strong> راجانا حمية
للذكرى فقط ... قبل عام من اليوم، سقط أطفال قانا والدوير وبعلبك والقاع وصريفا ومروحين وزبقين والشيّاح و... في ملاجئهم المكشوفة لطائرات «الحقد». سقطوا هم...و1071 شهيداً أيضاً. سقطوا ولن يعودوا إلينا سوى أرقام، لكنّهم ليسوا كذلك، فهم بشر من لحم ودم، أطفال كانت لهم منازل وقصص صغيرة وأحلام ربما أصغر، أطفال عاشوا لحظات الحزن وومضات السعادة وماتوا في لحظة خوف وانتهوا.
للذكرى فقط... وقبل يوم واحد من ذاك العام، يستذكر الصحافي الشاب علي أبو سالم الـ1071 شهيداً وآلاف المشرّدين في «الحقد...؟؟»، فيلمه الوثائقي الأوّل، الذي يُعرض السادسة من مساء اليوم على مسرح قصر الأونيسكو.
20 دقيقة حملت ما يكفي من الدماء والدمار والقصف والغضب والموت والتشرّد ...ونشوة الانتصار، جسّد أبو سالم في نحو 600 صورة تنوّعت بين الفوتوغرافي والفيديو آلاماً وأشلاءً وأحلاماً دُفنت تحت ركام الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع، وأخرى هُجِّرت ما بين الحدائق والملاجئ. ولعلّ الذي شغل عليّ في «الحقد» الذي حمل توقيعه، إن كان لجهة الإعداد أو التصوير باستثناء بعض اللقطات من زملائه المصوّرين، أنّ حديقة الصنائع خطفت حيّزاً كبيراً من فكرته. وقد تكون الدافع وراء ولادة الفكرة قبل شهر واحد من الذكرى السنويّة، لكونها من المشاهد الكثيرة التي التقطها بنفسه حينما كان متطوّعاً في مركز «صامدون» للإغاثة. وجد علي في العشرين دقيقة متنفّسه الوحيد لتعزيز «الحقد» على العدو الإسرائيلي وترسيخ صور الأطفال الشهداء والانتصار في أذهان «من بقي من حرب تمّوز». كما أراد علي من عمله أيضاً أن يكشف كمية الحقد الإسرائيلي على الشعب اللبناني من الخارج و«بعض الجهات غير إسرائيل». وركزّ الفيلم على عنصر الموسيقى التي اخترقت غالبيّة المشاهد وتميزت بتنوّعها بين الموسيقى الثورية والغاضبة والموسيقى الحزينة، وثالثة طبيعيّة مصدرها الصواريخ والقذائف وصراخ الأمّهات وصرخات الشباب في التظاهرات التي رافقت أيّام الحرب الثلاثة والثلاثين. وفيما نالت الموسيقى حيّزاً هامّاً من المشاهد، لم يجد علي لـ «الكلمة» مكاناً، معتبراً أنّ الموسيقى أصدق في التعبير والتأثير، إلاّ أنّه رغم ذلك، أفرد حيّزاً لخطابات الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله وبعض الزوايا لخمس مقابلات طارئة (مع مسؤول في حزب الله والدفاع المدني في جمعيّة كشافة الرسالة ومتطوّع في «صامدون» في الصنائع ووالدة شهيدين في مجزرة الشيّاح وسفير منظّمة حقوق الإنسان في لبنان).
وفي تفاصيل «الحقد»، رصد علي ثماني محطّات من الحرب، استبقها بـ «فلاشّات» عن لبنان «قبل العدوان»، يرافقها صوت الفنّان وديع الصافي في أغنية «لبنان يا قطعة سما». أربع صور ما قبل العدوان، تقطعها أصوات القنابل والطائرات، وتخرقها صور المنازل المدمّرة في المناطق اللبنانيّة، وهدايا أطفال إسرائيل وصور الشهداء والمجازر والغضب والصراخ... ووجه والدة الشهيد حسين محسن، وتلك الدمعة التي انسلخت من قلبها قبل أن تسقط من مقلتيها، وثيابه التي لا تزال معلّقة في مكانٍ ما من خزانته.
وقد خصّص علي مشهداً لثُكن الجيش اللبناني المدمّرة وشهدائه، ومشاهد أخرى للمقاومين، ترافقها كلمات نصر الله من «لا مكان للتراجع، لا مكان للضعف، لا مكان للذل» إلى «هيهات منّا الذلّة». وخلال عمله كمتطوّع، دفعت مشاهد التشرّد والنزوح علي إلى استعادة عمله كمصوّر صحافي، فكان يقسّم وقته بين الإغاثة والتصوير. إلاّ أنّ علي لم يكتف بتصوير يوميات النازحين في العراء، بل وجد نفسه معنياً بما يحصل خارج أسوار الصنائع، فعمد إلى إضافة «مهمّة جديدة» إلى الإغاثة «وهي تصوير ما يطرأ على الضاحية والجنوب». وفي محطّته الأخيرة، حرص علي على استعادة لحظات الهزيمة الصهيونية ومهرجان الانتصار وخطابات «السيّد» وبعض من إعادة إعمار المناطق، وختم فيلمه بأغنية أدّتها السيّدة فيروز للبنان... ولكن بصوته «كيف ما كنت بحبّك، بجنونك بحبّك، بحبّك يا لبنان يا وطني».