معدودة هي الأشياء التي استطاع الحاج محمد عكاش أن يجمعها مما بقي من منزل ابنه الشهيد وعائلته. بضع صور يقلّبها بين الحين والآخر يُسكن بها لظى شوق ولوعة فراق، شهادات ابنه الدراسية، علاماته وعمامته. «سبحان الله، صار البيت كالطحين إلا أن العمامة والعباءة بقيتا سليمتين» يقول عكاش، تسكنه هذه الملاحظة فيستفيض في التعبير عن الأمر «العمامة حافظت على الطريقة التي لُفّت بها، تخلّلها بعض الشقوق فقط». غير أن محاولة الحاج التعالي على حزنه لا تنجح. سريعاً يصل إلى تقديم خلاصة تجربته مع هذه المأساة التي حلّت عليه، فلا يتردد في القول كم كانت المجزرة مروّعة وقاسية «تقصم الظهر، لا أتصوّر إلى اليوم كيف أني لن أرى السيّد وأولاده مجدّداً، لم يبق أحد منهم يصبّرني، إنها مصيبة كبيرة ولا تصغر، والتفكير مؤلم جداً».
يحاول الحاج أن يستعيد أحداث ذلك اليوم، تغرورق عيناه بالدموع وهو يروي: «شعرت في ذلك الفجر بأن اهتزازاً أعقب دويّ ثلاثة صواريخ، لم أتخيّل أنها سقطت في منزل ابني. قالت لي زوجتي: اتصل بالسيّد، فعلت، فلم يردّ. حاولت أن أخفّف عنها: قد يكون نسي جهاز الخلوي في السيارة. قالت: خلّينا نطلّ عليه (نتفقده)، ففعلت. عندما وصلت إلى الساحة حيث يقع بيته كان الناس متجمهرون، صرت أسأل عمّا حصل لكنّ أحداً لم يجبني إلى أن التقيت بصديقه رئيس البلدية الحاج فؤاد رمال، ومن نظرة عينيه فهمت. سألته: راح السيّد؟ فأكدّ المصيبة. عدت أسأله: والعائلة؟ فأجابني: والعائلة. كدت أنهار وأغيب عن الوعي، لكنني تمالكت نفسي وعدت إلى المنزل بعدما أدركت أنه لم يبق لي أحد هناك».
لكن الحاج لم يعد مباشرة إلى المنزل، لأنه يصف بالتفاصيل كيف سحبت جثث الشهداء: «لم نستطع التعرّف إلا على جثة السيد عادل، كانت إصابته بليغة في الرأس والكتف. محمّد الباقر كان نائماً في الطابق الأرضي، انتشلت جثته من تحت الردم وكانت كاملة. نور أيضاً وجدوا جثتها كاملة، فوق الجبل. أما الباقون فقد جمعنا أشلاءهم التي تطايرت إلى مسافة أكثر من مئتي متر، وضعناها في أكياس ودفنّا الجميع في قبر جماعي في مقبرة البلدة يوم حصول المجزرة لأن الوضع لم يكن يحتمل التأخير».

الوداع الأخير
قبل ذلك بساعات، كان السيّد يؤم المصلين في جامع القرية. افترق عن والده وأخبره أنه سوف يزور رئيس البلدية فؤاد رمال في منزله لتهنئته بنجاح ابنه في الشهادة الثانوية. يقول: «أتى وبدأ الحديث عن الوضع القائم بعد نهار طويل من الغارات والاعتداءات، تمنى أن تمرّ المحنة على سلام، وقال: قدرنا المقاومة والجهاد، ونسأل الله أن يوفق المقاومين بجهادهم. وأشاد كثيراً بعملية أسر الجنديين».
نصحه والده خلال تلك السهرة بأن يغادر منزله، لأنه يقع في منطقة تتكرّر عليها الاعتداءات الإسرائيلية وإحداثياتها موجودة عند العدو «كنت أخشى أن يكون هدفاً، لكنه لم يستمع إلى نصيحتي، ودّعني ثلاث مرات قبل أن يغادر كأنّه الوداع الأخير، تأثرت جداً بابتسامته الأخيرة، شعرت بأن شيئاً سينسلخ مني، وهذا ما حصل».
