نهر البارد ــ نزيه الصديق المنية ــ عبد الكافي الصمد
صيدا ــ خالد الغربي

المروحيـــات أغـــارت 12 مـــرّة والصليـــب الأحمـر يزور عائلات المسلّحين في صيدا

باشر الجيش اللبناني أمس ما وصفه ناطق عسكري بـ«المرحلة الأخيرة» للسيطرة على مخيم نهر البارد والقضاء على مسلحي تنظيم «فتح الإسلام»، بعدما دخلت الاشتباكات الدائرة بين الطرفين يومها الخامس بعد المئة.
فقد واصل الجيش قصفه مواقع المسلحين بالطائرات المروحية، بعد يوم من رفض قيادة الجيش وقف عملياته في المخيم، لإجلاء الجرحى بين مسلحي التنظيم، إلا ضمن «سلة واحدة»، تقضي بإجلاء الجرحى ومن بقي من المسلحين، وتسليمهم للسلطات اللبنانية.
وأكدت مصادر الجيش أن المروحيات العسكرية شنت، خلال الساعات الـ24 الماضية، أكثر من 12 غارة على مواقع المسلحين في «آخر بقعة لهم» في مخيم نهر البارد، كما واصل الجيش إزالة الألغام الأرضية والمتفجرات التي خلفها المسلحون وراءهم في المخيم.
وكانت المروحيات قد كثّفت غاراتها ابتداء من صباح أمس على ملاجئ المسلحين في عمق المخيم، وأطلقت عدداً من الصواريخ على الجيوب والمواقع التي لا يزال المسلحون يتحصنون بها، وخصوصاً ملجأ سعسع ومحيط التعاونية ومركز ناجي العلي الطبي ومركز الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القادة العامة، محققة إصابات مباشرة في أحد المباني الذي يوجد في طوابقها السفلية المسلحون الذين بدأوا، حسب معلومات أمنية، يهجرون الملاجئ بعد استهدافها بعدد من الغارات وإلحاق خسائر في صفوفهم.
وفي الوقت الذي رافق فيه القصف الجوي قصف مدفعي عنيف بمرافقة الدبابات، وتراشق بالأسلحة المتوسطة والرشاشة، أفيد عن اقتحام وتقدم لفرقتي المغاوير والمجوقلة في الجيش من ناحية المحور الجنوبي عند حي سعسع التحتاني وأطراف حي الدامون.
وعلى صعيد موضوع إجلاء جرحى المسلحين، الذين أُفيد بأن عددهم يبلغ تسعة حالتهم حرجة، أشير إلى أن الأمر لا يزال معلقاً إلى حين، في ظل جهد يبذله عضو رابطة علماء فلسطين الشيخ محمد الحاج، الذي أكد «استمرار الاتصالات والترتيبات المطلوبة لإجلائهم».
من جهة أخرى، شيعت قيادة الجيش كلاً من المعاون الأول الشهيد وسام محمد حمدان من بلدة شحيم ـــــ الشوف، العريف الشهيد خالد حسن خلف من بلدة الفاكهة ـــــ بعلبك، والعريف الشهيد علي محمد هوشر من بلدة برقايل ـــــ عكار، الذين استشهدوا أثناء قيامهم بالواجب العسكري خلال الأحداث الأمنية في منطقة الشمال. وأقيم لكل منهم مأتم مهيب في بلدته، حضره حشد من رفاق السلاح والأهالي وفاعليات المنطقة. وألقى ممثل العماد قائد الجيش كلمة نوه فيها بسيرة الشهداء، وما «أظهروا من شجاعة فائقة ونكران للذات أثناء قيامهم بالواجب العسكري».
وفي جوار مخيم نهر البارد، أثارت الأضرار التي لحقت بالمواطنين المقيمين، إضافة إلى التجاهل الرسمي لمعاناتهم، استياءً كبيراً في صفوفهم، بدأت بعض ملامحه بالظهور منذ فترة، بعد أن اقتصر تقديم المساعدات للمتضررين على الفلسطينيين وحدهم دون اللبنانيين.
وتفاقم هذا الاستياء أخيراً بسبب محاولة «تيار المستقبل»، وضع يده بالكامل على ملف المساعدات والإغاثة، المقدمة إلى المتضررين في بلدات المنية ودير عمار وبحنين والريحانية والمحمرة والعبدة وببنين والبداوي، بدعم وتفويض حكومي واضحين، حيث اتبعت سياسة توزيع المساعدات بشكل انتقائي، واقتصار الاستفادة من هذه المساعدات على أنصار التيار دون غيرهم، وهو ما أشار إليه جمال سكاف، شقيق الأسير في السجون الإسرائيلية يحيى سكاف، عندما أشار لـ«الأخبار» إلى أن «اسمي شُطب مرتين من قوائم المستفيدين من المساعدات، ولأسباب سياسية واضحة، في مقابل إعطاء هذه المساعدات إلى غير المتضررين، مع أن محلي الكائن في محيط المخيم لا يزال مقفلاً منذ اندلاع الاشتباكات حتى الآن، وهو مصدر الرزق الوحيد لي ولعائلتي»، موضحاً أن أحد مسؤولي التيار في المنطقة قال له: «اذهب معي إلى قريطم وخذ من هناك كل ما تريد!».
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن خلافات عديدة نشبت في صفوف التيار، نتيجة محاولة بعض المسؤولين فيه وضع يدهم على هذه المساعدات، بعدما تداخل العامل العائلي والشخصي في هذا الموضوع عقب تداخل العامل السياسي، وسط غياب تام يسجل للهيئة العليا للإغاثة، وتقاعسها عن دورها الأساسي في هذا الجانب.
