strong>طالبت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أمس الحكومة اللبنانية بإجراء «تحقيق محايد في هجوم عنيف شنّته قوات الجيش ومدنيون لبنانيون على متظاهرين فلسطينيين الأسبوع الماضي، وأدّى إلى مقتل شخصين فلسطينيين وإصابة 28 شخصاً غيرهم على الأقل». ورأت المنظمة أنه «يجب محاسبة أفراد الجيش المسؤولين عن هذا الاستخدام غير القانوني للقوة، وأيضاً المدنيين الذين هاجموا المتظاهرين»
اتهمت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في «هيومن رايتس ووتش»، الجيش اللبناني «بقتل اثنين من المتظاهرين يبدو أنهما مسالمان، وجرح الكثيرين غيرهما، ولم يفعل شيئاً لمنع مهاجمة مدنيين لبنانيين للمتظاهرين». وطالبت ويتسن الحكومة اللبنانية «بالمبادرة لإجراء تحقيق لتحديد سبب إطلاق الجنود الأعيرة النارية على المتظاهرين وسبب تجاهلهم حماية المتظاهرين من هجوم المدنيين».
وروت منظمة هيومن رايس ووتش أنه في 29 حزيران الماضي «فتحت قوات الجيش النيران على متظاهرين فلسطينيين كانوا في مسيرة من مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين إلى مخيم نهر البارد، الذي شهد قتالاً ضارياً على مدى الأسابيع الستة المنصرمة، بين الجيش وجماعة «فتح الإسلام» المسلحة. وأراد المتظاهرون ـــــ وأغلبهم يقيمون في المخيم وتم إجبارهم على إخلائه نتيجة النزاع ـــــ أن ينتهي الاقتتال ويعودوا إلى بيوتهم».
ونقلت المنظمة عن الجيش قوله أن «متظاهرين مسلحين حاولوا اختراق نقطة تفتيش بغية المضي إلى مخيم نهر البارد، ولم يلتفتوا لتحذيرات الجيش المتكررة بالتوقف». من جهة أخرى، نقلت المنظمة عن شاهدي عيان، وصفتهما بأنهما ناشطٌ فلسطيني ومراقبة دولية كانا يراقبان التظاهرة، «أن المتظاهرين كانوا مسالمين وغير مسلحين، ولم يحاول أحد اختراق نقطة التفتيش».
وأضاف الشاهدان أن دافع الجيش إلى إطلاق النيران لم يكن واضحاً، وأن «ثمة شخصاً ليس من المتظاهرين ولا من الجيش، قد يكون أطلق النيران من أحد المباني القريبة، وربما دفع صوت الطلق الناري أفراد الجيش إلى رد فعل». وقال الناشط الفلسطيني: «جاءت الأعيرة النارية من مبان مدنية، موجهة إلى المدنيين الفلسطينيين، ولم أرها بعيني، لكن كان هذا واضحاً». وأضاف: «رد الجيش بالنيران وهو يظن أن هناك من يطلق النار عليه».
وقال شاهدا العيان «بعدما أطلق الجيش النار، هاجم لبنانيون من سكان المنطقة المتظاهرين الفلسطينيين بالعصي والسكاكين، ولم تتدخل عناصر الجيش أو قوات الأمن اللبنانية».
ووصفت «هيومن رايتس ووتش» التظاهرة بأنها بدأت احتجاجاً سلمياً للتعبير عن التضامن مع الفلسطينيين القادمين من نهر البارد إلى مخيم البداوي. وتابعت أن جمعاً انضمّ للتظاهرة بعد صلاة الجمعة، وشرع بضع مئات من الأشخاص في السير نحو نهر البارد، ضد رغبة منظمي التظاهرة. وتوقف زهاء 200 إلى 300 متظاهر على الطريق المؤدية إلى نهر البارد، على بعد نحو 200 متر من نقطة تفتيش للجيش اللبناني، حسبما ذكر الشاهدان. وبين الواحدة والثانية ظهراً أطلق الجيش عدة أعيرة نارية تحذيرية في الهواء ـــــ على ما يبدو ـــــ في محاولة لتفريق المتظاهرين.
وتابع الشاهدان أن نشطاء من عدة فصائل سياسية فلسطينية حاولوا إقناع المتظاهرين بالعودة أدراجهم.
وقالت كويفا باترلي، ناشطة في مجال حقوق الانسان ومراقبة دولية، إن «الجيش أطلق عدة أعيرة نارية تحذيرية، وتحركت النساء إلى الأمام وجلسن أرضاً في محاولة لتهدئة المتظاهرين، وعم الصراخ، لكن لم يزد الأمر على ذلك». وتابعت قائلة «حاول بعض الأشخاص التوسط وإخبار الجمع أن عليهم المغادرة. وتسنى لنا رؤية هذا بوضوح؛ لأنهم كانوا يولون عناصر الجيش ظهورهم وراحوا يلوحون بأيديهم في الهواء».
