وفاء عواد
عرّابه حسين الحسيني ومن أعضائه ميقاتي ومعارضون وموالون ومستقلون

كيف يكون للبنانيين أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم؟ سؤال جمع نخبة من الشخصيات تحت لواء «المركز المدني للمبادرة الوطنية» الذي احتفل بولادته، أمس، كاستجابة لتوق اللبنانيين الى أن يكونوا مواطنين متساوين أحراراً، في «دولة مدنية، لا تفرض ديناً بالإكراه ولا ترفض ديناً بالإنكار».
هي مجموعة تضمّ 60 شخصية، ويتصدّرها الرئيسان حسين الحسيني «عرّاب المبادرة» ونجيب ميقاتي وعدد من النواب والشخصيات الثقافية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية من مختلف الطوائف والمناطق، قرّرت الخروج عن صمتها، في محاولة لافتة لا شكّ في صفائها، مهما كان الحوض عكراً.
ولأن المجموعة تضمّ أشخاصاً فضّلوا أن يُقصوا أنفسهم عن «الحامولة» الكلامية التي اجتاحت الرأي العام اللبناني، شعباً وساسة، فقد كان الرهان على ضرورة الارتقاء بالفكرة الى مستوى مجهود كان يبذل في طيّ الخفاء، على مدى حوالى ثلاث سنوات، كبيراً بحجم الهدف القاضي بـ«إيجاد صيغة تطبيقية لقيام الدولة المدنية في لبنان»، ما يتطلّب من كل غيور على مستقبل لبنان «إضاءة شمعة في وسط الظلام الدامس»، حسب تعبير النائب الحيادي بيار دكاش.
وفي ظل الأزمة الداخلية التي طال عليها الزمن وفعلت فيه فعلاً عقيماً، وأصبح الاستمرار في «النوم» عليها تنازلاً عن معاني الوجود، أنشئ المركز على مجموعة من الأسس، وفق العناوين الآتية: «اللبنانيون متساوون أحرار/ لبنان دولة مدنية/ ضمانة العيش المشترك هي ضمانة قبول القوانين واحترامها، والسعي الدائم الى أن تكون مؤاتية للحوار والمشاركة/ حماية لبنان مسؤولية اللبنانيين، وتحقيقها يتعلّق بتضامنهم وحسن تقديرهم لموقعهم ومحيطهم/ الانفتاح الحرّ للبنانيين على العالم ينطلق من اختيارهم لواقع يعيشونه/ واستئناف بناء اللبنانيين دولتهم جدير باحترامهم واحترام العالم».
ولأنهم اختاروا الهبوط من أوج السياسات العليا التي لا تُطال إلا من فوق النجوم، ونزلوا الى صفوف الناس بحثاً في دُمّل يزداد تضخّماً كلما ازداد جرّاحوه، فقد رأوا أن «الاحتضار» الزمني للنظام الطائفي في لبنان «قد يطول أو يقصر، لكن صلاحيته التاريخية انتهت»، مشيرين الى أن الأزمة الحالية «ليست أزمة حكم أو حكومة فحسب، بل هي أزمة نظام وكيان»، واضعين نصب أعينهم تحقيق مطلب «تكوين قوة فكرية وعملية، لصياغة مشروع الدولة اللبنانية وتقديمه إلى المجتمعين اللبناني والدولي، كما للسعي الى تحقيقه»، ولا بدّ أن تكون هذه القوة «شاملة، ومستقلّة، لا أسيرة هذا الشخص أو ذاك، أو أسيرة هذه الطائفة أو تلك، أو هذه الدولة الشقيقة أو الصديقة تلك».
وانطلاقاً من كون المركز مستقلاً «ليس حزباً أو حركة سياسية أو طرفاً في التنافس السياسي»، بل مبادرة واضحة في المستوى الوطني، من موقع مدني لا طائفي، فإن أهدافه تبدأ من همّ صياغة مشروع «لبنان دولة مدنية» على أساس الاعتراف بتعدّد المصالح وبضرورة التنسيق والانسجام في ما بينها (الدولة، الشعب، الجماعات اللبنانية المتعدّدة، والأفراد)، مع ما يتطلّبه تقديم هذا المشروع من الإعلان العام عنه (اتصالات، مناقشات عامة، أنشطة ملائمة، تعميم الأبحاث والدراسات، وإنشاء شبكة فروع في الداخل والخارج)، مروراً بإطلاق المبادرات واستقبالها وتبنّيها في هذا الاتجاه، ووصولاً الى «العمل على تكوين القوة السياسية الوطنية» لتحقيق هذا المشروع، على أن يبقى المركز مستقلاً عن سلطات الدولة والقوى السياسية والاجتماعية كلّها، بما يراعي متطلّبات «المهمة الوطنية التاريخية»، على حدّ تعبير الرئيس الحسيني، في جمع اللبنانيين حول الدولة المدنية «المدخل» لحلّ الأزمة اللبنانية «العتيقة».