لم يكن الحاج محمّد في الجامع عندما أمّ ابنه المصلّين، لكن قيل له لاحقاً إنه تحدّث في خطبته الأخيرة عن الشهادة ومغزاها وكيف يرتقي الإنسان إليها «وإن الإمام الحسين لم يذهب إلى الاستشهاد من أجل الاستشهاد، بل من أجل خير الناس وبقاء الدين».
إلى هنا، يتوقف أبو محمد عن الكلام عن المجزرة وما سبقها، ويختار الانتقال إلى الحديث عن ابنه فقط كما يتذكره. ويبدو أن هذا الحديث هو الوحيد الذي يثلج قلب الوالد المفجوع فيكرّره ويعود إليه كلّما طاب له ذلك: «كان محبّاً لنا، يتألم من أجلنا أنا ووالدته وشقيقاته البنات (10) وأشقائه الثلاثة. لم يكن يفارقنا، ورغم انشغاله بالناس وهمومهم وأمور الهداية والتعليم كان يحافظ على تواصل العلاقة معنا بشكل دائم. سبحان الله، أطلب من الله باستمرار أن يصبّرنا لأن خسارتي به وبعائلته لم تحصل لأحد. السيّد لحاله قدّ الدني، فكيف هو وعائلته؟
وكأنه يسأل نفسه فيجيبها بحلّ قد يعوّض له: «سأقيم له مزاراً مكان البيت المدّمر، حيث زهقت أرواحهم وأريقت دماؤهم، ومصلّى ومكتبة، وخصوصاًَ أنه كان يسعى باستمرار لإقامة مجمّع ثقافي ومدرسة دينية. لا يمكنني إلا أن أخلّد ذكره وذكر عائلته، شهداء الوطن والدين».
يؤكد الحاج محمد أن ابنه لم يكن يكترث للأمور المادية ولا يملك شيئاً، يقول إنه هو من بنى له بيته المؤلّف من ثلاث طبقات تبلغ مساحتها 600 متر مربع من تعويض نهاية الخدمة وذلك قبل عودة ابنه معمّماً من إيران «جهزت له البيت وأثّثته حتى لا يلجأ إلى بيوت الناس لأني أدرك وضعه المادي».
يتذكّر كيف كان السيد عادل حريصاً على تأسيس مكتبة ضخمة في المنزل «كان شغوفاً بالمطالعة منذ صغره، وخصوصاً العلوم الدينية، وربّى أولاده على نهجه فكانوا من المتفوّقين» وتأكيداً على كلامه يعدّد أسماء المدارس التي تنقلوا فيها: «الإخاء» في جبشيت و«المهدي» في الشرقية، كانوا مميّزين بالتربية والتهذيب والدراسة». يصمت قليلاً قبل أن يقول متحسّراً: «محمد كان يجب أن يتقدّم هذا العام إلى شهادة الرياضيات الثانوية» (يبكي) ويضيف: «أنا مصيبتي مثل أهل البيت، المجزرة التي حلّت بعائلة ابني هي تماماً كمصيبة الإمام الحسين وفاجعته بعائلته، ماذا أقوليختار أن يستعيد مسيرة حياة ابنه البكر المولود في 20 آب 1965 «أنهى دروسه الثانوية في النبطية، بعد الدوير التي عدنا إليها مهجّرين من النبعة عام 1975، وانتقل عام 1982 إلى حوزة الرسول الأعظم في بيروت، ومنها إلى قمّ في إيران بعدما تأهل من زميلته في الحوزة رباب فقيه من عين قانا، وهو لم يبلغ الثامنة عشرة». زار السيّد عادل بلدته الدوير عام 1995، في أعقاب استشهاد شقيقه المهندس شريف، ومرة ثانية بعد ثلاث سنوات، ثم استقرّ فيها نهائياً منذ عام 2000 وكان يدرّس في حوزة السيدة الزهراء في صيدا، التي دمرت أيضاً في عدوان 2006.
