البدّاوي ــ عبد الكافي الصمد
عبثاً كان يحاول عدد من الفلسطينيين الذين تجمّعوا ظهر أول من أمس السبت قرب جامع زمزم وسط مخيّم البدّاوي لتشييع محمّد الجندي، أحد الذين توفوا في الأحداث التي شهدها المخيّم عقب صلاة يوم الجمعة الماضي، كبح جماح غضب أحد النّازحين من مخيّم نهر البارد، وقد انهال بالسباب والشتائم على عدد كبير من الدول العربية وقادتها، داعياً الله أن «يصيب بلادهم ما أصاب مخيمنا، وأن يتّفق حزب «التحرير» مع «القاعدة» ومع «فتح الإسلام»، من أجل أن يحكموا كلّ بلاد العرب!».
هذا المشهد ليس سوى جزء صغير من صورة الغليان والغضب التي تسود أوساط نازحي مخيّم نهر البارد، ومقيمي مخيّم البدّاوي على السواء، الذين يعانون أوضاعاً معيشية واجتماعية غاية في الصعوبة، وهو مشهد يأتي مصحوباً بالكثير من المرارة والأسى، إذ «أيّ عدل هو ذاك الذي يُحمّلنا مسؤولية أمر لا علاقة لنا به؟ وأيّ قانون يسمح بأن تُدّمر منازلنا ونُشرّد خارج مخيّمنا، ومن ثمّ نُعاقب على «جريمة» وجود عناصر مسلحة في المخيّم، معروف من استقدمها، ولأيّ غاية وهدف»، حسب قول سليم عقل، أستاذ المدرسة النّازح من مخيّم نهر البارد.
ولا يُخفي عقل الذي يبيت منذ نزوحه في أحد مساجد مخيّم البدّاوي المكتظّ بالنازحين، فيما أوت عائلته عند صديق له، مرارته وهو يقول بانفعال واضح: «شاركت في التظاهرة لأنّني لم أعد أحتمل البقاء خارج منزلي، ومع أنّنا لم نكن نحمل أيّ سلاح، إلا أنّ عناصر مدنية لبنانية مسلحة، موجودة في بيئة معروفة بانتمائها إلى «تيّار المستقبل»، أطلقوا النّار علينا، واستخدموا العصي والسكاكين والحجارة ضد المتظاهرين»، متسائلاً: «هل نعاقب بهذا الشكل لأننا أيّدنا «حزب الله» الذي قصف حيفا للمرة الأولى منذ هزيمة 1967 وفشّ لنا خلقنا؟».
من ناحيته، أمين سرّ اللجنة الشعبية في مخيّم نهر البارد الدكتور لطفي الحاج أحمد، الذي يلفت إلى أنّ «العاقل يعرف أنّ التظاهرة التي كانت سلميّة ومدنيّة، لن تحلّ مشكلة مخيّم نهر البارد»، لا يتردّد في السؤال: «هل خروج تظاهرة ما، يبرّر استخدام كلّ هذا العنف الذي أدّى إلى سقوط قتلى وجرحى؟»، مشيراً إلى أنّه «في كل بلاد العالم تستخدم وسائل أخرى لقمع التظاهرات، مثل خراطيم المياه، والهراوات، والرصاص المطاطي، والقنابل المسيلة للدموع، قبل الاضطرار إلى استخدام السلاح، أمّا عندنا فإنّ العكس هو الذي يحصل!»، قبل أن يقول: «يرسلون إلينا المساعدات والطعام بيد، ويقتلوننا باليد الأخرى!».
في موازاة ذلك، عقد ناشطون وممثلون لهيئات المجتمع المدني مؤتمراً صحافياً في مقر «النجدة الشعبية» في مخيّم البدّاوي، تحدث فيه عدد من الأشخاص والشهود العيان، الذين تعرّضوا لإصابات أثناء الأحداث التي شهدها المخيّم يوم الجمعة الفائت.
أمين سر «لجنة حق العودة للشعب الفلسطيني» في لبنان يوسف حمدان، لفت إلى أنّ «الاتفاق الذي كان قائماً بين اللجان والفصائل والجهات الداعية للتظاهرة، كان ينصّ على أن تبقى التظاهرة داخل حدود المخيم»، مشدّداً على أنّ «ما حصل يجب ألا يتكرر ثانية».
من جهته، أشار محمود حليمة، أحد الذين أصيبوا في التظاهرة، إلى أنّها كانت «من أجل الضغط للعودة إلى مخيّم نهر البارد، وليست لدعم فتح الإسلام»، متسائلاً: «هل أصبحت المعادلة الجديدة عند السلطة اللبنانية هي في قمعنا، ومنعنا من التعبير عن رأينا أو التظاهر، وحصرنا داخل أزقة المخيم؟».
أمّا الشيخ سليم شمّا الذي أصيب في يده ورجله اليسرى في التظاهرة، فقد أكّد على «سلمية التظاهرة، ورفعها العلمين الفلسطيني واللبناني معاً، وأنّ أشخاصاً مجهولين أطلقوا النّار في اتجاه الجيش اللبناني والمتظاهرين من الأبنية المجاورة، لافتعال المشكلة وتوتير الأجواء، وأنّ أول المصابين هم الذين حاولوا ثني المتظاهرين وإعادتهم إلى داخل المخيّم»، ملقياً مسؤولية ما حصل على المشرفين والمنظمين الداعين للتظاهرة، الذين «كان عليهم إغلاق مداخل المخيّم والتحكّم بمسار التظاهرة، من أجل تلافي أحداث سبق وقوعها خلال الأيام الماضية»، وعلى الجيش اللبناني الذي «لم يعطنا الفرصة لحلّ المشكلة».
بدورها، عبّرت الناشطة الإيرلندية كويفا باترلي عن أسفها «لاستهداف مدنيين وعزّل بهذا الشكل العنيف، الذي أدّى إلى وقوع جرحى وقتلى»، لافتة إلى «ضرورة حلّ مشكلة مخيّم نهر البارد، وعودة النّازحين إليه، لأنّ ذلك وحده يساهم في وضع حدّ لكلّ ما يجري».