وأمس أصدر «اللقاء التضامني الوطني» في المنية بياناً شديد اللهجة، رأى فيه أنه «كان من المفترض في ظل هذا الواقع المأساوي أن تبادر الحكومة القائمة إلى احتضان المواطنين اللبنانيين المتضررين، وتقديم العون والمساعدة، وتأمين أماكن السكن اللائقة بهم، إلا أن ذلك لم يحصل منه شيء، إلا تقديم بعض الوجبات الغذائية، ومساعدات مالية بسيطة جداً عن طريق هيئة الإغاثة، لا تسمن ولا تغني من جوع».
وحذر اللقاء «الممسكين بالسلطة من هذه السياسة الخرقاء في التعاطي مع المواطنين اللبنانيين المتضررين من أحداث مخيم نهر البارد، وتركهم لبعض الجهات والتيارات والأحزاب، تستغلهم وتبتز الولاء السياسي منهم بـ«كرتونة مواد غذائية فاسدة»، وخصوصاً وقد أصبحنا على أبواب الخريف، والعودة إلى المدارس، وفي ظلال شهر رمضان المبارك».
واستهجن اللقاء «أشد الاستهجان ربط مسألة تقديم مساعدات أو تعويضات للمتضررين من أهالي المناطق المجاورة للمخيم، بتقديم براءة ذمة مالية صادرة عن البلدية»، مشيراً إلى أن «مثل هذا الإجراء يدل على لا مسؤولية إنسانية ووطنية، وخصوصاً أن المواطن الذي يُطلب منه ذلك هو إنسان منكوب، ومن المرفوض مطلقاً أن تقدم البلديات على استغلال مثل هذا الظرف القاهر، من أجل تحصيل المتأخرات من الرسوم والضرائب».
ورأى اللقاء «أننا، وإذ نرفض هذه الإجراءات التي تستفز المواطن وتدفعه للكفر بوطنه ودولته، وكذلك طريقة تعاطي الدولة ومؤسساته مع المتضررين من الأحداث الأخيرة، نرى أن من الضروري تنظيم تحركات احتجاجية تأخذ طابعاً تصاعدياً، للضغط على المسؤولين من أجل تغيير هذا الواقع المزري، وإيصال المواطنين إلى حقوقهم الإنسانية والدستورية والوطنية».
وفي مدينة صيدا، قام وفد من اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتفقد عائلات مقاتلي فتح الإسلام الذين يقيمون في مسجد دار الأرقم في مدينة صيدا، حيث اطلع الوفد الذي ضم رئيسة بعثة جنوب لبنان أنا سهلين ورياض دبوق وعدد من الأطباء والممرضين، على الأوضاع الإنسانية والصحية، وقدّم مساعدات إنسانة وطبية، فيما أخضع الأطفال لكشف طبي ومعاينات.
وقالت سهلين: «لقد تأكدنا من حالتهم الصحية، وسوف نعمل بقدر المستطاع لمساعدتهم»، ورداً على سؤال يتعلق بإجلائهم، قالت إن مهمة الوفد الذي زار العائلات هي التأكد من وضعهم الإنساني وصحتهم، وليس مهمتنا إجلاؤهم، وهذا يعود إلى السلطات المختصة وهي من سيهتم بهذا الموضوع.
إلى ذلك أشار أحد مشايخ رابطة علماء فلسطين إلى أن الرابطة هي بانتظار تحديد ساعة الصفر من قيادة الجيش اللبناني والأمن العام لانطلاق قافلة الترحيل، مشيراً إلى موافقة سورية لإدخال هذه العائلات وبعضها سيذهب إلى الأردن، ورأى أن التأخير في عملية الترحيل الذي يجري بشكل إيجابي قد يكون سببه الانشقاق الحاصل في لبنان بين هذا الجهاز أو ذاك، متمنياً إنهاء هذا الملف المتعلق بفتح الإسلام وعودة الهدوء. وكرر أن هناك عرض لتسليم الجرحى وهناك طروحات أخرى بحاجة إلى بلورة واتصالات لوجود بعض الشروط حيث البعض يخشى من تسليم نفسه بسبب التعذيب الذي قد يمارس عليه إذا ما سلم نفسه، لكننا نسعى إلى تذليل كل العقبات للوصول إلى اتفاق نهائي وحل الأزمة نهائياً.
من جهة ثانية دعا ممثل حركة حماس في لبنان أسامة حمدان إلى ضرورة تشكيل مرجعية وطنية فلسطينية موحدة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، واعتبار أنه لا أحد يمثل الجميع. كلام حمدان جاء إثر زيارة قام بها للنائب بهية الحريري في مجدليون يرافقه مسؤول العلاقات السياسية في الحركة علي بركة وممثل حماس في منطقة صيدا أبو أحمد فضل.
حمدان قال بعد اللقاء إن التوافق الفلسطيني ـــــ اللبناني عنوان مهم للخروج من أزمة مخيم نهر البارد وعدم السماح بأن تكون لها تداعيات سلبية على العلاقة الفلسطينية اللبنانية، ورأى أن هناك حاجة إلى مرجعية فلسطينية موحدة تُسهم إلى جانب الحكومة اللبنانية في إعادة بناء المخيم وعودة نازحيه، مشيراً إلى أن موضوع عائلات مقاتلي «فتح الإسلام» يجب أن يعالج من زاوية إنسانية انطلاقاً من موقف رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الواضح بهذا الخصوص.