strong>السنيورة يشيد بمن «كان يبحث عن التسوية، كي لا يشعر طرف بأنه مستبعد أو مستضعف»
«سنبقى نقاوم ما حيينا محاولة إعادة لبنان فرق حساب في لعبة الصراع والسلام، وساحة لتصفية الحسابات». بهذه العبارة، استهلّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي «اعترافاته» أمام الأمانة التي تركها رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي، في الذكرى الأولى لغيابه، داعياً الجميع الى «التفتيش عن لبنان الموحّد»، لأن «التسوّل» على رصيف الأمم يؤدي الى «حرق الوقت، واستكمال تناقص عناصر ثقتنا بأنفسنا وببعضنا أكثر فأكثر. وبالتالي، تدمير إمكانات قيام الدولة وبناء الثقة بها».
وفي كلمة مصوّرة له، رأى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أن عهد الهراوي «أخرج البلاد من زمن الميليشيات، وأوصلها الى زمن الدولة»، مشيداً به «رجلَ دولة»، إذ كان «عندما يقتنع بأن أمراً ما فيه مصلحة للدولة، يتجاهل كل اعتبار آخر، ويقدم عليه غير هيّاب»، و«إذا وقع الاختلاف، كان سيد من يبحث عن التسوية، ولا يضيره أن يقال إن فلاناً هو الذي كسب الرهان.. فالمهم ألا يشعر طرف بأنه مستبعد أو مستضعف أو مهان».
وكانت «لجنة إحياء ذكرى الرئيس الراحل الياس الهراوي» قد أقامت، أمس، احتفالاً حاشداً في قصر الأونيسكو، في حضور الوزير السابق وديع الخازن ممثلاً رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، الرئيس بري، والسيدة هدى السنيورة ممثلة الرئيس السنيورة.
وبعدما استُهلّ الاحتفال بكلمة ترحيبية للشاعر هنري زغيب، وبعرض فيلم وثائقي عن الرئيس الراحل، منذ انتخابه رئيساً للجمهورية حتى وفاته، ألقى الرئيس برّي كلمة أشاد فيها بمزايا الراحل الذي «لن يغلق النسيان خلفه أبواباً، ولن تؤجّله الذاكرة، ولن تذهب به الطرقات الى الصمت»، وتحدّث كـ«وحيد الثالوث المتهم بأنه الترويكا الذي يقع عليه الأسى والحزن»، واقفاً أمام الراحل عن أمانته ليقدّم ثلاثة «اعترافات»، وفق العناوين الآتية:
أولاً: «إننا ما زلنا نقاوم، وسنبقى نقاوم ما حيينا محاولة إعادة لبنان فرق حساب في لعبة الصراع والسلام في المنطقة، وساحة لتصفية الحسابات»، آملاً «المحافظة على ما أنجزناه في مسيرة السلام الوطني من توحيد للوطن، واستعادة لدور الدولة ومؤسساتها، ومن نهوض بمسيرة الإنماء والإعمار، ومن تحرير للأرض وصدّ للعدوان، وتكريس دائم لمنطق الحوار والتشاور واللقاء».
ثانياً: «لبنان يمشي في طريق جلجلته ويحمل صليبه على ظهر أبنائه ليصل إلى دولة السلام والقرار في وجه أي مساس باستقراره وسيادته».
ثالثاً: «رغم تجاوز الدستور والقوانين، لن نسمح بأن يصل لبنان الى نقطة الانكسار في علاقات أبنائه، من منطلق قناعتنا الراسخة بأن الحرب في الوطن انتهت الى غير رجعة في زمانه»، مشدّداً على أهمية «سلوك طريق التعقّل في وعي الحسابات».
وفي عرضه جملة الثوابت الوطنية، أكّد بري أن الجيش «يجب أن يكون أولوية وطنية، في دعمه بالعديد والعتاد والتكنولوجيا، لتمكينه من القيام بواجب الدفاع، الى جانب الأمن، في مواجهة الإرهاب والفوضى»، مضيفاً: «لن نتنازل عن حبة تراب واحدة أو نقطة مياه واحدة من أرضنا وينابيعنا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.. ولا نقبل بأن نكون من أولئك الذين وصلت إسرائيل معهم الى ما بعد السلام قبل أن يحقّقوا معها السلام».
وإذ لفت برّي الى أن الرئيس الراحل «أغمض عينيه وقد رأى بأم عينيه أن المقاومة تمكنت من تحرير معظم أرضنا من دنس الإحتلال الإسرائيلي. وهو أسلم الروح وقد رأى أننا نسلك الطريق من أجل إغلاق ملف المهجّرين، أشار الى «حلم واحد أساسي لم يتمكن الرئيس الياس الهراوي من سلوك الطريق - وإن بدأه - الى تفسيره بسببنا جميعاً هو التربية الوطنية وتعميم المجتمع المدني في لبنان».
ومستعيراً من تقي الدين الصلح في رثاء فؤاد شهاب عبارة «هو اليوم أكبر منه بالأمس»، ختم رئيس مجلس النواب كلمته قائلاً: «هل ترانا نصدّق أنّ وطننا هو أكبر من الجميع».