كما حرص مؤسّسو المركز على ضرورة تبيان الموقف الوطني من القضايا المطروحة بما يؤمّن مدنيّة هذا الموقف وحماية مركزهم من أن يكون طرفاً في التنافس السياسي على السلطة.
وفي إطار هوية أعضاء المركز، أشارت مصادر المجتمعين لـ«الأخبار» الى أن معيار الانتماء الى هذا التجمّع هو «الإيمان، فكراً وممارسة، بمشروع الدولة المدنية»، لافتةً الى أن المبادرات التي سبق أن أطلقها بعض من هم من مؤسّسي المركز «تلاقت أهدافها مع الأهداف التي يسعى إليها المركز»، ما يشير الى أن المبادرات السابقة «ذابت كلياً، وتوحّدت في إطار المركز الجديد».
ووفقاً للنظام الأساسي لـ«المركز»، تشير المادة المتعلّقة بالعضوية الى أن من يرغب في الانتساب يجب أن يكون: «لبنانياً أتمّ العشرين من عمره، متمتّعاً بحقوقه المدنية والسياسية، قابلاً نظام المركز وملتزماً أهدافه، ومرشّحاً بتزكية خطية من جانب عضوين اثنين من أعضاء الجمعية العمومية».
وإذا كان «المركز» قد أعلن مبادئ تأسيسه، وفق نظامين أساسي وداخلي، فإن مصادر المجتمعين لفتت الى أن الأنشطة الأساسية له ستكون من خلال لجان بحث ودراسة ولجان عمل ومبادرة.
وبالعودة الى أجواء المؤتمر الصحافي الذي شهده فندق البريستول، حيث أطلق خلاله الإعلان عن تأسيس «المركز»، فقد استُهلّ بكلمة للرئيس الحسيني الذي أعرب عن سروره لكونه بين «هذه النخبة لمهمة وطنية تاريخية، وهي وضع الصيغة التطبيقية لقيام الدولة المدنية التي طال الزمن لإيجادها»، ثم تلا محضر اجتماع اللجنة التحضيرية الذي ترأسه لتأسيس «المركز»، مشيراً الى اتخاذ أربعة قرارات:
1 ـــــ تفويض توفيق كسبار، زهيدة درويش، كريم قبيسي، طلال الحسيني، كميل منسّى، حسن الشريف، بوغوص كورديان، عدنان الأمين وفارس ياسين كامل الصلاحيات، من أجل توقيع النظامين الأساسي والداخلي وتقويم بيان الإعلام (العلم والخبر) وسائر المستندات المطلوبة من أجل إتمام عملية التأسيس.
2 ـــــ تكليف كسبار مهمات رئيس مكتب الجمعية، وزهيدة درويش مهمات نائب رئيس مكتب الجمعية ـــــ أمين سرّ شؤون العضوية، كريم قبيسي مهمات أمين سر شؤون الرقابة على أعمال الهيئة الإدارية.
3 ـــــ تكليف طلال الحسيني مهمات رئيس الهيئة الإدارية وممثل الجمعية تجاه الحكومة.
4 ـــــ تعيين حسن الشريف أمين سرّ الهيئة الإدارية، بوغوص كورديان أمين صندوق، كميل منسى أمين سرّ لشؤون الموارد المالية، وعدنان الأمين أمين سرّ شؤون الدارسات.
وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة الى أن توزيع المهمات مرتبط بفترة انتقالية نصّ عليها النظام الداخلي لـ«المركز»، وهي لا تتعدّى السنة الواحدة كحدّ أقصى.
وعلى هامش أعمال المؤتمر الصحافي، أكّد النائب دكّاش لـ«الأخبار» أن هذه المبادرة «لبنانية صرف من لبنانيين أقحاح»، بعيداً عن أي «إيحاءات أو إملاءات أو توجيهات أو اتصالات خارجية»، مشيراً الى أن سلاح اللجنة التحضيرية يعتمد على «المجتمع المدني، الصحافة الحرّة الاستقصائية (الإعلامية لا الإعلانية فحسب)، إضافة الى الإيمان بالوطن ووحدة أبنائه».
ولا بدّ من الإشارة الى أن اللجنة التحضيرية تضمّ، إضافةً الى الحسيني وميقاتي، النواب: بيار دكاش، عبد الله حنّا، غسان مخيبر، غسان تويني، وفريد الخازن.