وفيق قانصوه
استبعد الناطق السابق باسم «اليونيفيل» تيمور غوكسيل انتشار قوات دولية على الحدود مع سوريا، مستبعداً رغبة أي دولة في المشاركة في قوة كهذه. ورأى أن الحرب الإسرائيلية القادمة على لبنان ستقع «حتماً، وستكون أكثر قساوة»

لا يفكّر الناطق السابق باسم القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، تيمور غوكسيل، طويلاً قبل الإجابة عمّن يحمّل مسؤولية الهجوم الذي استهدف القوة الإسبانية العاملة ضمن «اليونيفيل» في 24 حزيران الماضي، وذهب ضحيته ستة جنود. «مجموعة سلفية»، يجيب، مستدركاً أن جوابه ليس بناءً على معلومات، «لكن على تحليل للمعطيات التي رافقت الحادث، ومع الأخذ في الاعتبار التهديدات التي أُطلقت سابقاً والظروف المحيطة بالحادث، فإن أصابع الاتهام توجّه الى مجموعة سلفية، قد لا تكون بالضرورة في عداد القاعدة، لكنها تحاول تقديم أوراق اعتمادها الى هذا التنظيم».
لكن ماذا عن «حزب الله»؟ يجيب بسؤال: «لماذا يقوم بذلك؟»، ويتابع: «ما أعرفه أنه لدى البحث في أي جريمة ينبغي التفتيش عن دوافعها. على رغم كل ما يقال، فإن الحزب بحاجة الى وجود هذه القوات التي تقدم خدمات كثيرة إلى الجنوبيين، وهم في غالبيتهم من جمهوره، كما أنها تقف حاجزاً بينه وبين إسرائيل، وفي ظل هذه الظروف، لا دوافع أبداً لدى حزب الله ليكون عدائياً تجاه القوات الدولية».
وماذا عن إسرائيل؟ يستبعد غوكسيل ذلك «في هذا الوقت»، إذ إن «حلم الإسرائيليين كان أن ينتشر الجيش اللبناني والقوات الدولية على حدودهم ويبتعد عناصر الحزب عنها، وهذا ما حدث للمرة الأولى منذ فترة طويلة. هذا الأمر تروّج له الحكومة الإسرائيلية باعتباره النجاح الوحيد الذي حققته حرب تموز الماضي بعد الإخفاقات العسكرية للجيش الإسرائيلي، لذا لا دوافع لدى الإسرائيليين للقيام بعمل كهذا».
ويلفت الناطق السابق باسم «اليونيفيل»، الذي يعرف الجنوب «كما أعرف كفّي» الى المنطقة التي وقع فيها الهجوم وتوقيته. «كان في إمكان المهاجمين اختيار منطقة أخرى لتوجيه ضربة الى قوة أوروبية في القطاع الغربي، مثلاً، حيث ينتشر الإيطاليون والفرنسيون، إلّا أن هذا القطاع تسكنه غالبية عظمى من الشيعة، حيث يمكن بسهولة ملاحظة أي حركة مريبة لغرباء عن المنطقة، إذ إن السكان هناك يقظون جداً وعلى اتصال دائم بحزب الله وبالجيش اللبناني. أما المنطقة التي وقع فيها الهجوم ففيها تنوّع طائفي، وقرى مسيحية وشيعية ودرزية وسنية، وفيها أيضاً قرى وتجمّعات للبدو السُّنة. كما أنّ وقوع الاعتداء يوم الأحد، حين يتوجّه عشرات الآلاف الى قراهم، يجعل ملاحظة أي حركة غريبة أمراً في غاية الصعوبة. لذلك أعتقد أن التوقيت والمكان اختيرا بعناية»، ليخلص الى مخالفة التحليلات التي تتحدث عن استهداف متعمّد للقوة الإسبانية، فـ«الهدف كان ضرب قوة أوروبية واعتبارات المكان والتوقيت حتّمت استهداف الإسبان».
يستبعد غوكسيل تعرض «اليونيفيل» لهجوم مماثل «في الفترة القريبة، لأن الجميع اليوم مستنفر للبحث عن هذه المجموعات: الجيش اللبناني والقوات الدولية وحزب الله»، كما يستبعد أن تكون هذه بداية حرب مفتوحة على القوات الدولية، «لأن الهدف كان إثارة ضجة إعلامية كبيرة، والطريقة الأسهل للحصول على أعلى قدر من هذه الضجة تكون عبر استهداف جنود أوروبيين، وهذا ما حصل». لكنه يعرب عن خشيته من أن يغري الاعتداء مجموعات أخرى على القيام بالأمر نفسه، «لأننا نتعامل مع مجموعات صغيرة تحاول تقديم أوراق اعتمادها الى القاعدة عبر الإثبات أنها قادرة على تنفيذ ضربات ما يتيح لها الحصول على دعم مالي وبشري».
