إبراهيم عوض
اقتراح بتشكيل لجنة تحقيق عربية حول «فتح الإسلام» وسؤال عن وعد الحريري بـ«النضال» لتحسين وضع اللاجئين

حرص الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى على لقاء الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــ القيادة العامة أحمد جبريل خلال زيارته الأخيرة لدمشق للاستماع إلى وجهة نظره في الاتهامات التي توجهها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وفريق 14 آذار لجبهته، ومنها تحميلها مسؤولية ما يجري في مخيم «نهر البارد»، وإمداد سوريا لمعسكراتها في البقاع بالرجال والسلاح، وحتى بالوجبات الساخنة، كما قال السنيورة في مؤتمره الصحافي الذي عقده خلال زيارته الأخيرة لباريس. وعرض جبريل لـ«الأخبار» محضر اجتماعه مع موسى فقال إنه استهل حديثه معه بالإشارة إلى المحاولات التي يقوم بها فريق الأكثرية لتقزيم الملف الفلسطيني وحصره بموضوع السلاح داخل المخيمات وخارجها، فيما القضية أكبر من ذلك بكثير، وهي تتعلق باللاجئ الفلسطيني المحروم أبسط مستلزمات الحياة، الذي يعيش وضعاً مأساوياً بكل ما في الكلمة من معنى البؤس والضيق والتشرد.
وذكر جبريل في هذا الإطار أن أكثر من تسعين مهنة يحظر على الفلسطينيين ممارستها، كما أن الطبيب الفلسطيني المتخرج من الجامعة الأميركية في بيروت ممنوع من فتح عيادة له، وما يثير الدهشة أيضاً أن الأم اللبنانية الأصل المتزوجة من فلسطيني لا تستطيع أن تورث أبنائها بعد مماتها. وفيما قال جبريل لموسى إن ما يرويه له هو غيض من فيض، تمنى عليه أن يزور مخيم برج البراجنة في بيروت ليتأكد من أن القاطنين داخله وعددهم حوالى 45 ألف لاجئ يشربون مياهاً مالحة. وذكر أنه سبق له أن قدم إلى رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري حين زاره في بيروت العام الماضي مذكرة خاصة (زود موسى نسخة منها) تتضمن رؤيته لكيفية معالجة الملف الفلسطيني في لبنان، وقد أبدى الحريري يومها تعاطفه مع قضية اللاجئين، وأسف لأوضاعهم، وقال بالحرف إنه «سيناضل من أجل تحقيق مطالبهم».
وأكد جبريل لموسى استعداد المنظمات والفصائل الفلسطينية في لبنان للبحث في موضوع السلاح، شرط حصول سكان المخيمات على الأمن والأمان ومعاملتهم كما يعامل سائر اللاجئين الفلسطينيين في دول عربية أخرى، مشيراً إلى أن الفلسطيني في سوريا يتمتع بكل الحقوق التي يتمتع بها المواطن السوري باستثناء واحد يتعلق بعدم أحقيته بالانتخاب والترشح، علماً بأن عدد الفلسطينيين في القطر السوري يقدر بحوالى نصف مليون ولم يتحدث أحد يوماً عن توطين أو ما شابه.
وقال جبريل إن موسى دهش لما سمعه منه وأبلغه أنه سيولي الموضوع اهتمامه فور الانتهاء من مهمته المتعلقة بالأزمة اللبنانية، وقد لفته إلى أن لجنة وزارية لبنانية قامت بزيارة المخيمات في لبنان قبل أشهر واطلعت على أوضاعها وهناك من الوزراء من ذهل لما شاهده ودمعت عيناه، لكن لا شيء تغير على الأرض بعد ذلك.
وتناول جبريل في لقائه مع موسى الذي استمر أكثر من ساعة ونصف الساعة موضوع القواعد التابعة للجبهة في لبنان، فأكد بداية أنه مضى على إنشائها أكثر من 35 عاماً، أي قبل الدخول السوري إلى لبنان بعشر سنوات، وهي بالتالي ليست طارئة كما يصورها فريق 14 آذار الذي يعمل جاهداً على استفزازها، فيما لم يسجل وقوع حادث واحد من قبلها ولا حتى ضربة كف، «وخصوصاً أن هناك تفاهماً تاماً بيننا وبين الجيش اللبناني الذي يحيط بهذه القواعد كالسوار في المعصم». ولم تفت الأمين العام للجبهة الشعبية ـــ القيادة العامة الإشارة هنا إلى أن الحادثة التي جرت في الناعمة «نتيجة أعمال استفزازية قامت بها مجموعة تابعة لـ«القوات اللبنانية» تمت معالجتها في حينها، إذ جرى تسليم العنصر الذي أطلق النار على المتظاهرين إلى السلطات اللبنانية، وهو ما زال قيد التوقيف حتى الساعة»، وذكّر جبريل بأنه سبق للجنتين عسكريتين من الأمم المتحدة أن قامتا بتفتيش هذه القواعد بعد صدور القرار 1559 حيث تبين لهما عدم وجود عناصر من المخابرات السورية أو من الجيش السوري داخلها كما أدعى يومها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن وفريق 14 آذار. وتوقف جبريل هنا عند التقرير الأخير الذي أعده لارسن وتضمن ذكره لمنطقة «السبع بحرات» في معرض حديثه عن تهريب السلاح من سوريا إلى لبنان.
