strong>عمر نشّابة
عشية صدور التقرير الثامن للجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يدقّق القضاء اللبناني بملفّ شاب مشتبه فيه بتزوير نمر سيارات وأوراق ثبوتية، كانت الشرطة قد عثرت في منزله ومكتبه على صور التقطها بنفسه لعملية ارهابية. وكان الشاب الذي يسكن في عين المريسة يخطط للسفر بعد ظهر 14 شباط 2005

قامت القوى الامنية في آذار 2005 بتفتيش منزل محمد أ. في منطقة عين المريسة بحثاً عن أوراق سيارة كان يسعى لتركيب لوحات مزوّرة عليها. وخلال عملية التفتيش عثر المحققون على اشياء قد تشير الى أن نشاط محمد الخارج على القانون لا يقتصر على تزوير نمرة سيارة وإخراج قيد بل يتعداه الى ارتكاب مخالفات وجرائم وقد يكون له علاقة بالتسهيل والمساعدة على قيام آخرين بجرائم خطيرة. وعثر في منزل محمد على ملفّات عن مادة الـ«انثراكس» ANTHRAX التي استخدمت في اعمال ارهابية في الولايات المتحدة في الفترة السابقة، كما عثر على صور لتفجيرات ارهابية وقعت في إندونيسيا عام 1993 التقطها بكاميراته الشخصية، وعلى جوازات سفر باسم مهران ب. وحسن م. و16 علّاقة مفاتيح، وشعارات لأحد الاحزاب اللبنانية، ومستندات مزوّرة لشركة تجارية. وبهدف التوسّع في التحقيق، قرّرت الضابطة العدلية تفتيش مكتب الموقوف في منطقة مار الياس حيث عثر على أدوات تزوير وأختام باسم مترجم محلف، وختم باسم وكالة وبنك من اهمّ البنوك الخليجية، وثلاثة جوازات سفر، وعدد من الشيكات، وعدد من المستندات وصور عائدة لجامعة أميركية في بيروت، ومستشفيين والضمان الاجتماعي. كذلك عثر المحققون في المكتب على مسدس عيار 5 ملم مع مشطين و14 طلقة من دون ترخيص، ومجموعة أقراص كمبيوتر عليها صور وأختام وإفادات عمل إضافةً الى مستندات مزورة.
كيف انطلق التحقيق
صباح 04/03/2005، توافر لدى مكتب مكافحة الإرهاب والجرائم المهمة، معلومات عن شخص طلب كبس نمرة سيارة في محل معد لصبّ نمر سيارات يقع في منطقة عين المريسة، من دون ابراز رخصة سير للسيارة أو هويته. أجريت التحريات بإشارة من النائب العام الاستئنافي في بيروت. وفي اليوم نفسه حضر محمد أ. (لبناني الجنسية)، الى المحل للاستحصال على لوحات لسيارته، بيجو 206 موديل 1994 لون كحلي، متخلفاً عن ابراز دفتر السيارة، بحجة وجود الوثيقة في السيارة المركونة بعيداً. بعد مواجهته بعناصر من مكتب التحريات، حاول الهرب لكن بعد المطاردة تم القبض عليه. خلال المطاردة حاول محمد ابتلاع ورقة تبين أنها إخراج قيد باسم راجي ع. عليه صورة شمسية لمحمد. وتبين من خلال التحقيقات أن محمد كان قد وجد إخراج القيد قبل أربع سنوات واحتفظ به الى أن قام بنزع صورة صاحبه ووضع صورته عليه. وكان هدف محمد الحصول، دون التعريف عن هويته، على نمر مزوّرة يضعها على السيارة تمهيداً للحصول على قرض من أحد البنوك وتسجيل السيارة على اسمه بطريقة شرعية.