ولكن، هل يمكن مجموعات صغيرة أن تعدّ عبوة على هذه الدرجة العالية من التطور بحسب ما أشار قائد القوات الدولية الجنرال كلاوديو غراتسيانو؟ ينفي غوكسيل ذلك: «الأوروبيون غير معتادين هذه العبوات. الخبرات هنا غير موجودة في أي مكان في العالم، لم تكن هذه عملية معقدة مطلقاً. سيارة مفخّخة فُجّرت. حدث هذا هنا مئات المرات. كان هجوماً كبيراً لكنه ليس معقّداً».
بعد عام تقريباً على انتشار «اليونيفيل»، كيف يمكن تقويم أدائها؟ يجيب: «في بداية الانتشار حدثت مشاكل ناجمة عن عدم معرفة حقيقة المهمة التي قدِموا من أجلها، كما أن العملية جرت خلال وقت عصيب ووسط حذر شديد. الإيطاليون تأقلموا سريعاً، على عكس الفرنسيين والإسبان الذين استغرقوا بعض الوقت على رغم أنهم أرسلوا جنوداً محترفين، للدلالة على مدى اهتمامهم بلبنان. لكننا لا نحتاج الى جنود محترفين لحفظ السلام، الجندي الذي تعلّمه إطلاق النار لا يمكنك أن توظفه في مهمة لحفظ السلام. هذه هي المشكلة الحقيقية. الإيطاليون يعرفون لبنان وتمكّنوا من التأقلم، الإسبان أدركوا لاحقاً أن طبيعة مهمتهم اجتماعية، ثم تبعهم الفرنسيون. أدرك الجميع أن المهمة الأساس في حفظ السلام هي مساعدة السكان، لذلك تراهم الآن يقيمون دورات كومبيوتر مثلاً في القرى. كما أن الجميع أدرك أن المهمة ليست نزع سلاح حزب الله. لن تعرّض أي دولة جنودها للخطر للعثور على صاروخين في وقت يعلن فيه الحزب أن لديه أكثر من 20 ألفاً منها. لذلك تمكّن الجميع أخيراً من التأقلم وكانت الأمور تسير في شكل جيد». ويضيف: «لكن لسوء الحظ، بعض التكهنات الغبية والتافهة لبعض الصحافيين والسياسيين عن إمكان تورط «اليونيفيل» في معارك نهر البارد أو عن إمكان نشرها على الحدود مع سوريا فتح عيون هذه المجموعات».
إذن لن نرى قوات «اليونيفيل» على الحدود اللبنانية ـــــ السورية؟ يجيب فوراً: «عمر هذه المهمة 28 عاماً ولن يتغير. هذا يحتاج إلى تفويض جديد. على لبنان أن يطلب ذلك أولاً، وأن يقره مجلس الأمن، ثم أن نجد دولاً ترغب في المشاركة. لا أعتقد أن أحداً يرغب في ذلك. جلّ ما قد تقدّمه هذه الدول هو تجهيزات واستشارات ومساعدات تقنية»، لافتاً الى أن «للحدود جانبين، وإذا لم يوافق السوريون فماذا ستفعل اليونيفيل هناك؟ هل ستطلق النار على من يهرّبون المازوت أو البندورة؟ هل يمكن تخيّل قوة دولية في الهرمل، مثلاً؟ السكان هناك يعتمدون تماماً على مدينة حمص الأقرب إليهم من أي مدينة لبنانية. بعض التلاميذ يدرسون في سوريا ويقيمون على الجانب الآخر من الحدود، وهل هناك حدود أصلاً؟ ليس هناك حدود في كل الشرق الأوسط. هناك نظام حياة قائم في تلك المنطقة لا أحد يستطيع إنهاءه بسهولة». ماذا عن أداء «حزب الله» وعلاقته بـ «اليونيفيل» خلال السنة المنصرمة؟ يشير غوكسيل الى أن الحزب «كان حذراً في البداية بسبب ما رافق استقدام القوات من عرض قوة، لكنه أصبح أكثر مرونة. حدثت مشاكل متفرقة، لكنهم بدءاً بالسيد حسن نصر الله كانوا مرنين في الحديث عن اليونيفيل، وعندما يقول هذا الرجل شيئاً أضمن لك أن أي شاب في أي قرية جنوبية نائية يلتزم ما قاله. الجو لدى الحزب وجمهوره بات أكثر تقبلاً للقوات الدولية، لأنهم اكتشفوا أن وجودها مفيد اجتماعياً واقتصادياً. القوات الدولية تقوم بأعمال كثيرة هناك، يركّبون محطة كهرباء في بلدة، ومضخة مياه في أخرى، كما أن وجودهم يضع ضغطاً على الحكومة في بعض الأحيان لتلبية بعض متطلبات السكان، فضلاً عما ينفقه آلاف الجنود في هذه المنطقة بما ينعش اقتصادها».

