البدّاوي ـ عبد الكافي الصمد نهر البارد ـ نزيه الصديق

المال السعودي حضر في البداوي وزكي سيقود تظاهرات العودة «إذا وجدنا تلاعباً!»

شهد مخيّم نهر البارد قبل ظهر أمس اشتباكات وقصفاً مدفعياً عنيفاً بين الجيش ومسلحي حركة فتح الإسلام، خصوصاً عند المحورين الجنوبي والشرقي، فيما لأ يزال الوضع السياسي على صعيد المبادرات والمساعي يراوح مكانه، بعد تعليق رابطة علماء فلسطين جهودها، وعدم بروز توافق فلسطيني داخلي على تشكيل القوة الأمنية المقترحة.
وكانت اشتباكات عنيفة قد دارت قبل ظهر أمس على محاور المواجهات العسكرية بين الجيش والمسلحين عند الجهتين الشرقية والشرقية ـــــ الجنوبية، استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، في الوقت الذي قامت فيه مدفعية الجيش البعيدة المدى بقصف عدد من الأبنية في تلة كستينا والسوق الرئيسية في المخيم القديم، وفي أحياء سعسع وصفوري وحي المغاربة، اضافة الى استهداف الابنية المرتفعة التي لجأ اليها المسلحون واستخدموها لإطلاق رصاص القنص باتجاه مواقع الجيش.
وفي موازاة القصف العنيف الذي دار على مختلف الجبهات، قام الجيش بعملية تمشيط واسعة عند المحور الجنوبي، والمحور الجنوبي ـــــ الشرقي، حيث تتركز اغلب المواجهات في الايام الاخيرة، اضافة الى استكمال فوج الهندسة في الجيش عملية تنظيف المباني والأحياء التي يسيطر عليها الجيش من الألغام والمتفجرات.
لكن استمرار الاشتباكات على هذه الوتيرة من غير حسم الأمور ميدانياً على الارض ونهائياً، سيؤدي إلى حال استنزاف للمخيم الذي «بات الوضع داخله مأساوياً جداً ولا تكفي الكلمات لوصفه»، بحسب مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الشمال أبو جابر، الذي ما يزال موجوداً داخل المخيم حتى اليوم، ويتساءل عن «سبب استمرار الحرب على المخيم بعدما وصل الجيش إلى حدوده، فأين هي وعود وزير الدفاع بوقف الأعمال العسكرية؟»، مضيفاً: «يبدو أن هناك قراراً بهدم المخيم الذي بلغت نسبة تدميره80%، ويتم ذلك ثنائياً، أي بالقصف من جانب الجيش، وبخرق البيوت وخندقتها لوصلها فيما بينها من جانب مسلحي فتح الاسلام لتسهيل حركة انتقالهم بأمان بعدما باتوا محاصرين في بقعة المخيم القديم الضيقة. وكلما طال أمد المعركة وقع المزيد من الضرر في المخيم. من سيعوض الناس عن الأضرار الكبيرة التي لحقت بممتلكاتهم؟».
ويصف أبو جابر الوضع داخل المخيم بـ«المأساوي، فمنذ أكثر من 22 يوماً لم يبق فيه مأكل ولا مشرب، بتنا نعتمد على فضلات الحبوب الباقية في بعض البيوت، وبقايا المياه في الخزانات التي لم يوفر القصف غالبيتها. نريد أن نصمد مع مئات من أبناء شعبنا، بوجه إطالة أمد المعركة. لا نريد أن نخرج تاركين المخيم بلا أي مسؤول يحافظ على ما يبقى منه برغم قساوة الظروف وقساوة المهمة. فمع من نتحدث، مع القذائف، أم مع المسلحين الذين لا يردون على أحد؟ ولم يبق سوى40% من عناصرهم، لكن الفلسطيني لا يزال يدفع فاتورة لا يد له فيها. وبقاء المئات من أبناء المخيّم فقط لا يبرر التمادي في قصفه بهذه القسوة».
وختم متسائلاً: «من الذي له مصلحة باستمرار النزف في العلاقة اللبنانية ـــــ الفلسطينية، ولمصلحة من إغراق الجيش في هذه المعركة؟ وما ذنب الفلسطيني ليدفع هذا الثمن الباهظ من مصيره؟ أين الإخوة؟ لمصلحة من التنكر لأبسط الحقوق الإنسانية للفلسطينيين؟ هل هي من بنود تطبيق القرار 1559، أم الطريق إلى إنهاء البلد، ووضع اليد عليه من الخارج؟».
وشهد مخيم البداوي خطوة لافتة أمس تمثلت بإطلاق حملة توزيع شيكّات الهبة المالية السعودية، والبالغة مليوني ليرة لبنانية لكلّ عائلة من نازحي مخيّم نهر البارد.
