strong>حسن زين الدين
  • عشرات المجمعات في الضاحية الجنوبية وعلى عشبها يمضي الشباب أحلى السهرات

  • بين المباني وزحمة الحياة في ضاحية بيروت الجنوبية تنتشر
    عشرات المجمعات الرياضية التي قامت جميعها بمبادرات فردية لتشكل متنفساً رياضياً مهماً للشباب. وبعد جولة في عدد منها يتبيّن المرء أن لها فوائد متعددة، وأنها وسيلة بديلة للتسلية
    تحل مكان وسائل أخرى تشجع على الكسل والخمول.


    قبل سنوات قليلة لم تكن الملاعب الرياضية كثيرة في الضاحية الجنوبية، فجأة ازداد انتشارها. عُرفت أولاً بما يمكن تسميته ملاعب ميني فوتبول عشبية، تلفت الانتباه وتستثير الحافز الرياضي لأبنائها، بعدما كانت تضيق بهم بعض الملاعب الرملية في السابق.
    المجمّعات هذه لها فوائد رياضية بالطبع ولكنها أوجدت أيضاً نوعاً من الحركة الاقتصادية، يدفع الراغب في اللعب فيها مبلغاً معيناً لا يزيد في معظم الأحيان على خمسة آلاف ليرة، وعليه التقيد بأدبيات الملاعب.
    اللاعبون يأتون في مجموعات أو فرادى، وهكذا يشكل الملعب مساحة تعارف وتكوين الصداقات، وهو أيضاً مكان لتطوير مهارات رياضية مختلفة.
    وقد تحوّلت سهرات بعض الشباب في الضاحية إلى سهرات رياضية الطابع، تمتدّ حتى منتصف الليل. يتنافسون على ساحرتهم المستديرة، يصيبون الشباك أحياناً و يخطئونها أحياناً أخرى، تعلو أصواتهم في لحظات لكن سرعان ما يهدأون، ينشطون فرحين بممارسة هوايتهم المفضلة على ملاعب عشبية، إذ «كانت كل الملاعب سابقاً رمليةً وتضيق بالشباب» يقول موسى الذي خبر التنقل هو وشباب حيّه في الضاحية بين تلك الملاعب «كنا في بعض الأحيان، نلعب عند السابعة صباحاً، لانشغال الملعب طوال يوم الأحد»، مشيراً الى أن الوضع بات أفضل حالياً «حيث نلعب مرتين أسبوعياً، وفي المساء، إضافة الى متعة اللعب على أرضية عشبية». ويلفت موسى الى أن هذه المجمعات ــ الملاعب ساهمت من خلال شروط التقيّد بالأخلاق، في الحد من بعض الإشكالات التي كانت ترافق المباريات الشعبية في السابق، والتي كانت تنتهي أحياناً بعراك بين الشباب، إضافة الى عدم إزعاج سكان المباني المحيطة بالملعب والمارّة، لأن المجمع مسيّج، ويحول دون أن تصيب كرة طائشة أحدهم أو أن تكسر زجاج سيارة أو واجهة محلّ. وقد كانت الملاعب الرملية سبباً في سوء تفاهم بين بعض الشبان وأمهاتهم، حيث كان اللاعبون يعودون إلى المنازل وقد تلطخت ملابسهم وأحذيتهم بالرمال صيفاً والوحول شتاءً.
    كرة القدم تشكل جزءاً مهماً من حياة أحمد س. الذي يعمل في ميكانيك السيارات «لازم كل جمعة إلعب فوتبول وإلا بحسّ إنو في شي غلط» يقول وهو لا يتوانى في بعض الأحيان عن اللعب بثياب العمل، إذا تأخر دوام عمله عن موعد انطلاق المباراة. ويبدو مستعداً لدفع مبلغ الثمانية آلاف ليرة أسبوعياً لاستئجار الملعب مرتين في الأسبوع، على رغم وضعه المادي المتواضع، فيقول «لأني أدفعها في أمر أحبه وأعشقه»، لكنه يشير إلى أن بعض الشباب، وخصوصاً العاطلين عن العمل، يوجدون حججاً للتغيّب عن بعض المباريات، والسبب الأساسي برأيه هو عجزهم عن دفع المبلغ المطلوب منهم.
    للأطفال أيضاً مساحة كبيرة من هذه الملاعب، فيأتون إليها ليلعبوا فرادى أو ضمن مجموعات أو من خلال بعض الدورات التدريبية التي تنظمها المجمعاتتأخذ هذه المجمعات أشكالاً متشابهة من الناحية الهندسية والمواصفات وتتميز ملاعبها بالعشب الاصطناعي وهي مسيّجة من مختلف الجوانب مع إضاءة ليلية وتتبعها استراحات للمتفرجين واللاعبين. وتتميّز أجواء الملاعب بالانضباط الأخلاقي، بحيث يُنذر أي شخص إذا ما تلفّظ بعبارة نابية، وإذا تكرر الأمر، يُطرد من الملعب.
