (متهكماً) نحن هنا في لبنان نقول إننا انهزمنا(...)». وأضاف «لم تحاول حكومة الأكثرية أو دوائر المتصرفية إلّا التطرف على انتصارنا وتركت مصير لبنان معلّقاً على جملة من القرارات الدولية التي أسقط منظّم محاضرها جون بولتون والتي لم يبق منها سوى القرار 1701 الذي جعلناه عندما كنا موحّدين مقبولاً لبنانياً بفضل تضحيات شعبنا واستبسال مقاومتنا، فيما اختارت الحكومة البتراء بعد ذلك الاستئثار بدل المشاركة».
وأكد بري أن «الحدود في الجنوب ليست للشيعة أو لحزب الله أو حركة أمل، وليس لهما وحدهما القرارات الوطنية أو أن يضعا فيتو على خطوط حمراء في المسائل الوطنية، وأقول إن بيروت ليست لتيار المستقبل ولا للأكثرية دون المعارضة، هي ليست للسنة دون بقية الطوائف، وبيروت عاصمة لبنان، وخط الدفاع عن العاصمة يبدأ في مارون الراس وبنت جبيل ورميش وعين إبل ومروحين ويارين وحاصبيا ومرجعيون ووادي الحجير طبعاً، وإذا لم يكن الأمر كذلك فإننا سنجد إسرائيل تحاصر بيروت ثانيةً كما حدث صيف 1982».
وجدّد التأكيد أن «الدستور والقانون هما ضمانة الجميع، وهما حصن أي موقع من مواقع السلطة، والطريق لبناء الدولة والثقة بها، وأن شرعية أي موقع من مواقع السلطة لا يمكن أن يُستمد من طائفة بعينها أو عبر اتصال هاتفي دولي ساخن أو عبر تصريحات الدعم، وأقول لجميع المسؤولين تعلّموا من الأصدقاء، من فرنسا ومن أي بلد تريدون وحتى من الولايات المتحدة الأميركية إنه ليس هناك مسؤول فوق الشبهات، وإن المساءلة يمكن أن تطال الجميع، وإن الدنيا لا تهتز والقيامة لا تقوم إذا سقطت شرعية أي مسؤول في الإعلام أو في الشارع أو في مجلس النواب».
وسأل رئيس مجلس النواب ما سمّاه «حكومة الأشباح، وبعدما كانت حكومة مقاومة، وبعد مرور عام على الحرب الإسرائيلية الفاشلة لفرض تنفيذ الشق الخاص بسلاح المقاومة في إطار القرار الدولي 1559 (...) نسأل الآن الحكومة عن جردة حساب بالأموال العربية والمساعدات الأجنبية التي تدفّقت إلى لبنان ولماذا التأخير والتلكؤ في إزالة آثار الحرب، ولماذا لا تزال الجسور ما بين بيروت والجنوب مدمّرة، فكل الجسور التي تبنّاها أهل الخير عمّرت وشيّدت (...) أفيدونا أفادكم الله».
وسأل بري أيضاً عن السلاح للجيش اللبناني وعتاده وقال: «أين العتاد للجيش؟ لماذا لم يرفع أصدقاء أميركا في لبنان صوتهم للسؤال عن دعم الجيش اللبناني مقابل عشرات مليارات الدولارات ثمن صفقة الأسلحة في المنطقة (...) ومن حقنا أن نسأل الحكومة لماذا لم تتقدم بشكوى الى مجلس الأمن عن رمي إسرائيل القنابل العنقودية على أرض الجنوب». وقال: «شخصياً، أنا ودولة الرئيس فؤاد السنيورة اشتغلنا في موضوع القرار 1701 وعندما اتفقنا عليه وفي تلك الليلة الليلاء وبعد 72 ساعة فإن 3 ملايين و200 الف قنبلة عنقودية ألقتها اسرائيل على أرض الجنوب، وللأسف، لم تتقدم الحكومة بشكوى ضد إسرائيل». وأكد أنه «لولا المقاومة لما كان لبنان على خارطة العالم».
وعن إقفال مجلس النواب، فقد سأل بري عنه الحكومة، وقال: «ليس أنا من أقفل مجلس النواب، بل أنتم (الأكثرية) الذين اضطررتم البلد الى هذا الأمر، حكومة الأكثرية تذهب بلبنان إلى المجهول». وقال: «نسوا أن سبب الإقفال أن العلّة ليست في أكل العنب، العلّة في الإسكار في سبيل تحريم الخمر. نسوا أن سبب إقفال المجلس عدم شرعية الحكومة، ليس لأن المجلس يريد الإقفال ولا يريد ممارسة الديموقراطية، والآن الذين يتشدّقون كل يوم ويقولون إن مجلس النواب أُقفل، أقول لهم لست أنا من أقفل المجلس، أنتم اضطررتم البلد إلى هذا الأمر، من وضع نفسه موضع تهمة فلا يجوز أبداً أن يلوم من يسيء الظن به».
وأكد بري استعداده لـ«تحمّل كل الإهانات» مشدداً على عمق التحالف مع حزب الله، متوجّهاً الى من يسعى إلى إحداث خلاف بين حركة أمل وحزب الله بالقول: «خيطوا بغير هذه المسلة، وأنا أقول إن المطلوب أن تكون كل العلاقات اللبنانية ـــــ اللبنانية وكل الأحزاب، أن تكون كعلاقة حزب الله وحركة أمل».
وتحدث بري عن «حرب الجيش اللبناني ضد الإرهاب»، وسأل: «من أوصلنا الى هذا الامتحان، ومخازن عتاد الجيش تكاد لا تكفيه لساعات، ونسأل لماذا لم يعد أحد يتحدث عن الحقيقة والعدالة في قضية الرئيس الحريري، فلماذا سُحبت من التداول إلّا في ما يخص الاستخدام السياسي أفيدونا أفادكم الله، ونسأل أين أصبحت التحقيقات في قضايا الاغتيالات».
كما سأل عن «المشاريع الحكومية الموعودة لتنمية البقاع، وعن مشاريع الحصحصة لا الخصخصة فيها. وكيف في إمكان حكومة الأكثرية النوم وتحت شبّاكها الشعب اللبناني الذي لا يعترف بشرعيتها؟».




لقطات


◄ ظهور الرئيس نبيه بري أمس في بعلبك هو الأول من نوعه منذ الانسحاب السوري من لبنان.

◄ وقف فريق التنظيم عاجزاً أمام الضغط الكبير من الحشود التي لم تلتزم بتوجيهاته.

◄ خاطب بري أحد أنصار حركة «أمل» الذي كان يطلق الهتافات خلال إلقاء كلمته وقال: «اسكت يا ابني.. يا أنا يا انت».

ـ طلب الرئيس بري من الجمهور أن يعرف أسباب عدم إقدام الحكومة بعد على تشييد عدد من الجسور وقال: «اللي بيعرف بيطلعلو جسر».
◄ لأول مرة يختصر احتفال ذكرى تغييب الإمام الصدر على كلمة واحدة ألقاها الرئيس بري، إضافة الى عريف الاحتفال وكالعادة الشيخ حسن المصري.

◄ تلقى وفد مشايخ البياضة ترحيباً كبيراً وتصفيقاً قوياً من الجمهور.
◄ وصل النائب السابق إيلي الفرزلي متأخراً ولحظة تحدث بري عن أصول انتخاب رئيس الجمهورية توقف رئيس المجلس عن الكلام وقال: «هلق اجا برلماني بيعرف». وفي مقطع آخر من كلمته عن الرئاسة توجه الى النائب بيار دكاش بالقول: «مش هيك يا بيار؟».