طرابلس ــ عبد الكافي الصمد نهر البارد ــ نزيه الصديق

مخاوف من تحوّل الأزمة إلى «بؤر متفجّرة» وتجاوزها القضاء على «فتح الإسلام»

هل اقترب أوان الحسم العسكري في مخيّم نهر البارد، وبات وشيكاً دخول الجيش في معركة مفصلية مع مسلحي حركة «فتح الإسلام» وإنهاء ظاهرتهم، بعدما تجاوزت مدّة الاشتباكات بين الطرفين عتبة اليوم الـ53، أم أنّ حرب استنزاف طويلة الأمد ستبقي المخيّم مسرحاً لها في الأمد المنظور، في انتظار تطورات عدّة قد تساعد مستقبلاً في إيجاد مخرج لمشكلة لا تزال السبل كلها مسدودة أمامها؟
فحالة الجمود والترقب السائدة بعد تعثّر مساعي المفاوضات والمبادرات التي بذلها أكثر من طرف، فلسطيني ولبناني على السواء، وبقاء الأمور الميدانية على حالها في المخيّم منذ فترة طويلة، تشير حسب مصادر فلسطينية مطلعة إلى «مخاوف جدّية من أن تكون أزمة مخيّم نهر البارد قد دخلت في متاهة السياسة اللبنانية الداخلية الشديدة الحساسية، وارتباطها بها بشكل بالغ التعقيد، خصوصاً بعد التعميم الأخير الذي أصدرته قيادة الجيش، والذي لا تزال ارتداداته تُسمع في الساحة السياسية اللبنانية بقوة».
وتعرب هذه المصادر عن اعتقادها بأنّ «التجاذب السياسي الحاد الحاصل في الداخل اللبناني، والمصحوب بتفجر الأوضاع أمنياً، مثلما هو حاصل اليوم في مخيّم نهر البارد، يعني بكلّ بساطة أن أيّ حلّ للخروج من المأزق الحالي غير متوافر في المدى المنظور»، مبدية تخوفها من «بقاء الأمور على حالها، بلا حسم عسكري أو مخرج سياسي لمشكلة تنظيم «فتح الإسلام»، الأمر الذي قد يُمثّل إشارة غير مباشرة لانتقال البؤر المتفجرة إلى أكثر من منطقة لبنانية».
وتوضح المصادر الفلسطينية المطلعة ذلك بإشارتها إلى ما حدث وقت اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، عندما «تسبّب التلكؤ في مواجهة الأزمات، أو عدم وجود استعداد كاف للتعامل معها ومحاصرتها، إضافة إلى الانقسام اللبناني المعهود حيال أيّ أزمة داخلية، في انفلات الأمور من عقالها، ودخول لبنان في حرب عبثية امتدت قرابة 15 سنة».
وتشير هذه المصادر إلى أنّ «تحوّل لبنان إلى أرض خصبة للصراع المحلي والإقليمي، بفعل الانقسام السياسي والطائفي والمذهبي فيه، هو ما يجعل من أزمة مخيّم نهر البارد، بكلّ بساطة، نموذجاً مصغراً لهذا الصراع الذي قد يطول أمده إذا استمر الخلاف قائماً، وينتهي بأسرع ما يمكن إذا خيّم توافق المصالح بين القوى المحلية والإقليمية المرتبطة بشكل أو بآخر بالقوى الدولية».
في مقابل ذلك، تشير جهات فلسطينية دخلت على خطّ المفاوضات منذ البداية، إلى أنّ «الصراع على الساحتين الفلسطينية واللبنانية من أجل إيجاد مخرج لأزمة مخيّم نهر البارد يكاد يكون متشابهاً؛ إذ في مقابل دعوة أطراف من كلا الجانبين إلى اللجوء لخيار الحسم العسكري، تفضّل أطراف مقابلة اعتماد خيار الحلّ السّياسي، لكونه أقل كلفة من ناحية الخسائر، وأخف وطأة وتداعيات على الساحتين معاً».
لكنّ هذه الجهات توضح أنّ الذين يتمسكون بخيار الحسم العسكري هم الذين يعتقدون أنّ أيّ خيار آخر سيخرجهم من مولد الصفقات والتسويات اللاحقة بلا حُمّص، فيما الحلّ السياسي سيُفشل كلّ مشاريعهم، ومن هنا تبرز كلّ الخلافات المتعلقة بآلية عمل القوّة الأمنية الفلسطينية المشتركة، والتي لا يزال الحديث عنها يدور في الحلقة المفرغة ذاتها منذ طرحها إلى العلن عند بروز أزمة تنظيم «فتح الإسلام».