منذ استقرّ السيد في البلدة صار رفيقاً لوالده المتقاعد، فأمضى معه ست سنوات يعتبرها مكسباً له: كنت أكتشفه كل يوم، إنسان محبوب من أبناء بلدته، عقلاني دمث غير متعصب، يبسّط الأمور للناس جميعاً وشعاره الدائم كما كنت أسمعه: «إصلاح ذات البين خير من عام صلاة وصوم، لذلك كان يتحرّك دائماً بهذا الاتجاه وشكل قاسماً مشتركاً للجميع، عائلات وأحزاباً. كان يسعى إلى تطويق أي مشكلة تظهر في البلدة، فضلاً عن أنه كان يهدف إلى تعميم مشروع ثقافي يعزّز شخصية الفرد بعيداً عن الاستعباد، وتفعيل دور المرأة في مجتمعها، وتمكين قدراتها على العطاء».
يضيف الوالد الذي يبدو كأنه تحوّل إلى تلميذ لابنه السيّد: «يتمتع السيّد بوجه بشوش، يسابق إلى إلقاء التحية على الصغار قبل الكبار، ويعود المرضى أنّى كانوا، إنه حالة لا تتكرر على مستوى الضيعة في الدوير، إذ كان متفرغاً لها طوال الوقت، همّه العلم والتعلّم. يملك مكتبة لا مثيل لها في البلدة، لذلك كانت الأوراق والكتب تغطي الجبل بأكمله يوم المجزرة، لكأنما غرس الجبل بحبوب من كتب وأوراق. ونحن سنكرّس حلمه في البلدة، من خلال بناء مكتبة عامة ضخمة كان يحلم بها باستمرار، لقد نذر نفسه هو وأهل بيته لخدمة آل البيت. خسارة كبيرة هذا النموذج الذي آثر البقاء من دون أن يحسب حساباً لهمجية العدو وإجرامه، علماً أن المعنيين غادروا إلى بيروت، ومن زار أرض المجزرة يومها كان يقف برهبة أمام عمامته وبعض كتبه التي سلِمت من حقد الصهاينة».

لا نسيان
ينسحب الحزن نفسه على الحاجة أم عادل، تحمل صورة تجمع شهداء المجزرة الأولى في عدوان تموز 2006، ابنها السيد وجميع أفراد عائلته، وتردّد: «المصيبة بالرأس، مش عم تروح، ما بيقدر ينسى الواحد، المصيبة أنه لم يبق أحد من عائلته يصبّرنا على هذا الوجع المؤلم، صعبة كثير». وتحكي عن علاقتها بأحفادها: «كان الأولاد يحبوننا كثيراً، وخصوصاً محمد الباقر. كان يقول لي: يا ستّي بدي إعمل مهندس عندما أنتهي العام المقبل من شهادة الرياضيات الثانوية، وأنا أجيبه: إنشالله يا ستي، أنا قدّامك واللي بدك ياه بيصير. أما الصبيّتان فاطمة وزينب فكانتا تتحدّثان إليّ باستمرار، هما وأخواتهما لا يعرفن إلا المدرسة والبيت وبيت جدهموتستعيد لحظات ولادتهم: «الأولاد الكبار ولدوا في إيران، وهنا ولدت سارة وبتول ونور وصفاء التي كانت تبلغ ستة أشهر يوم استشهدت. أتذكر أني قلت له يومها: خلص يا إمي، حاجي تجيب بهالبنات، فأجابني: يا أمي البنات رحمة، الله يرحمه كان يحب بناته كثيراً ويدلّلهن كما الصبيان». إلى اليوم لا تزال الحاجة أم عادل عاجزة عن تقبّل ما حلّ بابنها وعائلته: «وخصوصاً عندما يجتمع بقية أحفادي في البيت، لا يمكن إلا أن أتذكر أولاد السيّد عادل... ظلم كبير ما جرى للسيد الطاهر ولزوجته التي كانت علاقتي بها جيدة جداً»
كلّ هذه الوقائع تجعل الحاج محمد يسأل نفسه باستمرار كيف أن هذا العدو يعتدّ بعقيدته القتالية والعسكرية ويبيد عائلات بأكملها جلّهم من الأطفال، ويرتكب مثل هذه الجريمة اللاأخلاقية التي لا مثيل لها في الكون. حتماً هذا العدوّ لن ينتصر. من يقتل الأطفال بهذه الهمجية لن يكون له نصر على الإطلاق، وإذا كان يتكلّ بما يفعله على عملائه، فمصيره وإياهم الفشل ثم الفشل ثم الهزيمة. إنهم مجرمون، وأستغرب كيف أن بعض العرب يجلسون مع قتلة الأطفال من اللبنانيين والفلسطينيين، إلى أين هذا الانحطاط، لا يمكن على الإطلاق أن نغفر يوماً لمجرم يبيد الأطفال».