هواية الملاحة والسفر
علم المحققون أن مواهب محمد أ. وهواياته متعدّدة، فإلى جانب التزوير، تبيّن من خلال التحقيق أن محمّد يهوى الملاحة الجوية إذ إنه تابع دروساً في الطيران لمدّة شهرين وهو يحبّ السّفر. وكان محمد قد زار الأردن، سوريا، كندا، إندونيسيا وعدداً من الدول الأوروبيّة. اللافت أيضاً في قضية محمّد، أن آخِر رحلة كان يخطط لها كانت مقرّرة إلى سريلانكا في 14 شباط 2005. لكنه أجّل سفره بعد وقوع الانفجار. عند سؤاله عن مكان وجوده أثناء الانفجار، أفاد بأنه كان نائماً في منزله في عين المريسة رغم أن سفره كان مقرراً عند الساعة الرابعة من بعد الظهر ويجدر به التوجه الى المطار عند الساعة الثانية. اللافت أيضاً، أن محمد لم يخبر اهله عن نيته بالسفر خوفاً، حسب قوله، من معارضتهم.
تزوير مستندات للحصول على تأشيرات
وتبين للقضاء، بعد سؤال الموقوف عن الجوازات التي عثر عليها في مكتبه، أن محمد أ. كان يعمل في مجال تأمين تأشيرات الدخول لبعض الدول الأوروبية منذ نحو ثماني سنوات بالاشتراك مع محمد م. اذ كان بعض الأشخاص يتّصلون به لتأمين تأشيرات سفر ويقومون بإعطائه جوازات سفرهم مع أربع صور شمسية، وبعد الحصول على التأشيرة يدفعون له مبلغ يراوح بين ألف وأربعة آلاف دولار أميركي حسب الطلب. وكان محمد يقوم بتزوير صور من سجلات تجارية وتغيير بعض مضمون السجلات الأصلية ثم إعادة تصويرها، واستعان محمد بالأسلوب نفسه لتأمين دفتر توفير مصرفي أو إفادة عمل.
وقال محمد أ. أمام التحقيق إن الاموال التي جمعها من خلال أعمال التزوير سمحت له بشراء مكتبه في مار الياس، حيث بدأ محمد م، (مواليد 1975) ـــــ (لبناني الجنسية)، العمل لديه لكثرة الطلبات. وكان هذا الأخير يساعد في أعمال التزوير، كما أقدم على سرقة ختم عائد لبنك خليجي. أما باقي الأوراق والإفادات (أوراق عائدة لوزارة المال ـــــ مديرية الواردات، وإفادات عن الصندوق الوطني الاجتماعي وإفادات لبنك وإفادات باسم غرفة الصناعة وعليها ختم وطابع) فكان يحصل عليها عن طريق الصدفة أو التصوير والتزوير بحسب أقواله. وبالنسبة الى الشيكات المصرفية مثلاً، قال محمد إنه وجدها على الأرض في أحد البنوك، فوضع شيكاً باسمه وآخر باسم شخص أجنبي لإبرازهما للسفارة الأميركية سنة 1998.
صُدف بالجملة
بعد قراءة ملفّ محمد أ. والقرار الظني الصادر بحقّه عن القاضي الياس عيد في 18/4/2005، يلاحظ وجود مجموعة من الصدف المستغربة وهي: 1ـــــ محمد يقيم في عين المريسة على بعد أمتار من مكان وقوع الانفجار الذي أودى بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري و22 آخرين في 14 شباط 2005، 2ـــــ كان يخطّط للسفر بعد ظهر يوم وقوع الجريمة الى أحد بلدان العالم الثالث ولم يخبر ذويه بذلك، 3ــــــ قام بتزوير نمر سيارات وأوراق ثبوتية وأختام ومستندات تعود الى مؤسسات رسمية ومصارف، 4ـــــ تعلّم الملاحة الجوية بعد وقوع الهجمات الارهابية على الولايات المتحدة في 11 أيلول 2001، 5ــــــ عُثر في منزله على صور لتفجيرات ارهابية وقعت في إندونيسيا عام 1998 التقطها بنفسه. وفي السنة نفسها تقدم محمد بطلب تأشيرة الى الولايات المتحدة الاميركية، 6ـــــ عُثر أيضاً على ملفّات تتعلّق بمادة الـ«انثراكس» ANTHRAX المستخدمة في اعمال ارهابية 7ـــــ يدقّق القضاء في ملفّه من جديد بعد أن كان القاضي عيد قد احال الملف الى القاضي المنفرد الجزائي في بيروت. وعشية صدور تقرير لجنة التحقيق الدولية الثامن، لا بدّ من التساؤل عن تفسير لتلك الصدف المتعدّدة.