strong> ثائر غندور
تبرز علامات الهدوء على وجهها. صغيرة في السن، ذكية، وتعرف كيف تختار أجوبتها. عبير عباس الطالبة التي كانت ضحية عنف معنوي وتصرفات لا تربوية من المراقبين وعدد من الطلاب وأهاليهم في مركز الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة (البريفيه) في بلدة معركة.
بدأت الحكاية، بحسب ما رواها أساتذة من البلدة، عندما طلب والدها المفتش التربوي جهاد عباس نقله من الإشراف على مركز معركة إلى مركز آخر بسبب وجود ابنته في هذا المركز.
اليوم، عبير هي حديث الأهالي في البلدة. تُتّهم بأنها «شايفة حالها» لأنها رفضت أن تغش في الامتحانات. هناك قضية في نظر الطرفين. فالبعض يرى أنّ الأمر تعدٍّ على حقّهم في «مساعدة» أولادهم بالنجاح... يضيفون: «لماذا لا تنظرون إلى الفساد الموجود في باقي المناطق؟». لكن في الواقع، هناك من يُفاخر بما حصل في «معركة» خلال الامتحانات ويرى أنّه يصبّ في سبيل مصلحة البلدة.
تروي عبير ما حصل معها تفصيلياً، ففي اليوم الأول من الامتحانات دخل الأساتذة (المراقبون) إلى الصف وأعطوا توجيهاتهم إلى الطلاب: «نحن سوف نساعدكم ولكن ممنوع أن يعلم أحد بما جرى هنا وخصوصاً أهاليكم». وهدّد الأساتذة الطلاب بوقف عملية الغش في اليوم التالي إذا انتقلت المعلومات إلى خارج المركز. وُزّعت مسابقات اللغة العربية، وبدأ المراقبون بحلّ الأسئلة جميعها. من القواعد إلى التحليل، «كما بدأوا يُعطوننا أفكاراً من أجل
موضوع الإنشاء».
استطاعت عبير إنهاء مسابقتها لكن ليس بالمستوى الذي كانت تطمح إليه، «فلم أستطع أن أراجع مسابقتي».
سلّمت عبير مسابقاتها، ثم وقّعت وثيقة التسليم باسمها الثلاثي كما ينص القانون. قرأ المراقب الاسم فصُدم. طلب منها بصوت منخفض عدم إخبار والدها بأي شيء.
بدأت المسابقة الثانية. المادة كيمياء، والمراقب لا يعرف كيف يحلّها. سأل الطلاب: «مين فيكم شاطر؟». رفع أحدهم يده، وبدأ الآخرون باستيضاح كل سؤال بسؤاله.
عادت عبير إلى منزلها وأخبرت والدها، الذي أجرى اتصالات برئيس المركز والمفتش التربوي يطلب منهما تهدئة الأمور حتى تستطيع ابنته أن تجيب عن الأسئلة.
في اليوم التالي، استدعى المفتش عبير لأخذ إفادتها بما جرى في اليوم السابق خلال الامتحان، وتكرّر الأمر في الأيام التي تلت وعندما طلبها رئيس المركز لإعطاء إفادتها، عادت عبير إلى الصف وعيون زملائها تلاحقها. اتهمها البعض بأنها حصلت على الأجوبة، فيما كان البعض الآخر واضحاً في اتهامه: «أنت مسؤولة عن وقف المراقبين عملية حلّ الأسئلة». واعتمد المراقبون بعدئذ أسلوباً جديداً، فتركوا الطلاب يتحدثون بعضهم إلى بعض «لكن بصوتٍ منخفض». وعندما تعلو أصواتهم يطلب المراقبون منهم السكوت، ويعاودون الكرّة من جديد...
واتُّهمت عبير بأنها مسؤولة عن هذا الواقع الجديد. دخلت في اليوم الرابع إحدى المراقبات إلى الغرفة وسألت المراقب الموجود: «مين الحلوة» أجابها: «بنت الحلوين». وتكرّر بعد ذلك التحرش بها. فقالت لها مراقبة أخرى: «مش عيب ومش حرام تعملي هيك برفقاتك»، كما تهجّمت عليها معلّمتان أخريان فقالت إحداهن: «إذا وقعت إيدي عليها بدي نتّفها». فاضطر الأستاذ المرافق من جانب مدرستها (مدرسة الإمام الصادق) وسائق الباص إلى إدخالها وإخراجها من المدرسة بشكل سريع وبوليسي. كان يضطر سائق الباص إلى إقفال الباب والشبابيك حتى لا يتعرض لها أحد، وحتى لا تسمع الكلام الذي وُجّه إليها.
انتهت الامتحانات، وعبير لم تكتب كما تريد. وتقول للمراقبين إن ما قاموا به ليس في مصلحة الطلاب، كما أن بعض الأجوبة خاطئاً.
وعلمت «الأخبار» من مصادر في بلدة معركة أن المفتش جهاد عباس طالب بفتح تحقيق رسمي بما حصل، رغم أن القوى السياسية النافذة في البلدة تحاول جاهدة «لفلفة» الأمر على طريقة تبويس اللحى، وتحت حجّة «أنه ليس في مصلحة الطائفة الشيعية».
حاولنا الاتصال بالمفتش جهاد عباس من أجل الوقوف على رأيه، فرفض الكلام: «لأني موظف ولا يحق لي الحديث من دون إذن». ما حصل في معركة هو نموذج لحالات غش وقعت في أماكن عدة.
أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن فور الاطّلاع على هذه الحادثة: لماذا توقفت وزارة التربية عن اعتماد طريقة تبديل طلاب الامتحانات الرسمية بين الأقضية؟ كيف يراقب أساتذة معركة طلابها؟ هل تعلم المنطقة التربوية أن منزل أحد الأساتذة تحوّل إلى «ساحة» بحسب تعبيره، قبل يومين من الامتحانات لتنسيق عملية الغش؟ كيف يتجرأ أستاذ ـــــ أي مُرَبٍّ ــــ على الطلب من الطلاب إخفاء أمور عن أهلهم؟ أين سيصبح المستوى التعليمي لأهل الجنوب مع تكرار هذه الحوادث؟
والسؤال الأهم: هل سيفتح تحقيق جزائي يعاقب فيه الذين خالفوا القانون أم «ستأكل» السياسة القانون ـــــ كما تعوّدنا ـــــ وتصبح عبير عباس مذنبة؟ أسئلة برسم المسؤولين، أياً كانت رتبتهم، ونحن بانتظار الأجوبة.