غسان سعود
طلال الأسعد: انحراف في السياسة وإهمال لحاجات المنطقة وتجييش مذهبي

بعدما شُغلوا بخروج النائب مصطفى حسين من تجمّع «14 آذار»، يتابع العكاريون هذه الأيام بشغف حركة القيادي السابق في تيار «المستقبل» طلال الأسعد، وأسباب استقالته من التيار وظروفها، بعدما حدّ تمرده على «المستقبل»، وانضمامه الى «جبهة العمل الإسلامي»، من نفوذ التيار في منطقة وادي خالد التي تعدّ التجمع الأكبر للناخبين السنّة في عكار.
والمفاجأة أن هذا التغيير الأشبه بالانقلاب لم يحصل في منطقة القيطع (تنقسم عكار الى خمس مناطق جغرافية: القيطع، الجومة، الشفت، الدريب، السهل ووادي خالد) حيث استعاد النائبان السابقان وجيه البعريني وطلال المرعبي قدرتيهما على التحرك وبدآ بتنظيم صفوف مؤيديهما، أو في مناطق الجومة والشفت والدريب التي تضم الأكثرية المسيحية، بل في منطقة السهل ووادي خالد التي مثّلت خلال الانتخابات النيابية الماضية خزان المقترعين الرئيسي بالنسبة إلى «المستقبل» وحلفائه.
ويردّ المراقبون أسباب هذا التحوّل الشعبي الى مشاكل تنظيمية داخل التيار المذكور، وتقاطع استقالة أو اعتكاف عدد كبير من مؤسسيه الرافضين لتوجهات قيادته الإنمائية والسياسية، مع تذمر عكاريين كثر اقترعوا للحريري ولم يجدوا خلال السنتين الماضيتين من نوابه سوى الإهمال والامتناع عن استقبالهم في منازلهم والاستماع إلى مطالبهم بتنفيذ مشاريع تهمهم كانوا قد وعدو بها خلال الحملات الانتخابية.
ويستغرب معظم أهالي وادي خالد ما يسوقه نواب «المستقبل» بحق الأسعد، الذي تجمعهم به علاقة قربى عشائرية، وكان أول من عرّفهم على تيار «المستقبل» وشجّعهم على الانضواء في صفوفه.
ويوضح أحد المشايخ أن الأسعد باشر حركته في الوادي ومحيطه عام 1992 إثر تسلمه ملفات لجنة المتابعة للتجنيس، وواظب على زيارة المسؤولين لتأمين الجنسية اللبنانية لمستحقيها من أبناء الوادي. فتعرف على الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتابع معه بتكليف من مشايخ الوادي شؤون منطقتهم. ولاحقاً عام 1998، أبلغه منسق التيار في الشمال النائب سمير الجسر رغبة الرئيس الحريري مشاركته في اختيار الأعضاء للتيار السياسي الذي ينوي إنشاءه. فأصبح الأسعد عضواً في المكتب السياسي. وبعد تعيين النائب مصطفى هاشم منسقاً للتيار في عكار عام 1999 تصدعت العلاقة بينه وبين الأسعد ما دفع الأخير إلى تجميد عضويته في التيار. لكن اغتيال الرئيس الحريري، جعله يعيد النظر ويكثّف نشاطه ضمن «المستقبل» بتشجيع من الوزير أحمد فتفت.
وبين 14 شباط 2005 و14 آذار 2005 أبلغ فتفت الأسعد عدة مرات ضرورة سيطرتهم على منطقة وادي خالد، وخصوصاً أن فيها نائبين معارضين للتيار، قبل أن يصارحه بأنه سيكون ضمن كتلة نواب التيار من منطلق تمثيل «الهلال السني في عكار» عبر النائب محمود مراد عن فنيدق، النائب مصطفى هاشم عن ببنين، وطلال الأسعد عن وادي خالد. ولهذه الغاية عقد الأسعد وفتفت اجتماعين إيجابيين مع النائب سعد الحريري، تقرّر بنتيجتهما عقد مهرجان ضخم في الوادي تميز بحضور كثيف لأنصار «المستقبل» في الشمال، وتحدث خلاله فتفت والهاشم والأسعد. لكن، قبل إغلاق باب الترشح للانتخابات بساعات قليلة، ظهر اسم الدكتور عزام دندشي كمرشح لـ «المستقبل» على رغم انتمائه إلى بلدة صغيرة خارج الوادي، وعدم امتلاكه منزلاً في عكار، بحسب الشيخ، المرجع عند عشيرة العتيق في وادي خالد.
