عمر نشابة
قال رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون في مقابلة تلفزيونية مع هيئة الإذاعة البريطانية أمس الأحد: «أعتقد أنه في أي دولة ـــــ ونحن نعرف أن «القاعدة» تعمل في أكثر من ستين دولة ـــــ يمكن للمرء أن يتوقع أن تلجأ «القاعدة» إلى استخدام أشكال مختلفة من الصواريخ أو الأسلحة، أو أشكال مختلفة من الأنشطة سواء الطائرات أو السيارات بهدف إلحاق الضرر». وأشاد براون بمهنية أجهزة الأمن البريطانية في التعامل مع الأحداث الأخيرة قائلاً إنها تحركت بسرعة كبيرة وحققت تقدماً في التحقيقات. وجاءت تصريحات براون بعد يوم من اقتحام شخص مطار غلاسكو في اسكوتلندا بسيارة مشتعلة، وبعد يومين من نجاح السلطات البريطانية في إحباط محاولتين لتفجير سيارتين ملغومتين في وسط لندن. ويُذكر أن الشرطة البريطانية تمكنت من القبض على أربعة رجال يشتبه في صلتهم بالهجمات. وقال مدير شرطة غلاسكو ويلي راي إن المشتبه فيه الذي ألقي القبض عليه في المطار نقل إلى المستشفى بحروق جلدية شديدة، كما قال إنه كان يحمل «جهازاً مشبوهاً»، لكنه لم يعط أية تفاصيل. ولاحقاً قال مراسل هيئة الإذاعة البريطانية للشؤون الأمنية فرانك غاردنر إنه يعتقد أن «الجهاز المشبوه» هو حزام ناسف.
وبحسب المعايير المهنية يُعد ما حدث في لندن وغلاسكو إنجازاً أمنياً متمثّلاً بإنقاذ عشرات المواطنين من الخطر إضافة الى تمكّن القوى الأمنية من العثور على مئات العيّنات التي يمكن أن تُعد أدلّة جنائية ومصدراً لمعلومات قيّمة عن الأشخاص أو الشبكة التي عملت على تفخيخ السيارات والتي يمكن أن تكون على علاقة مع شبكات أخرى.
أما في لبنان فقد فشلت القوى الامنية والعسكرية المحلية في حماية المواطنين والسياسيين والإعلاميين من 24 هجوماً إرهابياً ولم تحرز أجهزة التحقيق أي تقدّم ملموس سمح بمنع اغتيال النائب الشهيد وليد عيدو في 13 حزيران الماضي، وذلك بعد ثلاثة أشهر على «إنجاز كشف جريمة عين علق». ويُذكر أنه تمّ منح مكافآت للضباط الذين «كشفوا» جريمة عين علق من دون أن يؤدي هذا «الكشف» الى حماية الناس من الإرهاب. وبدل التكتم على المعلومات التي تمّ جمعها في قضية عين علق، قام مجلس الوزراء برئاسة فؤاد السنيورة بتوظيف «كشف الجريمة» لأهداف سياسية عبر اتهام بلد مجاور بارتكابها دون وجود أدلّة قاطعة وقبل انعقاد المحكمة.
على كلّ حال، لا بدّ من البحث عن سبل لتحسين أداء قوى الأمن اللبنانية، وقد تكون مراجعة المنهجية البريطانية في التعاطي مع العمليات الإرهابية الأخيرة مفيدةً في هذا السياق. وهناك خمس نقاط لافتة سنتوقّف عندها باحثين عن دروس ربّما يستفيد منها القادة الأمنيون.
التكتم على العمل الاستخباري الفعّال
علمت «الأخبار» من خلال اتصالات هاتفية بأكاديميين بريطانيين متخصّصين بالشؤون الأمنية أن أجهزة الاستخبارات قامت بدور أساسي في عملية الكشف عن السيارتين المفخّختين في لندن، لكن الاستراتيجية الأمنية الداخلية تفرض التكتّم عن ذلك لعدم استعراض قوّة الحماية المتجسّدة بالعمل السرّي، فيبدو أن السلطات البريطانية اكتشفت أخيراً أن المظاهر والاستعراضات الأمنية يمكن أن تفيد في ردع المجرمين العاديين لكنها ليست فعّالة في مكافحة الارهاب. فـ«الإرهاب» الذي تحدّث عنه براون تحرّكه عقيدة لا تخشى الموت والاعتقال والعقاب وبالتالي «تخويف» الارهابيين لا ينفع.
