إبراهيم الأمين
يبدو أن النقاش قد احتدم داخل أوساط المعارضة عن مستقبل الخطوات الواجب اتخاذها في مواجهة فشل المبادرات الآيلة الى إقامة حكومة وحدة وطنية، وخصوصاً أن تفسيرات متضاربة أعطيت لمواقف كل من الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون وآخرين من مسألة إقامة حكومة ثانية في القريب العاجل، إذ بدا التحفظ المبدئي نوعاً من الرفض وهو الأمر الذي ينفيه الرجلان علماً بأنهما يؤكدان أن الأبواب لم توصد بعد أمام أي جهد جدي داخلي أو خارجي لترتيب الأمور مع فريق 14 آذار.
وقالت مصادر مطلعة إن الرئيس بري قال مراراً أمام شركائه من قوى المعارضة إنه يفضل إبعاد الخطوة حتى اللحظة الاخيرة، وإنه يجب عدم إقفال الباب أمام تسوية للأزمة قد يكون مدخلها الاستحقاق الرئاسي. وهو أبلغ الأمر نفسه الى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى عندما قال له ما كان قد قاله لآخرين من الوسطاء والموفدين من أن تعذر قيام حكومة وحدة الآن، لا يمنع من فتح النقاش نحو توافق على الملف الرئاسي. فإذا ما تم هذا الأمر فإن ملف الحكومة يصبح تحصيل حاصل. لكن بري يستدرك هنا ليقول: لكنهم لا يريدون حواراً ولا تفاهماً، لا على الحكومة ولا على الرئاسة، ويبدو أنهم يريدون السير بالأمور كما فعلوا في ملف المحكمة الدولية.
وبحسب مناخ المعارضة فإن بري يفضل أن يترك ملف الحكومة الثانية أو أي إجراء دستوري الى حين تفتح المهلة الدستورية للانتخابات الرئاسية. والمعارضة لن تكون محرجة في أي خطوة إذا ما رفض فريق السلطة السير بتوافق رئاسي. ويحسم بري في هذا المجال موقفه: من دون توافق ومن دون شراكة في القرار لن تكون هناك انتخابات رئاسية، لأن المعارضة لن توفر النصاب لكي يختار الآخرون رئيساً لنصف اللبنانيين، وبالتالي فإن خيار تعطيل النصاب مثل خيار توفيره هو تعبير ديموقراطي لا يمكن لأحد الطعن فيه.
من جانبه، يبدو العماد عون أقرب الى موقف لا يفتح الباب أمام انقسامات سياسية إضافية في لبنان عموماً وفي الشارع المسيحي خصوصاً. وهو يأخذ في الاعتبار موقف مراجع من بينها البطريرك الماروني الذي ينتقد خيار الحكومة الثانية، لكن موقف عون يظل في الإطار المبدئي أي الإطار الذي يقول بأن المعارضة تريد التوصل الى حل. وإذا ما تعذر هذا الحل فإن المعارضة لا يمكنها تسليم الآخرين البلاد في ظل اختلال فاضح في موازين القوى التمثيلية. وعندما يحاول البعض إحراج العماد عون بمسألة التمثيل القائم يأتي الجواب: إذا كان هؤلاء يعتقدون أننا لا نمثل أغلبية مسيحية، فلماذا لا يلجأون الى انتخابات مبكرة تعطيهم الأغلبية بصورة حاسمة، وإذا كانوا يريدون العمل بنتائج الانتخابات الماضية فهم يعرفون أننا نمثل الأغلبية المسيحية وبالتالي فإنه لا يمكن اختيار رئيس للجمهورية لا يمثل هذه الأغلبية، لذا عليهم أن يقرروا، فإما أن يقروا بالواقع وهذا من مصلحتنا ومن مصلحة البلاد، وإما أن يقبلوا بخيار اللجوء الى الناس، سواء من خلال انتخابات نيابية مبكرة أو من خلال انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب.