الأسعد الذي يرفض التعليق على تلك المرحلة، يصف قيادة «المستقبل» بالدهاء، ويتهمها بتنفيذ مكيدة سياسية بحيث عطلت قدرة أهل الوادي على التحرك، وشتتت أصواتهم. ويتهم فتفت بقطع طريق الاستقالة عليه من خلال إغداق الوعود الكاذبة اذ اتصل به الأخير بعدما كُشفت الأسماء الحقيقية لمرشحي «المستقبل» في عكار واعداً بتكليفه مهمات قيادية بارزة بعد الانتخابات. فيما اقتصر التغيير بعدها، بحسب الأسعد، على تفاقم الخداع والغباء السياسي، وتجاهل قيادة التيار لمطالب الأهالي وانتقاداتهم، الأمر الذي دفعه الى الاستقالة من دون تردد.
وعلى وقع أناشيد «حزب الله» المنبعثة من عرس قريب من منزله في وادي خالد، يقول الأسعد إن أول الغيث كان شراء النائب مصطفى هاشم الزيت السوري وإرساله إلى بيروت مدّعياً أنه زيت المزارعين اللبنانيين الذين جمعوا إنتاجهم آملين بيعه لجمعية التنمية كما وعد الرئيس الحريري، وإذا بهم يُفاجأون بخطوة الهاشم. ثم رشى الهاشم، وفقاً للأسعد، العكاريين في يوم الانتخابات عبر تسجيل آلاف المندوبين الوهميين، ثم تهرب ومساعده منسق التيار في عكار حسين المصري من الدفع لهؤلاء، محتفظين بالأموال لأنفسهم، ثم عمدا إلى توزيع المساعدات التي أتتهم خلال حرب تموز على مناصريهم ووفق خريطة استثنت بلدات سنيّة عكاريّة كثيرة اتهمها الهاشم، وفقاً للأسعد، بعدم الوفاء للرئيس الحريري أثناء الانتخابات النيابية.
ويقول الأسعد إنه «بعدما اتّضح مخطط المستقبل بتعطيل المشاريع الإنمائية في عكار لإبقاء المواطنين في حالة بائسة يمكن استغلالها عند كل موسم انتخابي، بدأ الانحراف في السياسة. وأخذ الهاشم يطلب في اجتماعات المكتب السياسي للتيار في عكار، تجييش الناس ضد الشيعة وبث الرعب في عقولهم من سلاح حزب الله الذي سيوجه في النهاية إلى صدورهم، واستخدام الاختلاف المذهبي لمضاعفة ولاء القواعد الشعبية لقيادة المستقبل، الأمر الذي أقلق قادة في تيار المستقبل كانوا طوال سنوات عملهم مع الرئيس الحريري يستمعون منه لتقديره لقيادة الحزب وافتخاره بعمل المقاومة».
ويضيف الأسعد إنه إضافةً الى ذلك فإن «التشنج المستمر مع سوريا كان يُتعب سكان المناطق الحدودية وفي مقدم هؤلاء أهل السهل ووادي خالد، ويعوّق عملهم المرتبط بالسوريين. وإزاء رفض المستقبل لاقتراحاتهم بتحييد الشمال عن صراعهم قرر القياديون والمؤسّسون للتيار في المنطقة، مقاطعة اجتماعات التيار أو الاستقالة».
ويستغرب الأسعد تلقيه تهديدات كلما أطلّ على الإعلام، وقيام النائب هاشم برفع دعوى ضده بتهمة القدح والذم إثر إدلائه بتصريح إعلامي قال فيه «ما يقوله كل أهالي المخيم من حيث امتلاك الهاشم قرابة 40% من الأراضي التي تركها مقاتلو فتح الإسلام بين بلدتي المحمرة والعبدة». ويسأل هؤلاء كيف نشط مقاتلو هذا التنظيم وتدربوا على بعد أمتار قليلة من «محطة المصري» التي يملكها منسق تيار «المستقبل» في عكار «ولم يحرك ساكناً أو يطلب من القوى الأمنية إبعادهم». ويجزم بأن هدف الدعوى «ترهيبي وقمعي بعدما فشلوا في الحدّ من توسّعي سياسياً واستقطابي شعبياً». ورداً على هذه الدعوى يقول الأسعد «إن من ينتمي إلى سلالة عشائر النعيم الموزعة في معظم الدول العربية لا يخاف من طارئين على الطائفة السنيّة ويجد في كل بلد عربي أقرباء يدافعون بالدم عن كرامة العشيرة».
وقبل توجهه إلى اجتماع مع النائب السابق طلال المرعبي، أكد أن خطاب المعارضة معبّر عن تطلعات العكاريين، وخصوصاً ما يتعلق بالعلاقة مع سوريا، والإنماء المتوازن، ونبذ المذهبية»، مشدداً على أن «العكاريين لا يُلدغون من الجحر مرتين، وكما تخطّى كثيرون عشائريتهم ليقترعوا للمستقبل قبل سنتين، سيتخطون مذهبيتهم ليقترعوا لمصلحة الوطن بعد سنتين».