مجزرة الجسور
منذ اليوم الأول للحرب الاسرائيلية على لبنان، بادرت إسرائيل إلى أمرين: تقطيع أوصال الطرق وارتكاب المجازر بحق المدنيين. فاستهدفت الصواريخ الاسرائيلية بيوتاً آهلة في عدد كبير من القرى: الدوير، زبقين، بافليه، شحور (عائلة علي خشاب)، مرتكبةً مجازر جماعية كانت تقضي على عائلات بكامل أفرادها.
في الوقت نفسه، كانت صواريخ أخرى تستهدف الجسور التي عزلت لبنان عن الخارج كما عزلت القرى والمدن اللبنانية بعضها عن بعض. ففي اليوم الأول استهدفت الطائرات جسر طيرفلسيه، جسري القاسمية القديم والجديد، جسر القعقعية، جسر رومين ـــــ دير الزهراني، جسر كفررمان ـــــ عربصاليم، جسر الجرمق، جسر التحرير بين مزرعة المحمودية ومرجعيون، جسر الزهراني، كما دمرت أجزاءً من جسور الأوّلي والدامور والسعديات.
وفي 13 تموز استكمل الاسرائيليون عملية استهداف الجسور، وقصفت الطائرات الحربية: جسر صوفر ـــــ المديرج الجديد، جسر النملية، جسر الأوّلي، جسر الدامور، جسر سينيق، جسر بقسطة، جسر وادي الزينة.
وأدى القصف الذي استهدف هذه الجسور إلى إصابة فريق عمل تلفزيون الجديد (الجرمق) ومراسل المنار (القاسمية) وثلاثة مسعفين تابعين لكشافة الرسالة الإسلامية (الزهراني).
وفجر 14 تموز بدأ عزل الضاحية الجنوبية من خلال قصف جسري المطار والصفير ومعظم مداخلها، مع استمرار قصف مطار بيروت الدولي ما أدى إلى توقّف الملاحة الجوية فيه منذ اليوم الثاني للعدوان.


مسلسل من الشهادة
تكاد جدران غرفة الاستقبال في منزل السيد محمد عكاش تمثّل لوحة تذكارية لصور الشهداء. بدءاً بصورة والده الذي يعدّه شهيد الحزن على ولديه يوسف وشريف، إلى صور الأخيرين، إلى 12 صورة للسيد عادل وأفراد عائلته وضعت كلّها في إطار واحد، إلى صورة أخرى لأربعة شهداء من البلدة هم شهداء الوعد الصادق، بينهم قائد عملية أسر الجنديين وبطل محور بنت جبيل الشهيد «ساجد».
