strong> راجانا حميّة
نذر صاحب المركز الأوّل في لبنان في امتحانات شهادة علوم الحياة علي الحاج حسن (إنترناشيونال ليسنينغ سكول) نفسه للدراسة مدى عشرة أشهر، انتهت في الأمس القريب بحصوله على معدّل 519 من أصل 560 علامة. غير أنّ النذر لم يكن لأجله هو بقدر ما كان لتحقيق حلم والدٍ حمله منذ نعومة أظافره. حمل علي الحلم وسار به بأقصى سرعته، محاولاً أن يفي الوالد الذي حُرم في أحد الأيّام من استكمال دراسته بسبب «ظروفٍ قاسية»، كان يمكن أن تكون هي الأخرى سبباً في تعطيل دراسة علي لولا الإصرار المزدوج منه ومن العائلة على استكمال ما بدأه في مسيرة تفوّقه.
علي الذي يشغله حلم الوالد وتلك الظروف القاسية، أوصله ذاك الإصرار إلى المرتبة الأولى مرّتين، المرّة الأولى خطّط لها فكان له المركز الأوّل في لبنان في شهادته، والمرة الثانية حين كرّمته التعبئة التربوية في حزب الله وكانت له أيضاً جائزة للتفوّق العلمي. لم تكن المرّة الأولى التي ينال فيها علي المراكز الأولى، فمنذ عامه الأوّل في المدرسة كان يأتي اسمه في الصدارة، وفي المرحلة المتوسّطة حاز المرتبة الثامنة في لبنان في الامتحانات الرسميّة. وفي المرحلة الثانويّة، خطّط علي للوصول إلى هذا المركز وقد عمل جاهداً لتحقيقه، فكان يدرس بين 5 و9 ساعات في البيت وبين 8 و11 ساعة في المدرسة، أو ما يمكن تسميته «بوفيه» مفتوح على الدرس. وكان مدير المدرسة يُجري له في كل يومٍ اختباراً أو اثنين قبل البدء بالدراسة، ناهيك بساعات إضافية بعد الدوام. فكانت تبدأ صفوفه من السادسة صباحاً وتنتهي عند الخامسة بعد الظهر بناءً على طلب المدير. ولكن على رغم العشرين ساعة المخصصة للدراسة، أفرد علي لجبران خليل جبران والقضيّة العربية الإسرائيلية والأبحاث العلمية ما بقي من الوقت في الأيّام العادية، و«بعض الساعات الإضافية» في العطلة الأسبوعيّة.
وبعد الانتهاء من الامتحانات، وجد علي نفسه أمام خياريْن، إمّا المرتبة الأولى وإمّا المرتبة الأولى... لذا حين صدرت النتيجة، وقبل أن يعرف مركزه، اتّصل بوالده مستاءً «أخذت جيد جدّاً بس، مسكّر راسي». ضياع علي انتقل إلى العائلة التي صُعقت للخبر المتمثل بالعلامة «جيّد جدّاً؟»، لكنّ اتّصالاً من صديقه في المدرسة، عكس الأمور، فبدلاً من «جيّد جدّاً»، خطف علي المركز الأوّل في لبنان. في تلك اللحظة التي علمت فيها العائلة بالخبر المؤكّد، كان علي لا يزال في قريته يتفحّص علاماته، إلى أن اتّصل به الوالد مخبراً إياه «انّك طلعت الأوّل بلبنان»، وعلى رغم تخطيطه المسبق للوصول إلى تلك النتيجة، كانت «الصدمة أقوى من أن تُحتمل، وكذلك الفرحة»، فلم يقف عند حدود الصدمة والنتيجة، وبدأ منذ اليوم الأوّل الذي تلا صدور النتيجة بالبحث عن اختصاصٍ في الجامعة يلائم تفوّقه، واستعان في هذا المجال بوالده ومدير مدرسته. واتّفق الثلاثة على أن يتخصّص علي بالهندسة الجينية، وقد باشر تقديم الطلبات إلى الجامعات، على رغم أنّه حدّد مسبقاً الجامعة الأميركيّة في بيروت الخيار الأوّل للدراسة، ولكنّ خوفه من «المنحة الموعودة» والظروف دفعه إلى التفكير في بدائل، ودفع الوالد إلى نذر نفسه لعلي حتى لو وصل الأمر إلى حدود البيت أو محل الفلافل، مصدر رزق العائلة.