«لقد أتى المبلغ في حينه، ولو تأخّر مجيئه بعض الوقت لكانت الأزمة المعيشية والاقتصادية للنازحين قد انفجرت، ولانفلتت الأمور من عقالها». بهذه العبارة وصف أحد موظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» الوضع في مخيّم البدّاوي، الأمر الذي يشير إلى حجم المعاناة والضيق الذي بات يحاصر كل بيت بل كل فرد.
هذا الوضع المعيشي المتردّي للنازحين، يتضح من خلال حجم المراجعات وطلبات المساعدة التي بدأت تنهال على مكاتب الأونروا في مخيّم البدّاوي، وهو وضع يردّه أحد العاملين في الوكالة إلى «تقلص حجم المساعدات المقدّمة من الجهات المانحة»، لافتاً إلى أنّه «بعدما سارع العديد من الجهات إلى المبادرة في تقديم المساعدات، بات الأمر اليوم مقتصراً على ما تقدّمه الأونروا بنسبة كبيرة، ويمكن ملاحظة ذلك في النقص الكبير في حفّاضات الأطفال وحليبهم».
وفي ظلّ هذه الأوضاع، انطلقت أمس حملة توزيع الشيكات المصرفية من المساعدة المالية السعودية على المتضررين من اللبنانيين والفلسطينيين في مخيّمي نهر البارد والبدّاوي، خلال مؤتمر صحافي عقده رئيس لجنة الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني السفير خليل مكّاوي، ورئيس ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عبّاس زكي، والمدير العام لـ«الأونروا» ريتشارد كوك، في متوسطة البدّاوي الرسمية الثانية للبنات.
السفير مكّاوي شدّد على أنّ «الظروف القاسية التي نعيشها معاً فلسطينيين ولبنانيين منذ نحو 45 يوماً، في مواجهة جماعة إرهابية مبرمجة الأهداف، تمثّل انتهاكاً وقحاً وإجرامياً لشرعة حقوق الإنسان»، مؤكّداً أنّ «ما يجري ليس صداماً لبنانياً ـــــ فلسطينياً، ولا هو عنصرية بحق إخوة لنا»، معتبراً أنّ «أمن المخيّمات هو من أمن اللبنانيين».
وأكّد مكّاوي أنّ «خروج النازحين من المخيم مؤقت، ورجوعهم إليه مؤكّد، وإعادة إعمار المخيّم محتّمة، إنّما في بيئة سليمة، وبعيداً عن أيّ استغلال سياسي أو أمني»، لافتاً إلى أنّ «الاستعدادات لترميم ما تهدّم وإعادة إعماره بتمويل من المجتمع الدولي وبإشراف من الأونروا قد بدأت، على ألا تتمّ العودة إلا بعد إزالة الألغام وتأمين سلامة العائدين».
بدوره، أكّد زكي أنّ «العودة إلى مخيّم البارد أصبحت قريبة جدّاً، وأنّ إعادة بناء مخيّم نهر البارد ستجعله أفضل ممّا كان عليه قبل نشوء الأزمة الحالية»، داعياً النازحين إلى «عدم الخضوع للضغوط والدسائس، فنحن واللبنانيين في مواجهة الإرهاب يداً واحدة وإرادة واحدة من أجل إنهاء حالة العبسي، وعودة النازحين إلى بيوتهم في أسرع وقت»، مهدّداً: «إذا وجدنا أنّ هناك تلاعباً في موضوع العودة إلى مخيّم نهر البارد، فسأقود بنفسي التظاهرات من أجل منع ذلك»، لكنه أعرب في الوقت نفسه عن ثقته «بالحكومة وبرئيسها فؤاد السنيورة، الذي لم يترك محفلاً، عربياً أو دولياً، إلا طرح مأساة مخيّم نهر البارد عليه».
وعن العلاقة اللبنانية ـــــ الفلسطينية شدّد زكي على أنّه «لا عودة إلى الماضي البغيض»، مؤكّداً موقف منظمة التحرير الفلسطينية من «احترام سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، وأنّ الوجود الفلسطيني هو وجود ضيف لحين عودته إلى بلاده»، مركزاً على «أهمية وحدة الموقف اللبناني والفلسطيني لمواجهة أزمة مخيّم نهر البارد والنتائج المترتبة عليه»، داعياً إلى «إنهاء ظاهرة «فتح الإسلام» والعمل على اجتثاثها من جذورها».
من جهته، كرّر كوك التزام الوكالة الدولية «بمساعدة اللاجئين والوقوف إلى جانبهم حتى العودة إلى مخيّمهم».