أنطوان سعد
يبدي معظم السياسيين اللبنانيين المخضرمين قلقاً كبيراً من المنحى الذي تأخذه القوى السياسية كافة منذ مطلع العام الجاري، والقائم عملياً على مبدأ عدم إعادة النظر في أي من سياساتها وقراراتها حتى لو أثبتت عقمها أو عدم قدرتها على تحقيق الغاية الأساسية التي من أجلها وُضعت. ويضع هؤلاء السياسيون، وهم من الموالاة والمعارضة على السواء، في مقدم هذه القرارات قرار الاستمرار في الحكومة وعقد جلسات مجلس الوزراء وإصدار المراسيم من دون توقيع رئيس الجمهورية وبغياب الوزراء الشيعة، وقرار الاستمرار في الاعتصام في الوسط التجاري على رغم ضررهما الكبير على الاستقرار السياسي والأمني، وبالتالي الاقتصادي والاجتماعي.
ويلفت وزير ونائب سابق أخذ مسافة ملحوظة من الموالاة، وإن كان لا يزال يتمتع بعلاقة جيدة مع معظم أفراد آل الحريري، إلى أن البلاد بلغت حداً كبيراً من التشتت والانقسام باتت معه الحاجة أكبر إلى جامع للجمهورية بدلاً من مجرد رئيس لها. فيما لفت نائب من فريق الموالاة إلى خطورة المضي في سياسة التصلّب مع المعارضة وصولاً «إلى حد عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بأكثرية عادية، لا يمكن أن تؤدي ـــــ برأيه ـــــ إلاّ إلى رئيس يشبه وضعه ودوره وضع ودور الرئيس إميل لحود الذي نعدّ الساعات لانتهاء ولايته، مع فارق كبير هو أننا سنضطر، نحن وغيرنا، إلى تعداد ساعات السنوات الست التالية التي سنكون قد هدرناها من حياتنا وحياة الشعب اللبناني».
ويبدي النائب الموالي استهجانه أن يبلغ الرأي العام اللبناني حداً من الإرباك والارتباك والضياع جعله يستمع إلى بعض المنجّمين دون أن يرى غضاضة في ذلك. ويشبّه سياسة بعض الأطراف في السلطة القائمة على لعب ورقة استثارة المشاعر المذهبية باللعب بالنار، وخصوصاً في ظل المعلومات التي تتردد في بعض الأوساط السياسية والصحافية عن حصول جماعة «جند الشام» وغيرها من التنظيمات الأصولية على مساعدات مالية واجتماعية. وأبدى تمنيه أن يملأ رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري مكان والده، وخصوصاً على مستوى قيادة الشارع وتوجيهه في سياق المشروع الحضاري الذي كان يؤمن به ويعمل له، لا أن ينزلق إلى درك المزايدات ومحاولة استرضاء المتطرفين. أما بالنسبة إلى مخاوف بعض الأوساط المسيحية من جراء تسجيل السابقة تلو السابقة في مجال تخطي رئاسة الجمهورية، فهو يراها مبررة بعدما باتت كل أمور الدولة تسير وتسيَّر من دون اعتبار للرئاسة الأولى.
في المقابل، يرى النائب والوزير السابق أن مشكلة البلاد الرئيسية هي غياب الشخصيات التاريخية القادرة على اتخاذ الخطوات الجريئة التي تصب في مصلحة لبنان دونما اعتبار لغير مصلحة البلاد العليا، ولو أدى ذلك إلى معاكسة إرادة هذه الدولة العظمى أو غيرها. وتوضح هذه الشخصية المخضرمة أن معلومات بلغته قبل ثلاثة أو أربعة أشهر مفادها أن المملكة العربية السعودية نصحت تيار «المستقبل» بأن يقدم الرئيس فؤاد السنيورة استقالة الحكومة بعدما ثبت أن الوزراء الشيعة لن يعودوا عن استقالاتهم، فيكون هذا التيار إذّاك محترماً للميثاق الوطني داحضاً النظرية التي تشيع أن القيادات السنية مصرّة على حكم البلاد من دون أخذ مبدأ الشراكة في الاعتبار، وفي الوقت نفسه، تنتزع الأكثرية من يد الرئيس إميل لحود ورقة عدم الاعتراف بالحكومة وبما يصدر عنها، وتجعله ملزماً بالتعاطي معها على أنها حكومة تصريف أعمال. والمعلوم أن حدود تصريف الأعمال ليست واضحة في شكل دقيق ويمكن الاجتهاد كثيراً في خصوصها. لكن تيار «المستقبل» غضّ الطرف عن هذا الاقتراح ولم يقبل به، وخصوصاً عندما علم أن الولايات المتحدة غير موافقة عليه.
ويُزيَّن لهذه الشخصية المخضرمة التي كانت قريبة من أجواء الحركة الوطنية أن تقارن موقف رئيس تيار «المستقبل» بموقف الرئيس صائب سلام في مطلع الستينيات عندما فكّر جدياً بالاستقالة غداة تصريح للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ينتقد بشدة حزب الكتائب الذي كان رئيسه بيار الجميل وزيراً في الحكومة. ولما علم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي آنذاك كمال جنبلاط الذي كان عضواً في تلك الحكومة أيضاً بنيّة رئيسها في الاستقالة، اجتمع به وتمكن من إقناعه بعدم المبالغة في التهيّب أمام موقف عبد الناصر الذي كانت شخصيته شديدة التأثير على القيادات الإسلامية اللبنانية. ويعتقد هذا الوزير والنائب السابق أن مشكلة لبنان اليوم هي بغياب الشخصيات الكبيرة عن الساحة الوطنية باستثناء البطريرك مار نصر الله بطرس صفير الذي لا مقابل له بين الشخصيات السياسية والدينية حتى يتمكن من الاتفاق معه وإنهاء الأزمة.