طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
يكن: المداهمة «فبركة» والذخائر المصادرة «أكل الدهر عليها وشرب»

أثارت حملات المداهمة والتوقيفات التي قام بها أكثر من جهاز أمني في الأيّام القليلة الماضية في طرابلس وبعض مناطق الشمال، ضجّة كبيرة في أوساط المراقبين والمواطنين على السّواء، دفعت إلى التساؤل عن وجود تنسيق فعلي قائم بين هذه الأجهزة في عملها، وخصوصاً في هذه الظروف الأمنية الصعبة والمعقّدة، وفي ظلّ تداعيات الأزمة الناشبة عن الاشتباكات الدائرة في مخيّم نهر البارد بين الجيش اللبناني ومسلحي حركة «فتح الإسلام» منذ 20 أيّار الماضي.
ونبعت هذه الضجّة من قيام عناصر من جهاز أمن الدولة بمداهمات عديدة أخيراً، كان أبرزها ما قامت به منتصف ليل الخميس ـ الجمعة الماضي، حين داهمت شقّة في طلعة الرفاعية في محلّة أبي سمراء بطرابلس، تقع في مبنى تابع لرئيس «جبهة العمل الإسلامي» الداعية فتحي يكن، كان يشغله كمكتب له وكمعهد تعليمي فنّي تابع لجامعة «الجنان» سابقاً، قبل أن ينتقل إلى مبنى جديد، وقد عثرت العناصر في المبنى «على مجموعة من الأسلحة تضمّ أسلحة رشّاشة متوسطة وذخيرة ومناظير»، حسب ما جاء في نبأ وزّعته «الوكالة الوطنية للإعلام» صباح أمس.
إلا أنّ اللافت في الموضوع أمران: الأول تمثّل في التنافس الذي بدأ يبرز بين هذه الأجهزة (مخابرات الجيش، فرع المعلومات، أمن الدولة، الأمن العام، الاستقصاء، .. وغيرها)، من ناحية سعيها للظهور الإعلامي، ومحاولة كلّ طرف فيها، ولو نسبياً، تسجيل نقاط على الطرف الآخر، لناحية اعتبار نجاحه في تحقيق إنجازات معينة، يُسجّل تلقائياً في خانة فشل أو عدم نجاح وفاعلية بقية الأجهزة.
وإذا ما تمّ تجاوز «التنافس الظاهر» بوضوح بين هذه الأجهزة، بمسؤوليها وعناصرها، وهو تنافس بات حديث الشارع في طرابلس تحديداً هذه الأيام، وخصوصاً لناحية الصراع على استمالة المخبرين، الذين بات قسم كبير منهم يحمل بطاقتين وأكثر، كلّ منهما تابعة لجهاز أمني مختلف عن الآخر، إضافةً إلى الصور التي بدأت تنتشر بكثافة للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي على السيارات وعربات البسطات وواجهات المحال التجارية، وبعضها مخالف، فإنّ سؤالاً كبيراً يُطرح في هذا المجال، وهو: لماذا لا يكون هذا «الجهد» الذي يُبذل في «ميدان» التنافس الشخصي أو «الجهازي»، موحداً في إطار مرجعية واحدة أو مشتركة، ومُسخّراً في خدمة أمن البلاد والمواطنين، بعيداً عن ارتباط كلّ جهاز أو تبعيته لمرجعية سياسية أو طائفية أو مذهبية معينة.
أمّا الأمر الثاني، الذي لفت الأنظار في حملة المداهمة الأخيرة لشقة يكن، فكان في ما نفاه الأخير بشدّة من «صحّة هذه المعلومات»، ووصفها بأنّها «مفبركة»، وأكّد أنّ «الشقة مهجورة تماماً، وأنّ الحديث عن وجود أسلحة فيها ليس إلا فبركة لخدمة أغراض سياسية».