تجنّب الاتهام قبل التحقيق وقبل القرار القضائي
إنّ روح المسؤولية والنضوج المهني والسياسي يحتّمان عدم استباق التحقيقات. لكن وزير الاتصالات في حكومة فؤاد السنيورة مروان حمادة، بعد تفقده مكان الانفجار في المكلس الذي أودى بحياة النائب الشهيد والزميل جبران تويني، قال: «رحمة الله على آخر شهداء استقلال لبنان وسيادته في وجه الهيمنة العشوائية الديكتاتورية لبشار الأسد». وأضاف: «نقول ذلك ونحذر من أننا لن نطلب محكمة دولية فقط بل لجنة تحقيق دولية في كل الجرائم التي ارتكبها النظام السوري منذ عقود في لبنان، بدءاً من المعلم الشهيد كمال جنبلاط الى الرئيس رينيه معوض الى الرئيس بشير الجميل الى سماحة المفتي حسن خالد وصولاً الى الكوكبة الجديدة من الشهداء».
أما رئيس وزراء بريطانيا غوردن براون فابتعد عن اتهام الاشخاص وكان حذراً في اختيار العبارات إذ تجنّب حتى تصنيف الهجوم كـ«جريمة إرهابية» بل استخدم عبارة «حادث إرهابي» لأن ذلك التصنيف من اختصاص السلطة القضائية لا السلطة الاجرائية.
إدارة مسرح «الحادث الإرهابي»
إن تعطيل الانفجار فتح المجال واسعاً لجمع كمية كبيرة من الأدلّة الجنائية والمجهرية من السيارتين المفخّختين كما أكّد مدير وحدة مكافحة الإرهاب في سكوتلانديارد بيتر كلارك أمس. أما في حادث مطار غلاسكو فلم يسمح بنقل جثة المشتبه فيه التي احترقت إلا بعد ساعات من إخماد الحريق وذلك لإعطاء الخبراء الوقت الكافي لرفع الأدلّة ودراسة كيفية حصول الحادث بالتفصيل. ونُقلت السيارات في وقت لاحق الى «هنغار» خاص بالمحققين الجنائيين للتمكن من فتح الطريق وإعادة الحياة الى طبيعتها وذلك بعكس ما يحصل عادة في لبنان.
التواصل مع المواطنين المتنبّهين
في اليوم نفسه الذي عثر فيه على السيارتين المفخختين في لندن وفي اليوم التالي الذي وقع فيه الهجوم على مطار غلاسكو عقدت الشرطة البريطانية مؤتمرين صحافيين لإعلام المواطنين بضرورة تنبّههم للإرهاب ولإطلاعهم، بحذر شديد، على ما تعلمه الشرطة. وتجنّبت الشرطة استخدام عبارات قاطعة وفضّلت الحديث عن «جهاز مشبوه» بدل وصفه بالحزام الناسف وذلك لسببين: أولاً لعدم خلق حالة من الهلع بين المواطنين، وثانياًً لعدم التأكيد القاطع لطبيعة الجهاز. وابتعدت الشرطة كما رئيس الوزراء عن اتهام أشخاص أو جهات معيّنة مباشرة. وأعلنت الشرطة للمواطنين البريطانيين عن رقم هاتف خاص يمكنهم الاتصال به لإعلام السلطات عن أية معلومات مرتبطة بالنشاط الارهابي الاخير.
وكانت الشرطة البريطانية قد تلقت إنذاراً الساعة الثانية فجر الجمعة الماضي، باحتمال وجود سيارة مشبوهة بالقرب من نايت كلوب «تايغر تايغر» في منطقة بيكاديلي وسط لندن. وهي المنطقة نفسها التي عثر فيها لاحقاً على السيارتين المفخّختين. أمّا في لبنان، فقبل وقوع الانفجار الذي أدّى إلى مقتل 6 من جنود الكتيبة الإسبانية العاملة في إطار قوات الطوارئ الدولية في سهل الخيام بمنطقة مرجعيون، وردت معلومات إلى قوى الأمن الداخلي أفادت أن سيارة من نوع مرسيدس توقفت في سهل الخيام قرب نبع الدردارة، وترجّل منها ثلاثة أشخاص واتجهوا إلى تلة مشرفة على المكان. ومع ذلك لم تتمكّن قوى الامن من تعطيل الانفجار قبل وقوعه كما فعلت الشرطة البريطانية.
كفاءة عناصر الشرطة
وكانت المحطة الإخبارية التلفزيونية «سكاي نيوز» قد نقلت أن شرطياً «سريع البديهة» وصل الى السيارة المفخخة في لندن وتمكّن بحذر شديد من تعطيل انفجارها قبل وصول خبراء المتفجّرات الى المكان، ولم يؤدّ ذلك الى أي ضرر في الأدلة الجنائية المحتملة.
أما في لبنان، فالمواطنون تعبوا من قوى الأمن الفاشلة... تعبوا من استعراضات المواكب الامنية التي لا تحمي أحداً... تعبوا من الدوريات الامنية التي يستخدم عناصرها «المراجل» بحجّة حفظ الأمن... تعبوا من عنتريات في سيارات بالزجاج المموّه... تعبوا من زحمة السير بسبب حواجز التفتيش دون جدوى... تعبوا من إغلاق الطرقات ومنع المرور ومنع التوقف لأسباب أمنية...
ويسأل الناس: ألم يحن الوقت لاعتماد قوى الأمن الاحتراف في عملها؟