جان عزيز
مرة جديدة تتخذ المواجهة بين ميشال عون والسلطة القائمة شكل الصراع بين «أمّ الصبي» ومُدّعية البنوّة. بحيث يظهر جلياً حرص الأول على الأصول، ويتضح أكثر فأكثر تهوّر الثانية في إطاحة كل الأسس. أما ظاهر هذه المواجهة المرتقبة خلال 48 ساعة، فهو الانتخابات الفرعية في دائرتي بيروت الثانية والمتن الشمالي.
قبل سنتين تقريباً، كان السيناريو الأول المطابق للمواجهة المذكورة. حصلت الانتخابات النيابية. بادرت السلطة إلى تعطيل المجلس الدستوري قبل النظر في النتائج. تقدم عون بطعن. أخذ القضاة الدستوريون به. فاستنفرت السلطة، وردّت بإلغاء أعلى سلطة قضائية في النظام الديموقراطي، واستباحت أساساً جوهرياً للمنتظم البرلماني، وهو القائل بوجوب قيام هيئة تسهر على دستورية القانون وشرعية التمثيل.
اليوم بعد سنتين على ضرب القضاء الدستوري، يبدو الدور للقضاء الإداري، ليصير في مرمى الاستباحة والإطاحة. كيف؟ بعد يومين كحد أقصى، أي يوم الخميس المقبل في 5 الجاري، ينتظر أن تقدم السلطة على نشر ما تسميه «مرسوم دعوة الهيئات الناخبة» للالتئام لانتخاب مقعدين نيابيين شاغرين. بغضّ النظر عن ضرورة حصول ذلك، كما بمعزل عن الجدل حول عدم دستورية امتناع إميل لحود عن توقيع المرسوم الأول بُعيد اغتيال بيار الجميل، يبقى الثابت قانونياً، أن المرسوم المرتقب صدوره عن السلطة، سيكون مناقضاً لقانون الانتخاب في مادته السابعة، كما لأسس عمل السلطات الدستورية اللبنانية.
من جهة أخرى، بات محسوماً أن عون في المقابل سيقدم عبر ناخبين مؤيدين له في الدائرتين المذكورتين، على تقديم مراجعة في المرسومين المرتقبين، أمام مجلس الشورى، وهو الهيئة الصالحة للمراجعة في «مشروعية الأعمال الإدارية للسلطات العامة».
عند هذا الحد، يُجمع الخبراء القانونيون على أن مجلس الشورى سيكون ملزماً قبول المراجعة، والأخذ بها وإبطال المرسومين «بسبب تجاوز حد السلطة»، من جانب الدولة ممثلة بمجلس الوزراء في هذه الحال، كأحد أشخاص القانون العام.
والأهم أن مجلس الشورى، بصفته سلطة القضاء الإداري، سيكون ملزماً وقف تنفيذ المرسومين؟ لماذا؟ أولاً للمخالفة الفاضحة لقانون الانتخاب والنظام الدستوري العام، وثانياً لكون مجلس الوزراء قد خالف بتصرفه هذا قراراً صريحاً صادراً عن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، في 13 آذار الماضي. واللافت أن القرار المذكور ممهور بتوقيع رئيس الهيئة القاضي شكري صادر، وهو القاضي نفسه المعني بالمحكمة الدولية، ما يعطي قراره صدقيّة كبرى.
واللافت أيضاً أن القرار نفسه جاء جواباً عن مراجعة وزير العدل، نيابة عن الحكومة في 8 كانون الثاني 2007. واللافت ثالثاً وأخيراً أن القرار المذكور انتهى إلى موقف حاسم يقول بأن الدعوة إلى الانتخابات ليست «من دائرة صلاحيات السلطة الإجرائية ممثلة بمجلس الوزراء»، وإلى الجزم بأنه «لا يصحّ أن يتّخذ مجلس الوزراء قراراً بدعوة الهيئات الناخبة لإجراء الانتخابات الفرعية (...) في حال عدم صدور مرسوم الدعوة من جانب المرجع المختص»، أي رئيس الجمهورية.
بناءً على ما سبق، وإزاء نشر السلطة مرسوميها المرتقبين يوم الخميس المقبل، والطعن المتوقّع فيهما، سيكون مجلس شورى الدولة نظرياً أمام احتمال من اثنين لا ثالث لهما:
إمّا أن يقفز فوق كل منطق وقانون وأصول، فيقرر رد المراجعة المرتقبة، مماشاة لما يعرف باسم «منطق الدولة»، أي محاباة السلطة القائمة، فيكون عندئذ قد وضع نفسه في موضع المنتحر ذاتياً. وإمّا أن يلتزم حدود القوانين فيقرر وقف المرسومين «لعدم الصلاحية» و«مخالفة الأصول الجوهرية»، و«مخالفة القانون» في آن معاً.
وعندئذ يصير المجلس في مواجهة مفتوحة مع السلطة، قد تنذر بالانقضاض عليه ومحاولة إلغائه، تماماً كما فعلت مع المجلس الدستوري. علماً أن احتمالاً ثالثاً ممكن، على قاعدة غرائب أداء الحكومة الحالية، وهو المتمثّل في أن يبطل مجلس الشورى المرسومين الانتخابيين، وأن تتجاهل السلطة قراراته. وهي بدعة ليست الأولى في نهج السلطة الحالية، وإن كانت ترتّب عليها غرامات مالية لجهة القانون، وتهمة الانقلاب على الدولة، لجهة مفهوم الانتظام
العام.
يبقى السؤال: المجلس الدستوري بالأمس، ومجلس الشورى اليوم، ماذا لو بلغت كيدية السلطة حيال ميشال عون حدّ وجود رئاسة الجمهورية أو إلغائها؟ الظاهر أن القرار محسوم وتنفيذه قد بدأ.