وأضافت باترلي: «وبعد عدة دقائق من الهدوء، وحين جلس الناس على الأرض، سمعت أعيرة نارية مصدرها الجيش، وعمّ الذعر وتفرق الناس».
وطبقاً للناشط الفلسطيني الذي طلب كتم اسمه: «حين حصل إطلاق النار كنت أحاول إقناع المتظاهرين في الصفوف الخلفية بالعودة. وراح آخرون يفعلون الشيء نفسه في الصفوف الأمامية. وكان أول المصابين من الفصائل الفلسطينية الذين كانوا يحاولون إيقاف التظاهرة ويسألون المتظاهرين العودة».
وكان للجيش اللبناني رؤية مختلفة للأحداث. ففي بيان صادر عن قيادته، قال «قام المتظاهرون بقطع الطريق بإطارات السيارات المشتعلة وغيرها من العوائق، مطالبين بالعودة إلى نهر البارد»، وإن الجيش «فعل وسعه لتفريق هذه المسيرة سلمياً، لكنه لم يتلق أي تعاون من المتظاهرين الذين حاولوا اجتياز نقطة تفتيش الجيش، من دون الالتفات للأعيرة النارية التحذيرية التي أطلقها الجيش».
وزعم الجيش أن المتظاهرين «كان معهم عصي وأدوات حادة تهدد سلامة قوات الأمن».
وقالت سارة ليا ويتسن إن «الطريقة الوحيدة لمعرفة ما جرى هي أن تشرع الحكومة في إجراء تحقيق مستقلّ ومحايد»، مضيفة أنه «إذا كان الجيش قد تصرف قانونياً، فلا شيء لديه يخفيه».
وقدّم الجيش تعازيه بوفاة المتظاهرين يوم الأحد 1 تموز، قائلاً إنهما «شهيدان» وقعا ضحيتين للأنشطة «الإرهابية».
وذكرت «هيومن رايتس ووتش» أنه «إلى الآن لم يعلن الجيش أو الحكومة الشروع في إجراء أية تحقيقات أو ملاحقة قضائية لأي من الجنود أو المدنيين الذين قاموا هاجموا المتظاهرين».
كذلك نقلت المنظمة عن الشاهدين روايتهما «لمهاجمة مدنيين لبنانيين من المنطقة التجمع الفلسطيني بالسكاكين والعصي، وهذا بعد إطلاق الأعيرة النارية»، فقالت كويفا باترلي: «هاجم مدنيون لبنانيون المتظاهرين، وتم طعن بعض الأشخاص الذين حاولوا أن يلوذوا بالمأوى. وأعرف أن أربع حوادث طعن وقعت بالفعل». وتابعت: "وهُشمت كاميرا أحد النشطاء، وسُلب شريط الفيديو، ثم تم طعنه».
وقال الناشط الفلسطيني: «وقعت مصادمات وشجار بالأيدي والهراوات والعصي مع أهل المنطقة من المدنيين اللبنانيين». وأضاف: «كانت الهراوات والعصي والسكاكين الحادة مع المهاجمين لا المتظاهرين».
وتعرّف مسؤول في الصليب الأحمر الفلسطيني إلى القتيلين وهما محمد الجندي، ويبلغ 42 عاماً تقريباً، وحسام مزيان، ويبلغ 25 عاماً تقريباً. وأفادت تقارير إخبارية بأن شخصاً ثالثاً قد لقي مصرعه، لكن هيومن رايتس ووتش لم تتأكد من ذلك.
وقال مسؤول في مستشفى صفد بالبداوي لـ«هيومن رايتس ووتش» إن الأطباء بالمستشفى عالجوا 28 متظاهراً مصاباً، منهم خمسةٌ مصابون بطلقات نارية، وقال: «كانت معظم الإصابات في الجزء السفلي من الجسد».
وقالت «هيومن رايتس ووتش» أمس، إنه أثناء الإشراف على التظاهرات يجب على قوات الأمن، ومنها القوات العسكرية، أن تلتزم مبادئ الأمم المتحدة الأساسية الخاصة باستخدام مسؤولي إنفاذ القانون للقوة والأسلحة النارية. وتدعو هذه المبادئ مسؤولي إنفاذ القانون إلى تطبيق أساليب غير عنيفة قبل اللجوء إلى استخدام العنف بما يتناسب مع درجة جدية الاعتداء، واستخدام القوة المميتة فقط إذا لم يكن ثمة حلّ آخر لحماية الحياة.
(الأخبار)