strong> بسام القنطار
أعادت السفارة الإيرانية في بيروت أمس التذكير بـ«الجرح النازف» المتمثل بمرور 25 عاماً على اختطاف الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة، وهم: القائم بأعمال السفارة محسن الموسوي، بالإضافة إلى الدبلوماسيين: أحمد متوسليان، كاظم اخوان وتقي رستكار مقدم، الذين تعتقد إيران أنهم موجودون في السجون الإسرائيلية بعدما سلمتهم القوات اللبنانية التي اختطفهم عام 1982 إلى تل أبيب.
ويشكل استمرار إيران باعتبار الدبلوماسيين الأربعة أحياءً، إلى أن يثبت العكس بالأدلة القاطعة، خياراً سياسياً ودبلوماسياً وقضائياً لم تحد عنه السلطات الإيرانية قيد أنملة. وتتقاطع روايات العديد من المصادر حول مقتل الدبلوماسيين في لبنان، وعلى رأسها رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع الذي أعلن أواخر عام 1990 واثناء التحقيق العسكري الذي أخضع له في وزارة الدفاع في اليرزة، بأن الدبلوماسيين الإيرانيين قتلوا على أيدي عناصر من ميليشياته في المجلس الحربي «بعد وقت قصير على اعتقالهم». وفي محاولة للتنصل من كامل المسؤولية في هذا الملف، كرر جعجع في تصريح صحافي بعد إطلاق سراحه عام 2005 رواية مقتل الدبلوماسيين في لبنان وأن إيلي حبيقة، الذي كان مسؤولاً عسكرياً مركزياً للقوات في بيروت حينها، أعطى القرار بتصفيتهم. وتتقاطع هذه الرواية مع رواية روبير حاتم الملقب «كوبرا» في كتابه الشهير في عام 1999 «الخيانة من تل أبيب إلى دمشق». ولكنها تتناقض مع الرواية التي كان حبيقة نفسه قد أبلغها في عام 2000 إلى أهالي الإيرانيين الأربعة بأن الدبلوماسيين كانوا ما يزالون في السجن عندما حصلت الانتفاضة الشهيرة ضده في 15/1/1986.
ولا تزال إيران حتى اليوم تحمّل القوات اللبنانية، ومن ثم إسرائيل مسؤولية كشف مصير دبلوماسييها، كما لمّح أكثر من مسؤول رسمي إيراني بأنهم تلقّوا أدلة تشير إلى أن الإيرانيين الأربعة ما زالوا على قيد الحياة في السجون الإسرائيلية.
والجديد لبنانياً في هذا الملف، قرار محكمة التمييز الذي صدر في قضية خمسة أسرى لبنانيين محرّرين ضدّ السيّد سمير جعجع (بصفته قائد القوات اللبنانية)، على خلفيّة خطفهم «على الهويّة» في 1987 ومن ثم تسليمهم لإسرائيل في 1990 حيث مكثوا كرهائن حتى تحريرهم عام 2000. وتتشابه ظروف احتجاز هؤلاء الأسرى مع ظروف احتجاز الدبلوماسيين الإيرانيين واحتجازهم في المجلس الحربي قبل تسليمهم إلى إسرائيل. وفسر القضاء اللبناني، على نحو واسع وللمرة الأولى، مفاعيل قانون العفو، الذي يشمل جعجع، وقضى بمنع المحاكمة عن المدعى عليه سنداً إلى القانون المذكور وعلى أساس حجج اعتبرتها جهات حقوقية عدة أنها «متناقضة»، الأمر الذي يؤشر إلى أن قضية الدبلوماسيين الإيرانيين يمكن أن تلقى المصير نفسه فيما لو قررت عائلاتهم أن ترفع دعوى مماثلة في المستقبل.
وعلى الرغم من أن جرم خطف الدبلوماسيين الإيرانيين يصنّف جرماً متمادياً ومستمرّاً ولا يسقط بمرور الزمن، إلا أن ذلك لم يؤدّ إلى ملاحقة أيّ من خاطفيهم حتى اللحظة.
لكن إيران تبدو عازمة على متابعة الملف عبر مطالبتها، الإثنين الماضي، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالكشف عن مصير دبلوماسييها. ويتولى مساعد رئيس الجمهورية للشؤون القانونية والبرلمانية أحمد موسوي متابعة هذا الملف. ولقد طالب موسوي «جميع المنظمات الدولية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، وخصوصاً الأمم المتحدة وشخص الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالمتابعة الجادة والشاملة لكشف مصيرهم». ولقد حضر هذا الملف بقوة في عمليات التبادل الثلاث التي جرت بين حزب الله وإسرائيل وكان آخرها في عام 2004، ولم تعلن إسرائيل حتى اللحظة أنها تحتجز الدبلوماسيين أحياءً في سجونها أو جثثاً في «مقابر الأرقام» التي أنشأتها لغرض الاحتفاظ بجثامين الأسرى. ومن المتوقع أن يحضر هذا الملف بقوة في المفاوضات الجارية عبر وسيط سرّي معين من قبل الأمم المتحدة من أجل البحث في إطلاق سراح الجنديين الإسرائيليين المعتقلين لدى حزب الله منذ 355 يوماً.