وكان مصدر أمني قد ذكر أنّه «تمّ توقيف شابين في السابعة عشرة من العمر، يحملان قنابل يدوية اعترفا بأنّهما دخلا من باب الحشرية إلى الشقة المذكورة، وعثرا فيها على بعض القذائف والذخيرة، وهما قادا الأجهزة الأمنية إلى الشقة».
وكانت «جبهة العمل الإسلامي» قد أصدرت بياناً توضيحياً في وقت لاحق، لفتت فيه إلى أنّ «مجموعة أمنية قامت بمداهمة شقّة قديمة كانت تستخدم كمكتب للداعية الدكتور فتحي يكن رئيس الجبهة منذ أكثر من سبع سنوات»، موضحة أنّه «قبل استطلاع الأمر من الجهات المختصة، كان الإعلام، الأسبق في نشر الخبر وتضخيمه، وتسخيره لمآرب سياسية معروفة».
وإذ استنكرت الجبهة «اقتحام الشقّة المعنية بغير الأصول القانونية»، فقد أكدت خلوّها طممّا ذُكر في الإعلام عن مصادرة أسلحة رشّاشة ومناظير ليلية وقنابل»، غير مستبعدة أن يكون في الشقّة «بعض المخلفات البالية من ذخائر أكل عليها الدهر وشرب».
واكد مصدر قضائي لـ«الأخبار» أن الشقة مهجورة وأن المصادرات هي عبارة عن رصاص «كلاشنيكوف» .
بدورها، استغربت اللجنة السياسية لـ«الجماعة الإسلامية» في الشمال الطريقة التي تمّت بها المداهمة، ومحاولة بعض الوسائل الإعلامية «استغلال الحدث وتضخيمه، من أجل توظيفه سياسياً»، مشيرة الى ضرورة «توخّي الحكمة في التعاطي مع الساحة الإسلامية».
وإثر اجتماع عقدته، أمس، أصدرت اللجنة بياناً استهلّته بالإشارة الى «الاختلاف» القائم بينها وبين يكن في «الموقف السياسي، مؤخّراً»، وأعلنت رفضها «أن يتمّ التعاطي مع الداعية فتحي يكن، أو مع سواه من القيادات الإسلامية، موالية كانت أو معارضة، عبر اختلاق الملفات وتوجيه الرسائل ذات المضامين الأمنية، ما يعيدنا بالذاكرة الى عهد الوصاية الأمنية التي نرفض العودة إليها أو الى مثيلاتها تحت أي مسمّى وأي حجة»، مشيرة الى ضرورة «توخّي الحكمة في التعاطي مع الساحة الإسلامية»، لأن كل خطأ يرتكب «سيكون محل استغلال من جانب المتربّصين بهذا البلد، ليزيدوا من قدرتهم على تجنيد مزيد من المغرّر بهم لمصلحة مشروع العنف والغلوّ في الدين، والدفع بهم ليكونوا وقوداً في مؤامرة تدمير لبنان والمنطقة برمتها».
على صعيد أمني آخر، أوقف في مدينة الميناء بطرابلس أحد العناصر القيادية في حركة «فتح الإسلام» المدعو وليد البستاني، الذي يُشتبه بمشاركته في المعركة التي بدأت الأحداث الجارية بها في العشرين من أيّار الفائت في شارع المئتين في طرابلس.
وأفاد شهود عيان أنّ البستاني عاد العام الماضي من الدنمارك، بعدما لجأ إليها هرباً من مطاردة القوّات السورية له بعد الأحداث الأمنية التي شهدتها طرابلس في أواسط الثمانينات، وأنّه لم يعد منذ ذلك الحين إلى لبنان إلا بعد خروج السوريين منه في 26 نيسان 2005 .
وفي بلدة القلمون، أفاد مصدر أمني أنّ قوة أمنية دهمت منزل المدعو أحمد قبيطر، وهو من المقربين من حركة «التوحيد الإسلامي»، وصادرت من منزله بندقية وذخائر.