نهر البارد ـ نزيه الصديق البداوي ـ عبد الكافي الصمد

نازحو البارد: أرادوا قتل الذبابة التي فـوق رأسنا... فأطلقــــوا قذائــــف باتجاههــــا!

تشابهت الأيام الأخيرة في مخيم نهر البارد مع بعضها إلى حد كبير، وراوح الوضع الأمني مكانه أمس، وسجل تساقط قذائف متباعدة على أطراف المخيم وعلى المواقع التي يعتقد أن مسلحي حركة فتح الإسلام يتحصنون فيها، ويطلقون منها قذائف الهاون ورصاص القناصة باتجاه مواقع الجيش اللبناني، ويجري تبادل لإطلاق النار من بعد، فيما تخفّ حدة الاشتباكات حيناً، وتتصاعد حينا آخر، من دون قاعدة ثابتة لذلك.
وكان القصف المدفعي العنيف والمركز من مرابض الجيش اللبناني قد استمر منذ مساء أول من أمس حتى قبل ظهر أمس، حيث أطلقت عشرات القذائف باتجاه مبنى عارف المحصن جداً، الذي يضم 3 طوابق تحت الأرض تستخدم من قبل عناصر فتح الإسلام.
كما استهدفت مدفعية الجيش اللبناني مواقع المسلحين عند المحورين الجنوبي والشرقي، وتحديداً أحياء صفوري وسعسع والمهجرين والمغاربة، كما لوحظ تسجيل حالات تسلل وتقدم للمسلحين باتجاه مواقع كان الجيش قد رفع العلم اللبناني عليها، وهم يتسللون إلى هذه المباني، ويطلقون نيران رشاشاتهم منها، مستخدمين رصاص القناصة الذي يبدو أنه أصبح التكتيك الذي يستخدمه المسلحون بكثرة، وخصوصاً في اليومين الأخيرين.
في موازاة ذلك، ناشد عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومسؤول منطقة الشمال للجبهة سمير لوباني (أبو جابر)، في اتصال معه من داخل مخيم نهر البارد، الإسراع في «إيجاد حل سياسي لمشكلة المخيم بعد أن ثبت عقم الحل بالمدفع». وتمنى أن «يخرج الجيش اللبناني من مستنقع المعركة التي يخوضها مع حفنة من الجهلة السياسيين الذين لا يستحق الصراع معهم كل هذه التضحيات التي تنعكس سلباً على كل الأطراف: اللبنانيين والفلسطينيين والجيش، وتهدد العلاقات اللبنانية ـــــ الفلسطينية بمزيد من التدهور، وتزيد الحقد بين الشعبين الشقيقين لقاء ثمن لا يستحق كل هذه التضحية».
وبعد أن أكد أبو جابر عجز المدفع عن حل القضية العالقة في المخيم، وصعوبة الحل عن طريق العمل العسكري، وخصوصاً أن الجماعة (فتح الإسلام (أصبحت «متخندقة» داخل المخيم، اقترح حلاً سمّاه عقلانياً قوامه: «وقف إطلاق النار، ووضع خطة تتبناها الفصائل الفلسطينية توصلاً لإخراج قيادة فتح الإسلام من المخيم، وإرجاع اللبنانيين منهم إلى أمكنة إقامتهم وقراهم، وحل تنظيم فتح الإسلام».
وقال رداً على سؤال إن قيادة فتح الإسلام «أعربت مراراً عن رغبتها في هذا الحل، وهي مستعدة لتطبيقه، لأنها غير راغبة باستمرار الوضع على ما هو عليه، وتجد نفسها متورطة في معركة لم تردها، ولم تخطط لها، وتقر بخطأ تورطها فيها عن طريق العمل العسكري الذي قامت به مجموعة متهورة منها في بداية الأحداث، وقد قضي على كل عناصر هذه المجموعة في القتال».
وأضاف أبو جابر أن «الجيش لم يختر المعركة في الأصل، وبعد خمسين يوماً على اندلاع المعركة، لا نزال نواجه الكثير من التضحيات المطلوبة من المخيم ومن اللبنانيين والفلسطينيين والجيش، في الوقت الذي توجد فيه ثمانية آلاف عائلة مهجرة، وهناك سبعة آلاف طالب سيواجهون مخاطر فقدان العام الدراسي المقبل إذا لم تتوقف المعركة الآن. لنوقف النزف، وبلا مزيد من الدماء والثكالى والأرامل من الأطراف كافة. المطلوب، بسرعة، إجراء إنساني وأخلاقي عبر حل سريع يؤمن بعض الإصلاحات في المخيم يمكنه أن يستوعب ولو ربع سكانه الأصليين، كركيزة للحل الشامل لاحقاً، بذلك نكون قد تداركنا أزمة إنسانية كبيرة، ووضعنا لها أسس حل».
وتساءل: «هل نحن أمام تطبيق القرار 1559، وهل يجوز في هذه الحال إغراق الجيش فيما يراهن به على دور وطني جامع؟».
وناشد ابو جابر القيادات اللبنانية والفلسطينية والعربية وجامعة الدول العربية «التعاون لرعاية الحل، لأننا أصبحنا في قلب تسونامي، ولا نعرف إلى أين سيصل بنا إذا استمر الوضع على ما هو عليه».