وتبدي هذه الجهات تخوفاً حقيقياً من أن يكون وراء تعثّر كل المبادرات، وتأخر الحسم العسكري، مخطّط أبعد من مجرّد القضاء على تنظيم «فتح الإسلام»، الذي يدلّ وجود عناصر عربية وتحديداً سعودية بارزة وقيادية فيه، على أنه مقدمة للدخول في حرب مخيّمات جديدة تكون غطاء لما هو أخطر، ولما يتمّ الإعداد له على الساحتين اللبنانية والفلسطينية، بعدما باتتا الأكثر انقساماً واهتراء في المنطقة، والأكثر إغراء للقوى الإقليمية والدولية للتصارع فوق حلبتيهما.
ميدانياً، تجددت بعد ظهر أمس الاشتباكات على مختلف محاور مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني ومسلّحي فتح الإسلام، بعد فترة من الهدوء النسبي سادت أجواء المخيم في فترة قبل الظهر.
وترافقت الاشتباكات مع مواصلة مسلحي الحركة عمليات القنص لمواقع الجيش، حيث يعمد المسلحون الى التسلل الى أسطح الأبنية المرتفعة، التي دمرت مدفعية الجيش قسماً كبيراً منها، وخصوصاً على تخوم المخيم عند مختلف المحاور، ويطلقون منها الرصاص في اتجاه الجيش، ومن ثم يتوارون داخل الأحياء والأزقة، ما يدفع الجيش الى الرد على مواقع إطلاق النيران وتمشيطها.
وكان المخيم قد استعاد أمس صباحاً هدوءه الحذر الذي تقطعه بين الحين والآخر قذائف مدفعية الجيش، بعدما شهد ليلة اعتبرت واحدة من أعنف ليالي القصف منذ اندلاع الاشتباكات، وإثر اشتباكات عنيفة دارت في محاوره قرابة السادسة من صباح أمس عند المدخل الشرقي للمخيم القديم وتخوم أحياء الصفوري وسعسع الفوقاني والمغاربة، حيث تمكّن الجيش خلال هذه المواجهات من إحراز بعض التقدم والسيطرة على عدد من الأبنية المحيطة بمبنى ناجي العلي والتعاونية في الطرف الشمالي للمخيم القديم.
كذلك تمكّن الجيش مع ساعات الصباح الأولى من التقدم الى ثلاثة مبان أخرى عند مدخل الشارع الرئيسي للمخيم القديم، وهي تعتبر مباني استراتيجية، وسيطر الجيش بالنار على مدى أوسع وبشكل مباشر على قسم كبير من الشارع، حيث كان مسلّحو الحركة قد أقاموا دشماً وتحصينات، ونصبوا عدداً من مرابض مدافع الهاون في محاولة منهم لإعاقة تقدم الجيش.
وكان المخيم شهد أول من أمس ليلة من القصف العنيف بدأت قرابة العاشرة وتخلّلتها اشتباكات عنيفة بالأسلحة كافة، تركّزت على محاور شارع أبو الحجل والصفوري وسعسع الفوقاني ومحيط مسجد الحاووظ، وعلى امتداد الشارع الرئيسي للمخيم القديم والجهة الجنوبية للواجهة البحرية للمخيم، صعوداً على طول مجرى نهر البارد الى الجهة الجنوبية والجنوبية الشرقية للمخيم.
وقرابة منتصف ليل أول من أمس، وإثر قصف مدفعي مركّز استهدف محيط مكاتب المجلس الثوري في المخيم، شبّ حريق كبير تلته سلسلة من الانفجارات المدوّية، وشوهدت أعمدة اللهب والدخان تغطي سماء المنطقة.
من ناحية أخرى، أوضح مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الشمال أبو جابر، الذي لا يزال مقيماً داخل المخيم، في اتصال مع «الأخبار»، أن «الأوضاع الإنسانية تزداد صعوبة ومأساوية داخل المخيم»، لافتاً الى أن «الهدف من المعارك الدائرة يبدو أبعد من القضاء على فتح الإسلام، ليتعدّاه الى تدمير المخيم بالكامل، على رغم المرونة التي أبداها مسلّحو فتح الإسلام أخيراً من أجل الخروج من الأزمة».
على صعيد متصل، أعرب عضو رابطة علماء فلسطين الشيخ محمد الحاج عن ارتياحه للقاء الذي عقده وفد الرابطة مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط أمس، موضحاً أن «طرفاً لبنانياً ثالثاً» لم يسمّه، «تبنّى مبادرة جديدة سلمها الى الرابطة بهدف طرحها على مسؤولي فتح الإسلام»، ومشيراً الى أن وفداً من الرابطة «سيجري اتصالات مع الحركة من أجل طرح المبادرة الجديدة التي تعتبر قريبة جداً من طروحات مبادرة الرابطة».