الروضة ــ فيصل طعمة
على مدى بساط أخضر من السهول والبساتين التي لا تنتهي، وفوق الكتف الشرقية لنهر الغزيل تستلقي بلدة الروضة البقاعية، فلا يُذكر نهر الغزيل، إلّا ويُذكر معه اسم «الروضة»، حيث يقطعها من شمالها إلى جنوبها، بمياه عذبة تنبع من وادي شمسين، الذي تغنّى به الشعراء والفنانون.
أول قرية في البقاع الغربي، تفصله عن البقاع الأوسط عند بلدة بر الياس، تبعد عن العاصمة ما يقارب خمسين كيلومتراً، وترتفع حوالى 800 متر عن سطح البحر، تمتدّ على مساحة 6000 دونم، جميعها أراض زراعية وأشجار مثمرة بشتى أنواع الفواكه، كان فيها ما يقارب 260000 شجرة مثمرة، موزعة على أكثر من 18 مصلحة ومزرعة، مملوكة من أثرياء صيداويين وبيروتيين، أمثال (الرئيس الراحل الياس سركيس، آل الهبري، أبو خاطر، الزعتري، البساط، الشمّاع، القاسم، سنّو، المجذوب، غندور، أوسكار، عسلي، ومصلحة تخصّ الألماني جون بدزر، أقاموا قصورهم ومنتجعاتهم بحثاً عن الجوّ الهادىء والنقي وموطن الطيور على أنواعها.
سكنت البلدة قديماً، عائلات من طوائف مختلفة، أمثال «آل بصيبص، موارنة وكاثوليك، وآل طرودي وسعيد من الدروز، وآل بدرى من الشيعة، وبعض أسماء هؤلاء لا تزال تدوّن في اللوائح الانتخابية، أمّا اليوم فلا يقطنها إلا السنّة، وقد بلغ عدد سكانها حوالى 1700 نسمة، إضافةً إلى ما يقارب 800 مجنّس.
كانت الروضة تسمى «بلدة الإسطبل» وقد يعود سبب تسميتها بهذا الاسم، إلى شغف أهلها بتربية الخيول ورعايتها، ولا صحة لمن يدّعي أنها كانت مزرباً للحيوانات على أنواعها أثناء الحكم العثماني، والدليل على عدم صحة هذا الادعاء، أن البلدة كانت قائمة قبل أن يشيّد الوزير العثماني، والي دمشق درويش باشا قصره فيها ـــــ الذي لا يزال قائماً حتى اليوم ـــــ؟ كما أن الشيخ عبد الغني النابلسي الذي أتى على ذكر بلدة الإسطبل، في مؤلّفه «رحلتان إلى لبنان» ومرّ فيها منذ أكثر من 300 سنة، لم يفد أن الإسطبل كان مزرباً للحيوانات.
شيّد والي دمشق درويش باشا، وهو صهر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، قصراً له في البلدة، على تلة مرتفعة إلى جانب نهر الغزيل، مجسّداً الفنّ المعماري العثماني وقناطره المشهورة، وقد ورثه ابنه رشدي بك الذي أشرف على «الجفتلك» المكوّن من ست بلدات هي كفر زبد، عنجر، الروضة، الخيارة، حوش الحريمة، والدكوة، إلى أن جاء الانتداب الفرنسي، فقام رشدي بك بتوزيع بعض الأراضي على الأهالي والبعض الآخر صادرها الفرنسيون، وطريقة مصادرتها لا تزال حتى اليوم مثار بحث حول حقيقة ما جرى، ومن هو المالك الحقيقي لهذه الأراضي؟
ولأهمية موقع الروضة، أنشأ الفرنسيون فيها مطاراً عسكرياً، ما زالت آثاره قائمة حتى اليوم، وهو عبارة عن مدرجين طول كل منهما 3000 متر، وأكثر من عشرة عنابر للطائرات الحربية والمضادات الأرضية، شاركت جميعها في الحملات العسكرية، والتدريبية آنذاك. ولاحقاً استخدمه السوريون منطلقاً لطائراتهم الحربية في حربهم ضد إسرائيل.
تشتهر بلدة الروضة ببساتينها وسهولها، وزراعاتها المتنوعة، التي يعيش منها أكثر أهالي البلدة، فضلاً عن وجود الكثير من مزارع الأبقار، ولم تحظَ البلدة باهتمام الحكومات المتعاقبة وخاصة أنها حتى اليوم لم يُصَر إلى تأليف مجلس بلدي، يرعى مصالحها ويحقّق التنمية التي تحتاج إليها، ويعمل على الحدّ من الانتهاكات البيئية وتلوث مياه النهر بعدما كانت موطن «صويل القمح»، بسبب توجيه المياه المبتذلة من القرى المجاورة إلى مياه النهر، ومكبّات النفايات التي تحيط بها.