أما الجانب الآخر من هذا النقاش فهو المتصل بأن فريق الأغلبية يريد الإتيان برئيس يمثل توجهاته العامة، وهي توجهات لا تنحصر بطائفة معينة، وإذا كان هذا الأمر صحيحاً وبالتالي يريدون رئيساً يمثل أقلية مسيحية وأغلبية سنية ودرزية، فإن عون لا يمثل الأغلبية المسيحية فحسب بل الأغلبية الشيعية، أما الأقلية الدرزية والسنية التي تدعمه فهي أكبر بكثير من الأقلية الشيعية والمسيحية التي يتمتع بها مرشح 14 آذار.
وبناءً على ذلك فإن موقف عون يهمس بعدم رغبته في التصادم مع أحد لا في لبنان ولا في خارجه، ولكنه عندما يلجأ الى فتح الأبواب كاملة أمام تسوية سريعة، فهو لا يقفلها في المقابل أمام خيارات أخرى قد تضطر المعارضة إلى اتخاذها حفاظاً على التوازن العام وعلى الاستقرار السياسي، إلا إذا كان المطلوب ترك فريق السلطة يأخذ ما بقي من مؤسسات ومن أوضاع الى الانهيار الكبير.
من جانب حزب الله، لا تبدو الصورة أكثر تعقيداً، لأن الحزب يملك تبريراً إضافياً لقيام حكومة ثانية، ولكنه لا يريد احتكار القرار بشأن التوقيت، وإن كان هو الأكثر إحباطاً من المساعي العربية الخاصة بالتسوية، وبات يشعر بأن من يقوم بهذه الأدوار لا يعكس جدية ولا تصميماً عند الدول العربية المعنية بالتوصل الى حل. وبالتالي فإن حزب الله يكون أقرب الى توافق في النظرة من جانب المعارضة، وهو لا يمكنه أن يترك العماد عون وحيداً، كما لا يمكنه عدم الأخذ بوجهة نظر الرئيس لحود، بالاضافة الى أن وجهة نظر رئيس المجلس يجب أن تؤخذ جدياً بعين الاعتبار، وذلك يعني أنه ليس منتظراً من الحزب أن يقول الآن الكلمة الفصل في ملف الحكومة الثانية.
تبقى الكرة أخيراً في ملعب الرئيس إميل لحود، الذي حرص في الأيام الأخيرة على نفي عزمه على تأليف حكومة ثانية تتولى تقسيم إدارات الدولة وتشتيت قدراتها وتضع القوى العسكرية والأمنية أمام امتحان صعب. ولكنه حرص على الإشارة الى أن لديه من الخيارات الدستورية ما يكفيه للقيام بما يلزم وفي الوقت المناسب. ولكن لحود يرى أن الفريق الآخر يمضي في سياسة الارتهان لمصالح خارجية، وأنه لم يعد مفيداً منحه وقتاً إضافياً، وأن ما فشل حتى الآن من مبادرات عربية وغير عربية يدل على أن القرار الذي يعمل بموجبه فريق 14 آذار ليس قراراً محلياً ولا يعكس رغبة في التوصل الى حل.
وبناءً على ذلك، فإن الرئيس لحود ينظر بحذر الى مسألة تأخير الخطوات الواجب اتخاذها من جانب المعارضة. وهو يرى في موعد 15 تموز أمراً ضرورياً لإفهام فريق 14 آذار كما الدول الداعمة له، أن الوقت يمر بسرعة، وأن أي تأخير في حسم الموقف من شأنه إدخال البلاد والمؤسسات الوطنية في متاهات جديدة، كما يرى أن على قادة المعارضة التشاور سريعاً ومناقشة الأمر من زاوية عملانية وأن يتم بت الموقف، وإذا لم يحصل ذلك خلال وقت قصير فإنه سيجد نفسه مضطراً لخطوات من جانبه.
ومع أن لحود يتكتم على ماهية هذه الخطوات، إلا أن الرائج الآن في الآوساط المعنية ما يتصل بالوضع الاجمالي للمؤسسات الدستورية، ما يعني أنه أقرب الى خيار الحكومة الانتقالية التي تلجأ الى خطوات استثنائية من نوع حل المجلس النيابي والدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة تجري على أساسها الانتخابات الرئاسية وتؤلف في ضوئها الحكومة الجديدة. وهو بذلك يرى أن مثل هذه الخطوات تفتح الباب أمام استعادة المؤسسات الدستورية كافة شرعيتها الكاملة.