وقال إنه أوضح لموسى موقع هذه المنطقة الذي هو في قلب دمشق حيث المصرف المركزي والعديد من المؤسسات الرسمية، متسائلاً كيف يمكن عاقلاً أن يصدق أن شاحنة محملة بالسلاح «تختال» في «السبع بحرات» قبل أن تتوجه إلى لبنان عبر الحدود السورية، معلناً أن لارسن كشف أكذوبته حين عزا مصدرها إلى معلومات إسرائيلية. كذلك أبدى جبريل أمام موسى استياءه مما صدر عن الرئيس السنيورة في باريس حين اتهم الجبهة الشعبية ـــ القيادة العامة بتعزيز مواقعها في البقاع وإمدادها بالرجال والسلاح من الجانب السوري وحصولها حتى على الوجبات الساخنة.
وأشار إلى أن مثل هذه الاتهامات لا يستفيد منها إلا العدو الإسرائيلي، متمنياً على السنيورة الذي طالما يتغنى بانتمائه إلى القومية العربية ورفضه إجراء «فحص دم» في الوطنية أن يقرن القول بالفعل ويتخذ قرارات تحمي أبناء الشعب الفلسطيني في بلده. كما أكد أن هذه القواعد التي «تقض مضاجع فريق 14 آذار اليوم هي التي أسقطت اتفاق 17 أيار وأعادت (رئيس اللقاء الديموقراطي) النائب وليد جنبلاط إلى المختارة.
وفي ما يخص قضية «فتح الإسلام» روى جبريل لموسى كيف تمكنت مجموعة من «فتح الانتفاضة» الانقلاب عليها والاستيلاء على مراكزها في مخيم نهر البارد لتتحول إلى «فتح الإسلام». واتهم تياراً سياسياً نافذاً في فريق الأكثرية برعاية هذه الحركة وحمايتها وتسهيل تحركها من منطلق أنها تشكل قوة عسكرية سنية في مواجهة الشيعة في لبنان و«حزب الله» تحديداً، كاشفاً أن تقارير عدة أرسلتها الجبهة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري وقيادة الجيش وعدد من الحلفاء تبين بالوقائع والأسماء والتواريخ ضلوع التيار السياسي المذكور مع مجموعة «فتح الإسلام»، وذلك قبل أشهر من اندلاع الاشتباكات في مخيم «نهر البارد». وطالب جبريل الأمين العام للجامعة بتشكيل لجنة تحقيق عربية لتتبين بنفسها حقيقة الأمور.
وعزا ما تعرض له الجيش في «نهر البارد» إلى وجود «خطة جهنمية» يشارك فيها بعض الأطراف اللبنانية، لإقحامه في حرب مخيمات بغية الاقتصاص من مواقف قيادته الوطنية التي حددت إسرائيل عدواً وحيداً لها، ورفضت زجها في معارك داخلية والانتصار لفريق على حساب آخر، وقد ظهر ذلك جلياً خلال اعتصام المعارضة وأحداث كانون الثاني وقال: «يا لها من مصادفة غريبة أن يغدر بالجيش مرتين في منطقة العبدة، واحدة على يد إسرائيل إبان عدوانها على لبنان، والثانية على يد عصابة شاكر العبسي».
ورأى أن الحل الأمثل لإنهاء أزمة «البارد» يكمن في تشكيل قوة أمنية تشارك فيها الفصائل كافة، فتتولى تفكيك «فتح الإسلام» في مهلة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً.
وفي الشأن الفلسطيني وما يجري في الضفة الغربية وقطاع غزة، شدد جبريل على ضرورة وجود مرجعية للفلسطينيين، وذلك بإحياء منظمة التحرير الفلسطينية التي جمدت قبل سنوات، لافتاً إلى أن نصف أعضائها استشهدوا أو توفوا، وقد جرى اتفاق في القاهرة، قبل أكثر من سنتين على إعادة بناء المنظمة، الأمر الذي لم يتم.
وفيما شكر جبريل الجهود السعودية والمصرية لرأب الصدع بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس تمنى ألا تهمل بقية الفصائل، وناشد الأمين العام للجامعة دعوة جميع هذه الفصائل للاجتماع بهدف التوصل إلى برنامج سياسي واضح، وقد كرر موسى وعده بالاهتمام بهذا الموضوع، لكن بعد حل المشكلة اللبنانية.