strong>رنا حايك
هو كتيّب جيب صغير، محتواه بسيط ولغته سهلة، يتناول موضوعاً شائعاً يعلم به الجميع لكن قلةً تتحدث عنه: التحرش الجنسي والعنف ضد المرأة تحت عنوان «من أجل المساواة، معلومات داعمة للنساء». أرادت جمعيتا «إن كونسرت» و«ضجيج» مقاربة العنف من ناحية عملية لا تكتفي بطرح الأسئلة والمشاكل بل تقدم الأجوبة على طريقة التصرف حيالها: ما هو العنف؟ متى تدرك المرأة أنها تعرضت له؟ كيف يجب على المرأة التصرف في هذه الحالة وإلى من تلجأ؟ ما هو التحرش الجنسي؟ ماذا لو كانت المرأة لا تستطيع تحمّل كلفة المحامين وأتعاب المحاكمة إذا تعرّضت للاغتصاب؟ ما هو دور الجمعيات العاملة في مجال حماية النساء من العنف وما هي عناوينها ووسيلة الاتصال بها؟
قد تبدو هذه المحاور عادية بسبب تكرارها في مجال العمل النسائي، إلا أن التدقيق في الكتيّب، والنظرة الشاملة للمشروع الذي تطلقه الجمعيتان يظهران رؤية جديدة وأسلوباً حديثاً في طرح قضية المرأة.
فقد تغيّرت نوعية المشاكل التي تواجه الجيل الجديد من النساء عن تلك التي كانت تواجه الجيل القديم، وبالتالي اختلفت معها آليات الدفاع. انحسرت صورة المرأة المستضعفة التي ناضلت الجمعيات النسائية في السابق لتحصيل حقوقها وفرضت المرأة العاملة نفسها، فسقط الخطاب التبشيري وخفتت نبرة النحيب والصراخ تلقائياً أمام حاجة ملحّة للمزيد من الجذرية على الأرض والتخلص من الشعارات الكبيرة. اختلف الموقع الذي تنطلق منه نساء اليوم، سارة أبو غزال شابة في أواخر العشرينيات من العمر، تحاول من خلال مشروع «ضجيج» الذي أطلقته في يوم المرأة العالمي منذ أربعة أشهر تعميم موضوع المرأة وإخراجه من الدوائر المغلقة للمؤتمرات وأهلها إلى الحيز العام من خلال الابتعاد عن التنظير والعمل على الأرض: «فالمشاكل التي يتطرق إليها الكتيّب تمسّ جميع النساء من مختلف الطبقات الاجتماعية والمناطق والخلفيات، لذلك بسّطنا اللغة التي اعتمدناها في الكتيّب وننوي توزيع الثلاثة آلاف نسخة على النساء في جميع المناطق التي سنقصدها على مراحل زمنية متتالية، كذلك سنقوم بالنشاط ذاته في الجامعات مع بداية الموسم الدراسي في أيلول المقبل».
وفي إطار تحديث اللغة التي يعتمدها الخطاب النسوي، تتّفق سارة مع سمر كعدي التي تنتمي للجيل ذاته وترأس جمعية «إن كونسرت» فهما تعتمدان المفهوم ذاته نظرياً وعلى مستوى التطبيق، لذا ارتأت الاثنتان إطلاق المشروع من خلال إقامة حفل موسيقي تحييه منسّقات موسيقى من النساء. فـ«إن كونسرت» تحاول التعبير عن القضايا الاجتماعية من خلال منافذ إبداعية «تعطي البرامج مناخاً جمالياً وتثبت أنّ الاعتبارات النظرية والحقوقية لا تنفصل عن الأشكال الإبداعية»، تؤكد سمر. لم يعد النحيب منطلقاً لطرح قضايا النساء، فالنساء كما تصفهن سمر «قويات وسعيدات»، لذا يجب أن يعبّرن عن هواجسهن في جو إيجابي ودون تحفّز جندري. فالموسيقى «عنصر تواصل أساسي عابر للجندر والطّبقات الاجتماعية واللّغات».
تحتفي «ضجيج» و«إن كونسرت» الليلة في زيكو هاوس بإطلاق الكتيّب في أمسية موسيقية تنفض صخب الشعارات الطّنانة عن قضية المرأة وتضفي عليها جواً من الألحان أقل صخباً وأكثر فاعلية...