جوان فرشخ بجالي
للعام الثاني على التوالي يتسبب الوضع الأمني في لبنان بإعاقة عمليات التنقيب الأثري، لكن عدداً من مراكز الأبحاث استعاضت عن الأمر بإصدار منشورات علمية مميزة

موسم التنقيبات الأثرية لهذه السنة كان شبه معدوم بعدما تخلّف عن الموعد كلّ من البعثات الفرنسية والألمانية والإسبانية واليابانية... فالوضع الأمني غير مشجع ووزارات الخارجية في كل من هذه البلدان لم تسمح لبعثاتها بالمجيء إلى لبنان وإتمام عملها. وهذا ما يؤخر الدراسات للسنة الثانية على التوالي بعدما كانت الحرب الاسرائيلية الأخيرة قد أطاحت، مع ما أطاحته، موسم الحفريات الأثرية.
في قسم الآثار التابع للمركز الفرنسي للشرق الأوسط أُلغيت كلّ النشاطات التي كانت مقرّرة لهذه السنة، وتحوّلت موازنة بيروت إلى الفروع الأخرى مثل دمشق وعمان. ويشرح مدير مركز الدراسات الأثرية الدكتور برتران لافون الوضع قائلاً «كان برنامج عملنا لشهر حزيران الماضي يقضي بإقامة مؤتمر حول تاريخ مدينة صور في العصور الوسطى في الجامعة اليسوعية في بيروت. ولكن بعد عودة الاغتيالات السياسية، طُلب منا إلغاء المؤتمر. ثم بدأت العملية العسكرية في نهر البارد ما أجبرنا على إلغاء البعثة الأثرية التي كانت مقررة لشهرين هذه السنة في موقع عرقا (عكار) وكان رئيس البعثة البروفسور جان بول تالمان قادماً إلى لبنان لإتمام الدراسات العلمية عن الموقع وإعداد منشورات علمية جديدة. ولكن، مع الأسف لم يتحقق شيء من كلّ هذا». وكان للعملية التي استهدفت قوات الطوارئ الدولية في الجنوب أثرها من خلال «منع عمل البعثة الفرنسية التي كانت تهدف إلى الدراسة والبدء بحفريات أثرية في موقع صور البحري. فالمركز هذه السنة مضطر الى إلغاء كل أعماله على الأرض ولكننا قررنا أن نعمل بجهد أكثر ونعوض الفرق بالمنشورات العلمية».
وللمركز الفرنسي إصداران علميان رفيعا المستوى هما مجلة Syria ومجموعة B.A.H (Bibliotheque Archeologique et Historique) التي تصدر من بيروت. وخلال هذه السنة نشر الفريق العامل كتابين عن موقعين أثرين في لبنان هما صيدا وعرقا. وهذه الكتب، العلمية بامتياز، تتوجه الى علماء الآثار المختصين بفترة العصر البرونزي في حوض البحر المتوسط. وتظهر الدراسات نتائج الحفريات في الموقعين وكل المعطيات العلمية التي غيّرتها.
والجدير بالذكر أن الأوساط العلمية كانت تنتظر هذه الكتب بفارغ الصبر لِما تتضمنه من معلومات قيمة. فكلٌّ من الموقعين يظهر وجهاً مغايراً للحياة في المنطقة في الألف الثالث قبل الميلاد. فقد أظهرت الحفريات الأثرية أن تل عرقا الأثري، الذي يرتفع في سهل عكار، استعمل قريةً منذ بداية العصر البرونزي، فيما كان سهل عكار شبه خاوٍ خلال تلك الفترة. وتشرح الدراسات التي قام بها أعضاء البعثة مدى السنين الماضية تطوّر الحياة في هذا الموقع وتحدّد طريقة سكن الإنسان في منطقة شمال لبنان. ونشرت نتائج هذه الدراسات في ثلاثة مجلدات تحت إشراف وكتابة جان بول تالمان تحت عنوان «تل عرقا، سويّات عصر البرونز»، المجلد الأوّل مخصص للنص، أما الثاني فللّوحات والصور، في حين أن الثالث خصص للخرائط الهندسية.
أما بالنسبة إلى صيدا، فهي، خلافاً لعرقا، كانت تعجّ بالحياة وتزدهر التجارة فيها مع مصر الفرعونية. ويتوضح تاريخها بعدما نشرت نتائج الحفريات بعثة المتحف البريطاني التي تعمل على موقع في داخل المدينة منذ عشر سنين، في كتاب علمي «العصر البرونزي القديم في صيدا» الذي كتبته وأشرفت على فصوله كلود ضومط سرحال.
كتب المركز الفرنسي للدراسات متوافرة في مختلف مكتبات الجامعات المتخصصة في علم الآثار ويمكن الحصول عليها عبر موقع الإنترنت: www.ifporient.org





المكتبةالأثرية

تحظى مجموعة B.A.H في الأوساط الأثرية العلمية باحترام كبير لرقيّ منشوراتها. ولدت سنة 1921 حينما كانت المنطقة لا تزال تحت الانتداب الفرنسي وكانت تهدف إلى «تنمية حس الفن والتعريف بالفن والحضارات القديمة التي سكنت المنطقة». وقد عملت هذه المجموعة خلال كل تلك السنين لتحقيق هذا الهدف. ولطالما كان مركز إصدار هذه المجموعة في المركز الفرنسي للآثار في الشرق الأوسط في بيروت، لذا تأخرت الإصدارات كثيراً خلال الحرب الأهلية. وعلى رغم ذلك رفض علماء الآثار ومديرو المركز مغادرة بيروت أو نقل المجموعة الى عاصمة عربية أخرى، وعمل الفريق، بعد الحرب، بجهد كبير لكسب الوقت الضائع، فأصدر 49 مجلداً ما بين عامي 1991 و2007، وكانت المجموعة أصدرت 130 كتاباً ما بين عامي 1921 و1991.