جديتا ــ سيرين قوبا
انتظر جريس طانيوس الفرنجي الأول من تموز للاحتفال بعيده السادس بعد المئة وربما أكثر. أمضى جريس عمره بتربية الماعز والأغنام ويتذكر كيف تعرّف بزوجته ويقول إنه كان يرعى قطيعه في مرتفعات جديتا و«شفت حنّة.. وحبّيتها من أول نظرة وأصرّيت إنو أتزوجها»

أمس دخل جريس طانيوس الفرنجي عامه الـ106، ولتاريخ ميلاد الفرنجي قصة طويلة يرويها: «بهديك الأيام كانوا الأهل يطولوا حتى يسجلوا أولادهن حتى أني بتذكر كنت كبير وقت اللي عرفت إنو أهلي سجلوني توأم مع أخي الصغير ضاهر حتى ما ياخدوا جزاء، بس أنا بأكدلك يا بنتي إنو عمري أكتر من 105 سنين لأنو كمان بحرب الأربعتش كنت عم إرعى الغنمات بالسهل وكان عمري فوق العشر سنين». يمسح وجهه بيديه ويضيف: «حسبيهن يعني بيطلع عمري أكتر من مية وستي بس بالتذكرة أنا من مواليد 1/7/1909 بس بعرف إنو أنا أكبر واحد في جديتا وأكيد في غيري كمان بالبقاعيفخر جريس بعائلته المؤلفة من 7 أولاد، 5 بنات وصبيين، وأحفاده الـ26 «وزوجت ولادي وولاد ولادي..». ويفخر أحفاد أولاده حين ينادون «يا جدي كلّم جدّك».. فهو لم يتعب بعد ولم يكلّ من الحياة الأسرية والعائلية، فالعائلة بدأت تتحضر منذ الآن للاحتفال بعيد ميلاده الذي سيكون «صاخباً» كما يتمنى العم جريس الذي لا يملّ سرد قصص عن الأتراك والإفرنسيين خلال احتلالهم بلادنا. فأحفاد العم جريس يحفظون عن ظهر قلب كل ما دار من أحداث في البقاع خلال الحقبات الماضية. يتباهى جريس الفرنجي بصحته الجيدة طوال هذه الأعوام ويقول: «في حياتي ما أخدت حبة «أسبرو»، باكل كل الأكل عربي وإفرنجي.. وأطيب شي كاس العرق البلدي لأنو يعطي النشاط للجسم».
يقضي العم جريس أوقات فراغه بين أولاده وأحفاده الذين يسكنون بجواره، وبالتنزه أو بالمشي قرب منزله وبشرب النرجيلة و«طبعاً بأركل، وهلأ بدك تصوريني أنا وعم أركل». وحين يستوقفني النسيان وأسأله بصوت مرتفع ينظر إليّ محدقاً «ليش عم تعلّي صوتك ما أنا بسمع كتير منيح، بعدو سمعي ونظري الحمد لله كتير منيح، وذاكرتي قويي وشو بدك تخبرك عن إيام الأتراك وظلم الأتراك والفرنسويّي».
الحديث والحوار مع «المعمّر» جريس الفرنجي لا ينتهي، فهو ينتقد بقسوة «عصر اليوم» والحضارة التي قضت على كل شيء، وتحديداً على الطبيعة والبيئة «كانت الطبيعة إيام زمان أجمل، وما كنا نسمع بكسارات ومش عارف شو بعد.. كان النبع بجديتا نبع، وكان الأكل إلو طعمي ونظيف مش متل اليوم كلو صناعي وما إلو طعمي».
أما الأوضاع السياسية السائدة حالياً في البلاد فهي لا تعني العم جريس من قريب أو بعيد «ما بتعاطى بالسياسة ابني طانيوس بخبرني شو عم بيصير، بس مش عم إفهم ليش هيك عم بيصير، ومش عارف شو بدن هالسياسيي من البلد، كانت إيام زمان أحسن».