    انطلاقة هذه المجمعات كانت في منطقة حارة حريك، من خلال ملعب الميني فوتبول «dream camp» عام 2002، ويشير خضر مرعي ــ المعروف بـ «أبو عرب» وهو أحد أصحاب الملاعب الثلاثة ــ إلى أن تجربة عشب الملعب الاصطناعي، كانت الأولى من نوعها في الضاحية ولبنان، وكان الهدف إقامة مشروع رياضي جديد بتجهيزات حديثة، يفتح مجالاً للشباب لممارسة هوايتهم في أماكن مناسبة غير الملاعب الرملية وأزقة الشوارع، ويقول «بدأنا مراسلة الشركات الأوروبية عبر الإنترنت، واستوردنا الأرضية العشبية الأولى من تركيا التي ظلت صالحة للاستخدام لمدة سنتين، ثم استقدمنا مهندساً تركياً مختصاً بهندسة الملاعب، فنصحنا باستخدام نوعية أفضل من المواد العشبية، وعملنا بنصيحته». ويلفت خضر إلى أن العشبة الأولى كانت بطول 1 سنتم، وهي أقرب الى الموكيت، وتُركّب على الزفت أو الباطون وتُستهلك سريعاً، وتراكمت فوقها برك مائية في الشتاء، وهي سبب إصابات اللاعبين بجروح أو حتى بمرض الديسك. أما العشبة الثانية فهي أجود نوعاً وبطول 6 سنتم، وبسعر 27 دولاراً للمتر الواحد، وتحتوي مادة مطاطية «rubber» تُركّب على الباطون بشرط أن يكون مائلاً وأن تُضاف إليه طبقة من الرمل البحري تسمح بامتصاص المياه وتصريفها من خلال أقنية على جنبات الملعب. ويشير «أبو عرب» الى أن تكلفة الملعب جاهزاً، بلغت 40 ألف دولار، ويلفت الى أن الملعب، الذي يقفل أبوابه عند 11 مساءً، يشهد إقبالاً كبيراً وصيفاً تُنظم على أرضه مدرسة لتدريب للأطفال على ألعاب الكرة. ويبلغ إيجار الملعب 20 دولاراً للساعة الواحدة، يتقاسمها أفراد الفريقين المتواجهين على أرضه.
    على مرمى حجر من «dream camp» يقع ملعب «مونديال». ويشير أحد المسؤولين عن الملعب بأنه ذو فائدة للأندية إذ يراقب كشّافوها اللاعبين الموهوبين، للاستفادة منهم. ويشهد الملعب إقبالاً يومياً ما بين 48 الى 60 لاعباً، بتكلفة 36 ألف ليرة للساعة ويتألف الفريق عادة من 5 لاعبين وحارس. والإقبال يكون من شرائح المجتمع المختلفة، مواطنين عاديين وأطباء ومهندسين وإعلاميين وغيرهمفي منطقة الجاموس تزايد عدد السكان وارتفعت في السنوات الأخيرة عشرات المباني الجديدة. ففي هذه المنطقة التي تقع عند أطراف الضاحية شرقاً كل شيء يبدو حديثاً، وقد أُنشئ المجمع الرياضي فيها قبل عام تقريباً، وذلك على خلاف منطقة برج البراجنة، حيث الازدحام وتداخل الشوارع والأزقة، ما يضطر الباحث عن ملعب رياضي إلى الاستعانة بأي فتى يرتدي زيّاً رياضياً قد يصادفه وسط الزحمة ليرشده إلى «مجمّع النجوم» الذي تأسس عام 2004، والذي يرى فيه المسؤول عنه علي حمود فائدة كبيرة لهذه المنطقة الشعبية التي تفتقر الى الملاعب. فقد ساهم في جمع شمل أبناء المنطقة، ويضيف حمود «كنا نقطع سابقاً مسافة طويلة للوصول الى ملعب رملي يقع بمحاذاة محطة الأيتام قرب طريق المطار، لنلعب كرة القدم».
    في منطقة حيّ السلم أيضاً ثمة علاقة وطيدة وتاريخية مع الحرمان والمعاناة، ولكن بات بإمكان شبابه أن يتنشّقوا الهواء ويتمتعوا بلعب الرياضة، وذلك من خلال عدد من المجمعات.
    على سياج «مجمّع المصطفى» في حي السلم لافتة ضخمة تتضمن عدداً من الضوابط الأخلاقية التي يلتزمها كل الزوار بحسب مدير المجمع عماد ترمس.
    يقول ترمس إن حجم الإقبال على الملاعب في المنطقة قد يصل الى ألف شخص في الأسبوع، ويقصد مجمعه شباب من أحياء الضاحية الأخرى ومن بيروت. ويبدو الاهتمام بالأطفال جليّاً، فأثناء الحديث كانت مجموعة منهم تلعب كرة القدم، وراح ترمس يشيد بإعجاب بمهاراة أحدهم «شوف بكرا هيدا شو رح يطلع منو»، ولفت الى أن الأسعار تشجيعية إذ بطاقة دخول الطفل إلى المجمع تُباع بألف ليرة فقط. عشرات المجمعات الأخرى تنتشر في مناطق المريجة، وحي ماضي، وبعجور، والغبيري، والمشرفية، والشياح.



    تصوير : (مروان بو حيدر)