بدوره، استهلّ السنيورة كلمته المصوّرة بالإشارة الى التقدير الذي يكنّه للرئيس الراحل، والذي ينبع من أمرَي «المعرفة الشخصية الطويلة نسبياً»، و«الأعمال الجليلة التي قام بها وحفل بها عهده»، عارضاً جملة محطات في حياته الشخصية والسياسية، ولا سيما في عهد رئاسته للجمهورية، حيث «عرف التركيبة والصيغة، وآمن بهما».
ولافتاً الى أنه كان، في قرارة نفسه، ضدّ التمديد للهراوي، أشار السنيورة الى أنه صارحه بذلك بعد حدوث ذاك التمديد، حيث «قلت له: سيذكر لك التاريخ واللبنانيون عشرات القرارات الكبيرة، ولن يكون بينها التمديد وما أدّى إليه. وقد تظاهر بالإبتسام وقال: لا بأس، وسوف تعرف الشرّ المستطير الذي وقيتكم منه ببقائي في سدة الرئاسة!».
وفي وقفة مصارحة لـ«الرجل العذب»، رأى السنيورة أن «الوحشة تتملّكنا»، خاتماً كلمته بالقول: «في الشدائد، تعرف أقدار الرجال».
ومن وحي المناسبة، ألقى النائب غسان تويني كلمة لم تخلُ من «مصارحة» الغائب، قائلاً له: «الوطن الذي كنت تفتخر بأنك وحّدته، في عهد خلافتك، قد عاد ممزقاً، أوطاناً تحارب أوطاناً، والحكم الذي استرجعت صار من جديد مغتصباً، والقصر الذي أعدت بناءه عاد خاوياً من رموز الوحدة والسيادة»، مقدّماً «النصيحة» للرئيس لحّود من دون أن يسميه «أن يستلهم النهج المبني على يقين أن استقلال لبنان ليس حرباً على سوريا.. والأخوّة السورية، بل العربية، حيثما تكون ليست بتفجير لبنان واستشهاده».
وبصفته زميلاً للرئيس الراحل في «تجمّع نواب الموارنة المستقلّين»، ألقى النائب بطرس حرب كلمة دعا فيها الى «وقفة وطنية جامعة، أسمى من المواقف الشخصية والطائفية والسياسية»، لافتاً الى أن «التسامح والإيجابية قاعدة لعملنا السياسي»، وإلى أن «التقارب والتوحّد هما السبيل الوحيد الى استعادة لبنان الواحد الحرّ المستقل».
من جهته، رأى الوزير والنائب السابق فارس بويز، أنه خلال عهد الرئيس الهراوي «لم تكن السياسة الخارجية مفجّرة للوحدة، ولا كانت يوماً عنواناً للصراع»، بل كانت «فعل إيمان بلبنان، وطن حر سيد مستقل».
وبعدما قدّمت الفنانة غادة شبير أغنيتي السيدة فيروز «أقول لطفلتي» و«ساعدني يا نبع الينابيع»، ألقت السيدة منى الهراوي كلمة في «يوم الوفاء» لرئيس جمهورية سابق «أعاد الدويلات الى الدولة، ووحّد السلطة والمؤسسات، وانتقل بالرئاسة الأولى الى مقرّها في بعبدا»، إضافة الى كونه «حقّق المصالحة الوطنية، وأنشأ أول مجلس دستوري، وأطلق ورشة الإعمار وإعادة البناء، وأكد على حضور لبنان في المجتمع الدولي، وحمل مع دموعه مجزرة قانا الى الأمم المتحدة».
و«مثلما كان الرئيس باراً بلبنان، وفياً له، أميناً على الصداقات»، ختمت الهراوي كلمتها بالقول: «سأكون على خطاه، أمينة لذكراه وأصدقائه، وسأبقى للبنان ابنته الوفية».
وفي ختام الحفل، منحت جائزة «لبنان الميثاق» للأكاديمي الدكتور أنطوان مسرّة لكتابه عن الميثاق الوطني.
وتميّز الاحتفال بحضور حاشد، سياسياً ودينياً وعسكرياً، تقدّمه بالإضافة الى برّي وممثلي لحود والسنيورة، كلّ من: الرؤساء حسين الحسيني ورشيد الصلح وأمين الحافظ، جوزف أبو خليل ممثلاً الرئيس أمين الجميل، الرئيس حسين الحسيني، المطران رولان أبو جودة ممثلاً البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، الشيخ حسن شحادة ممثلاً مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، الدكتور عدنان حيدر ممثلاً نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، العميد عصام أبو زكي ممثلاً شيخ عقل طائفة الموحّدين الدورز الشيخ نعيم حسن، رئيس الطائفة القبطية في لبنان المطران فيلو باطر، المطران كيغام خاتشريان ممثلاً كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس آرام الأول، وزير التربية خالد قباني، وزير الخارجية المستقيل فوزي صلوخ، النواب غسان تويني وبطرس حرب والياس سكاف، اللواء جورج الهاشم ممثلاً قائد الجيش العماد ميشال سليمان، العميد علي مكّي ممثلاً المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، إضافة الى عدد كبير من السفراء العرب والأجانب المعتمدين في لبنان، وحشد كبير من الشخصيات السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية والإعلامية.