وفي مخيم البداوي، لم يكن الإشكال الفردي الذي وقع بين عناصر من «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» وآخرين من «جبهة التحرير العربية»، مساء أول من أمس، وأدّى إلى إصابة شخصين بجروح، سوى حادث بسيط من سلسلة حوادث بات يشهدها المخيّم بصورة يومية، ومتصاعدة بشكل تدريجي لافت ومقلق، وذلك منذ نزوح غالبية أهالي مخيّم نهر البارد إليه».
فمخيّم البدّاوي الواقع على تخوم بلدة البدّاوي شرقاً ومدينة طرابلس شمالاً، الذي لا تزيد مساحته على كيلومتر مربع واحد، ويقطنه 15770 لاجئاً فلسطينياً حسب إحصاءات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان «الأونروا» حتى نهاية عام 2005، نزح إليه منذ اندلاع الاشتباكات ما لا يقلّ عن 25 الف لاجئ فلسطيني من مخيّم نهر البارد من أصل 30803 مقيمين فيه حسب الإحصاءات نفسها، وهو ما جعل المخيّم واحداً من أكثر المناطق كثافة سكانية في لبنان والعالم، الأمر الذي نتج منه بطبيعة الحال بروز أزمات اجتماعية ومعيشية وصحّية كبيرة، فضلاً عن التوتّر الشديد الذي بدأ النازحون إليه والمقيمون فيه يعيشونه يومياً.
مسؤول لجنة حق العودة للشعب الفلسطيني في لبنان يوسف حمدان أوضح لـ«الأخبار» أنّ مخيّم البدّاوي «يشهد يومياً حصول مشاكل فيه، إن كان بين النازحين والمقيمين، أو بين النازحين أنفسهم، نتيجة خلافات أغلبها تافه و«بلا طعمة»، لكنّ أجواء الضغط النفسي والمادي التي يرزح تحتها الجميع، واستمرار المعارك في مخيّم نهر البارد من غير وجود أي أفق للحلّ يسهم في تعجيل عودة النازحين إليه، جعلت أجواء القلق والغليان هي الطاغية في المخيّم، وتهدّد بتحوّل أيّ إشكال صغير إلى ارتباك أمني كبير نبذل جهداً كبيراً من أجل احتوائه».
وأشار حمدان إلى أنّ «التضارب بالأيدي والعصي والسكاكين بات مشهداً يومياً مألوفاً في مخيّم البدّاوي، وخصوصاً في أوقات الليل، نظراً لاضطرار عشرات الأشخاص، وخصوصاً الشباب منهم، للمبيت في الشوارع، بعد تعذّر إيجاد مأوى لهم، إن كان ذلك في البيوت أو المدارس التي بات يرقد في كل غرفة فيها ما يتراوح بين 7 أشخاص إلى 40 شخصاً، حسب حجم الغرفة واتساعها».
هذا الوضع المقلق والخطير جدّاً في مخيّم البدّاوي، الذي تبذل الفصائل الفلسطينية والقوة الأمنية المشتركة فيه جهداً كبيراً لإبقائه تحت السيطرة، يقابل بقلق لا يقل خطورة عن حالات التفكّك العائلي نتيجة إقامة ربّ الأسرة في مكان، والأم وبقية الأبناء، وخصوصاً الأطفال والبنات، في مكان آخر، أو حالات الحرج الكبيرة جدّاً التي تسجل نتيجة إقامة عائلات عدّة في بيت واحد، وفي بيئة معروفة بمحافظتها الشديدة».
لكن الوضع الذي يبدو أكثر قلقاً ومأساوية في هذا المجال، هو ما يحدث في المدارس السبع الموجودة في مخيّم البدّاوي، التي يزيد عدد القاطنين فيها على 600 عائلة نازحة، وهو وضع استدعى تحرّك هيئات ومؤسسات مدنية واجتماعية فلسطينية عاملة، من ضمن الإمكانات المتاحة لها، لحصر تداعيات ما يحصل، ومحاولة معالجته.
فالناشطة الاجتماعية زينة بغدادي لفتت إلى أنّ «إقامة نحو 50 شخصاً في غرفة واحدة في إحدى المدارس، أمر له انعكاسه الاجتماعي الخطير؛ إذ إلى جانب الأزمات النفسية السيئة التي بات يرزح تحتها النّازحون كافة، فإنّ انحسار رقعة الخصوصيات بين أفراد العائلة الواحدة في ظلّ أجواء كهذه، وحالات الحرج الشديد التي يعانيها النساء على وجه الخصوص، كلها تشير إلى أنّ أزمات عائلية حادّة في طريقها إلى البروز، وخصوصاً إذا ما طال أمد الأزمة أكثر».
وتشير بغدادي إلى أنّ نازحي مخيّم نهر البارد «تحمّلوا وزر مشكلة لا علاقة لهم بها، وأن ما يحدث اليوم يشبه من كان يريد قتل ذبابة غطت على رأس جاره، فكانت الوسيلة الناجعة لذلك عنده أن أطلق قذيفة مدفعية باتجاه الذبابة!».