أنطوان سعد
ما تجدر الإشارة إليه هو طريقة تعاطي فريق «الأكثرية» مع البيان الصادر أول من أمس عن مجلس المطارنة الموارنة، والذي أصاب نقطة موجعة لدى هذا الفريق بعد أقل من خمسة عشر يوماً على قضية إلغاء عطلة يوم الجمعة العظيمة التي أحرجت، خصوصاً، الوزراء المسيحيين الذين تحملوا وزرها، وحدهم، حتى لا ترتدي طابعاً طائفياً. فلو أصاب المعارضة، وخاصة التيار الوطني الحر، نصف ما أصاب قوى 14 آذار في هذا البيان، لكان من الصعب توقع رد فعلها. إذ لا يزال موقف رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون القاسي في البال يوم زار، غداة بيان مجلس المطارنة مطلع تشرين الأول الماضي، كسروان متفقداً أحد الجسور التي دمرتها الطائرات الإسرائيلية. في ذلك البيان، لم يرتكب المطارنة الموارنة أكثر من إبداء قلقهم من أن يكون هدف المطالبة باستقالة الحكومة الحؤول دون قيام المحكمة ذات الطابع الدولي. أما رد فعل العماد عون فاستغرق إصلاح أضراره أسابيع طويلة من جانب بعض أعضاء التكتل القريبين من بكركي وشخصيات روحية وأخرى سياسية محايدة.
ولا بد من الإشارة في أية حال إلى أن بعض قياديي قوى الرابع عشر من آذار كاد يخرج عن صوابه ويعلن مواقف أو يرسل وفوداً في اليوم نفسه إلى بكركي للتعبير عن استيائه، وينتقد علناً بيان المطارنة الموارنة. غير أن الهدوء ما لبث أن خيّم على فريق «الأكثرية»، وتقررت الاستعاضة عن هذه التحركات بالاكتفاء بإيفاد الشخصيات السياسية والمبعوثين للتعبير عن استياء هذا الفريق. وتم بذلك تبنّي الأسلوب نفسه الذي اعتمد غداة انتهاء الانتخابات النيابية في ربيع 2005 وتصريح البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير الشهير عن اختيار كل طائفة زعيماً لها، ما رأته قوى الأكثرية في ذلك الحين تكريساً بطريركياً لزعامة ميشال عون على المسيحيين، الأمر الذي أثار استياءها وجعلها تأخذ في مجالسها، ولكن بعيداً عن الأضواء، مواقف قاسية بحق سيد بكركي.
منذ صباح أمس الباكر توافد المبعوثون إلى الصرح البطريركي، بعضهم تناول قضية معاهدة حقوق الطفل في الإسلام محاولاً تبريرها والتقليل من شأن تأثير مضمونها على الأطفال المسيحيين من غير أن يوفق في إقناع البطريرك الماروني الشديد الاقتناع بضرورة تعزيز الدولة المدنية في لبنان، وفق ما جاء في مقررات المجمع البطريركي الماروني التي تبارى مسيحيو «الأكثرية» في الإشادة بها عندما صدرت، خصوصاً لجهة كلامها على الدولة المدنية. بعض آخر تولّى اتهام معلومات المطارنة الموارنة عما يجري في قوى الأمن الداخلي بأنها غير دقيقة وحتى غير صحيحة، لكن الأوساط التي أعطت بكركي هذه المعلومات زودتها مستندات داخلية دقيقة غير قابلة للدحض قد يعرضها البطريرك صفير على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي إذا اضطر لذلك. وهي مستندات لا تتعلق فقط بالتوزيع الطائفي الذي لم تسع المديرية العامة بقوة لاحترامه، بل أيضاً بسوء استعمال السلطة وتهميش مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي، ومخالفة الأنظمة والقوانين.
وركّز البعض الثالث في كلامه على قضية تملك الأجانب وتوضيح القانون الصادر في 5/4/2001، خصوصاً لجهة عدم تعريضه الأراضي اللبنانية لخطر البيع للأجانب، مؤكداً أن القانون المذكور يضع ضوابط لحماية الأرض. غير أن البطريرك الماروني غير غافل عن وجود ثغر وطرق للالتفاف على هذا القانون. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن لبكركي سياسة ثابتة في مسألة تملك الأجانب في لبنان ذي المساحة الضيقة أصلاً على أبنائه منذ صدور قانون تملك الأجانب، في أيلول سنة 1966، والذي واجهه البطريرك الراحل بولس المعوشي عبر المؤتمر الدائم للرهبانيات اللبنانية حتى تعديله في شكل يحمي لبنان في كانون الثاني من سنة 1969.
أوساط قريبة من بكركي كشفت لـ «الأخبار» أن البطريرك صفير لم يفاجأ بالاعتراضات التي وردته أمس، لا بل كان يتوقع أن تكون أكثر حدة، وأن سيد بكركي الذي اعتاد منذ إحدى وعشرين سنة مواجهة استياء أهل السلطة من مواقفه المبدئية، دعا بهدوء المعترضين إلى إبداء وجهات نظرهم مما أتى في البيان بطريقة علمية مدروسة. لذلك تكشف المصادر المطلعة عن قيام أكثر من جهة بإعداد مطالعات لدحض ما جاء في بيان المطارنة الموارنة، ومن المنتظر أن يقدم اللواء أشرف ريفي اليوم المطالعة الأولى.