الحرب القادمة

الحرب الإسرائيلية القادمة على لبنان «ستأتي حتماً اذا لم يُصَرْ الى حل في المنطقة، لكنها تحتاج الى بعض الوقت»، بحسب غوكسيل، لأن «الطرفين يتعلّمان من دروس حرب تموز، لدى إسرائيل جيش محترف ويتعلم جيداً. لا بد أنهم درسوا أخطاءهم ويحاولون تفاديها في الحرب المقبلة».
وماذا عن «حزب الله»؟ يجيب بسرعة: «يجهّزون أنفسهم لذلك اليوم». ويضيف: «إنهم يعملون في شكل مذهل. يمكنني الزعم أنني الوحيد في العالم الذي يعرف هذا الحزب منذ اليوم الأول، وأعرف معظم قادته ومسؤوليه المحليين، إلا أنني لم ألاحظ يوماً ما قاموا به في الجنوب، لقد جهزوا أنفسهم جيداً تحت عيوننا لكن من دون أن نراهم، سؤال وحيد أحلم بأن أعثر على جواب له: كيف فعلوا ذلك. لقد عمدوا الى تمكيننا من رؤية بعض ما كانوا يقومون به في بعض المناطق، فيما كانوا يقومون بأعمال كبيرة في أماكن أخرى لم نكن نعلم عنها شيئاً». ويخلص الى أن «ما يفعلونه الآن هو بناء دفاعاتهم وهذا ليس عملاً عدائياً».
الحرب المقبلة، في رأي غوكسيل، «ستكون أكثر دموية وقساوة وتدميراً. في المرة الماضية لم يقدّروا قوة الحزب. مشكلتهم الرئيسية هي في الصواريخ القصيرة المدى التي سيحتاجون إلى الدخول والتنقيب عنها تحت كل شجرة وصخرة، ما يعني أن عليهم إدخال أعداد كبيرة من المشاة لذلك». لكنه يستبعد أن يتمكن الإسرائيليون من القضاء على «حزب الله» لأنهم «باتوا مقتنعين بأنهم غير قادرين على ذلك، وما يريدونه هو الحد من قوته العسكرية إلى الحد الأدنى. وإبعاده عن الحدود، وهذا يعني مرة أخرى أن المدنيين سيدفعون الثمن».

نهر البارد

ماذا عمّا يتردد عن نية حلف «ناتو» إقامة قاعدة في شمال لبنان؟ «هذا هراء» يجيب، ويسأل: «كيف يمكن إقامة قاعدة كهذه على حدود مخيم نهر البارد، وكيف يمكن توقع أن يصبح كل السنة أصدقاء لـ«ناتو»؟ وهل سيوافق السوريون؟ عندئذ يمكن رؤية ما يمكن أن يفعله السوريون في لبنان».
أما في ما يتعلق بأحداث نهر البارد، فـ «لا أعتقد بأن الأمور كان مخططاً لها أن تصل إلى هذا الحد. أحداث طرابلس التي لا أعرف حقيقتها كاملة وأشعلت شرارة هذه الحرب، جعلت الأمور تخرج عن السيطرة. بعد كل ما رأيته في لبنان، لا أعتقد بأن لبنانياً، ولو كان في صفوف فتح الإسلام، يقدم على ذبح جنود لبنانيين، لذلك أظنّ أن معظم هؤلاء ليسوا لبنانيين».
هل تقف سوريا وراءهم؟ يجيب: «لا أعرف لماذا يمكن أن يرسل السوريون إلى هذا المخيم، الذي كانت لبعض المجموعات المتحالفة معهم سيطرة عليه، أناساً كهؤلاء لافتعال معركة كهذه تنتهي بسيطرة الجيش، أو على الأقل تسليم أمور المخيم إلى مجموعة لا علاقة لها بالسوريين. هذه خسارة للسوريين». لكن ربما سارت الأمور على عكس ما كانوا يخططون؟ يجيب، فيما عيناه تضيقان: «هناك أمور كثيرة تسير على عكس ما يخطط لها».
هل تستجيب الحكومة لدعوات بعض السياسيين بإرسال الجيش الى مواقع «القيادة العامة» في الناعمة وقوسايا وحلوى؟ يجيب: «لن أقول لجيش وطني ماذا يفعل، الجيش اللبناني من الجيوش المفضلة لديّ، والمطلوب حمايته وأن تدرس بعناية المهمات التي توكل اليه. من الناحية العسكرية، وبعد قليل من الراحة، أعتقد بأن الجيش قادر الآن على دخول أي مخيم فلسطيني، لكن من الناحية السياسية عليهم أن يدرسوا ما يفعلونه بعناية». ويتساءل: «ما الذي يمكن أن يؤدي اليه أي هجوم على القيادة العامة من تداعيات؟ هذا ما لا أعرفه، لكن نصيحتي للبنانيين: رجاءً، كونوا حريصين على الجيش لأنكم اذا خسرتموه فستخسرون البلد، وعليكم أن تتذكروا دائماً كيف كانت العصابات التابعة لأسماء سياسية كبيرة تعيث فساداً في شوارع مدنكم عندما انقسم الجيش. الجيش اليوم موضع إجماع ويقوم بعمل رائع وأداؤه في نهر البارد ويوم إضراب المعارضة وفي أحداث الجامعة العربية جنّبه الانقسام. المطلوب اليوم دعمه وإبقاؤه قوياً.