البدّاوي ـ عبد الكافي الصمد
قبل تشييع جثّة أحد الذين سقطوا في تظاهرة يوم الجمعة الماضي في مخيم البداوي، تجمّع عدد من نازحي مخيّم نهر البارد حول بعض المشايخ من أعضاء «رابطة علماء فلسطين»، أمام باحة مسجد «زمزم» وسط مخيّم البدّاوي، في محاولة منهم للاستفسار عن أسباب تعليق الرابطة مساعيها في المفاوضات، ولمعرفة المصير الذي سيؤول إليه مخيمهم، بعد الدّمار الكبير الذي لحق به، جرّاء الاشتباكات الدائرة فيه بين الجيش اللبناني ومسلحي حركة «فتح الإسلام» منذ أكثر من شهر ونصف شهر.
المشايخ الذين بذلوا ومسؤولي الفصائل الفلسطينية في الشّمال، جهوداً كبيرة من أجل تنفيس الاحتقان والغليان السائدين في أوساط النّازحين والمقيمين في مخيّم البدّاوي، لم يملكوا إلا مصارحة الذين تجمّعوا حولهم بحقيقة الوضع، ولو جزيئاً، وذلك عندما بادر أحدهم إلى القول: «كلّ الجهود التي بذلناها هدفت في المقام الأول إلى الحفاظ على المخيّم والبقاء عليه، ولو مدمّراً، لأنّ رمزية العودة إليه تعني الكثير بالنسبة إلى الفلسطينيين في لبنان، لا المقيمين فيه فقط»، مشيراً بلهجة بالغة الجدّية والحذر: «منذ البدء، سعينا إلى الابتعاد عن أن يكون الحلّ في مخيّم نهر البارد عسكرياً، لأنّ حسم الأمور بهذه الطريقة يعني أنّ الخطط الموضوعة لتدمير المخيّم بكامله تسير على دربها الصحيح، ما سيؤدّي مستقبلاً إلى مرور أوتوستراد عريض وسط المخيّم الحالي، وتشييد أربعة مجمّعات سكنية صغيرة فقط حوله، ويقولون لنا لاحقاً هذا هو مخيّم نهر البارد فتفضّلوا إليه!».
هذه الصورة السوداوية عن مستقبل مخيّم نهر البارد، وتراجع نسبة الآمال المعلّقة على العودة إليه في الأيام القليلة المقبلة، باتت سمة مشتركة بين معظم النازحين منه في اتجاه مخيّم البدّاوي، الذين بدأت حالة التململ واليأس تدبّ في نفوسهم. «لقد خسرنا جهد 50 سنة من التعب والكدّ في أيّام معدودة، وبسبب مشكلة لا علاقة لنا بها، واليوم نجد أنفسنا على الأرض»، يقول محمد زيدان النازح ووالديه وأفراد عائلته إلى مخيّم البدّاوي، حيث يعمل حالياً سائق سيارة تاكسي.
ويشير زيدان الذي كان ووالده وإخوته يعملون في مجال التجارة التي اشتُهر بها قاطنو المخيم، وخصوصاً مع سكان الجوار في عكار والمنية، إلى أنّ «خسارتنا تزيد على مليون دولار أميركي، لكننا استطعنا أن نخرج من المخيّم حاملين معنا بعض ما ادخرناه من مجوهرات وأموال نقدية، لأنّ أكثريتنا لا تضع أموالها في المصارف، وها نحن اليوم نبحث في إمكان الانطلاق مجدّداً من نقطة الصفر!».
وحتى يتجاوز زيدان أزمته، لا يغفل أن ابنه البكر الذي سيتقدّم لامتحانات شهادة البريفيه، وعده بالنجاح والحصول على درجة امتياز، «عندها فقط يمكنني القول إنني تخطيت محنتي بأكملها»، يقول بلهجة يخلط فيها بين المرارة والأمــل.
لكنّ سؤالين كبيرين يؤرّقان بال جميع النازحين، الأول عن موعد العودة إلى المخيّم، والثاني عن كيفيتها، وعن إمكان العيش في مخيّم بات الحدّ الأدنى من الخدمات الأساسية غير متوافر فيه، وإن جاهر البعض منهم بأنّهم «جاهزون للعودة إلى بيوتنا المدمرة، ونصب خيـــم فوق ركامها والعيش فيـــها، المهـــم أن نعود إليها».
وإذا كانت أخبار أنّ دولاً عربية كالسعودية والإمارات وقطر، وغيرها من الجهات المانحة، قد أعلنت استعدادها لتقديم التمويل اللازم من أجل إعادة إعمار المخيّم مجدّداً، لا تلقى تجاوباً جدّياً من جانب النازحين، فإنّ أكثر ما يثير حنقهم واستغرابهم في الوقت نفسه، الكلام الذي يقوله رئيس الحكومة فؤاد السنيورة من أنّه «ملتزم إعادة إعمار المخيّم»، وهو كلام تُسمع تردّداته في أرجاء مخيّم البدّاوي على شكل تساؤلات واندهاش: «السنيورة سيبني لنا المخيّم، إذاً لن نعود إليه أبداً»، «من لم يبنِ البيوت المدمرة لمواطنيه في الضاحية والجنوب، هل سيبنيها لنا؟».