«منذ الصغر تعودت تحمّل المصائب» يقول محمّد عكاش. يحكي عن معاناة أسرته: «كان عمري 12 عاماً عندما قُتل شقيقاي يوسف وشريف أيام الطلائع والنهضة. تعرضا لكمين ولضرب مبرّح بالعصي، وتوفيا على أثر ذلك علماً أن الكبير كان شرطياً. أحتفظ بصورهما إلى اليوم، وها هي معلّقة على الجدار. لقد وعيت على والدين مظلومين بفقدان شابين دفعة واحدة، لذلك جعلنا انتماؤنا إلى أهل البيت، نقوم بالعزاء ونندب ونحزن».
غير أن الأمر لم يقتصر على شقيقيه: «في عام 1995، تركت ابني شريف نائماً في فراشه في الدوير. كان في سنته الأخيرة في قسم الهندسة. ذلك النهار سمعت دويّ قصف من بعيد، لكنني توجهت بعد آذان الفجر والصلاة إلى وظيفتي في مرفأ بيروت. وبعد ساعات دخل عليّ أولاد شقيقتي، ليخبروني عن تعرض ابني لحادث سير، لم أصدقهم وسألتهم على الفور: ماذا حصل لشريف؟ هل استشهد شريف؟ وهذا ما حصل، الله يرحمو، كنت أتوقع ذلك، سقط شهيداً في موقع الدبشة قرب النبطية».
كان الوالد يتوقع الشهادة لشريف المقاوم «بيد أنني لم أحسبها لعادل، لأن منهجه ديني بامتياز، رافقته ست سنوات بعد تقاعدي، هذه السنوات أعتبرها مكسب حياتي، إذ لم أره لحظة إلا محبوباً مرغوباً من الناس، لذلك أسس ندوة «الأربعاء» في الدوير وغايتها الموعظة الحسنة والتركيز على أخلاق الدين».


بافليه مجزرة أخفاها الظلام
المكان الذي لا يصل إليه الإعلام، يعني أن المجزرة لم تقع هذه هي الخلاصة التي توصّل إليها العديد من أهالي ضحايا الحرب. وتكاد تكون حقيقة، وخصوصاً أن الإسرائيليين كانوا يعمدون إلى ارتكاب معظم مجازرهم في يوم واحد.
بافليه واحدة من القرى التي شهدت مجزرة في اليوم الأول لاندلاع الحرب راح ضحيتها مزارع وعائلته المكوّنة من 11 فرداً، كلّ ذنبه أن بيته يقع عند أطراف البلدة وهو كان قد اعتاد وعائلته مغادرة البيت في ظروف مماثلة خلال عقود من الاحتلال والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على لبنان وجنوبه خصوصاً.
عبثاً حاولت حنان الزين أن تقنع عائلة شقيق زوجها بأن تنام عندها ليلة الثالث عشر من تموز. كثافة الطائرات التي حلّقت في الأجواء تلك الليلة دفعتها إلى دعوتهم تكراراً للمبيت عندها لأن بيتهم يقع على أطراف البلدة «غالباً ما كانوا ينامون عندنا في ظروف مماثلة، إلا أنهم رفضوا تلك الليلة لأن صهرهم (كويتي الجنسية) كان قد قدم من بلدة الشهابية لينام عندهم».
اقترحت حنان على سلفتها أن ترسل الأولاد «لأن زوجها راعٍ وكنت أعرف أنه لن يغادر البيت ويترك رزقه، لكنها خففت من مخاوفي».
كانت الساعة الرابعة إلا ربعاً فجراً عندما استيقظت حنان على صوت الصواريخ وهي تتساقط على البلدة. «خرجنا إلى الشرفة أنا وزوجي، لاحظنا أن الطائرات استهدفت المنطقة التي يقيم فيها شقيقه منير، فخرج ليطمئن لكنه لم يستطع أن يرى شيئاً بسبب الظلام. عاد إلى البيت وقال لي الدخان كثيف، ناديتهم ولم يردّ عليّ أحد».
حاول عبد المجيد الزين مرات كثيرة الوصول إلى بيت شقيقه منير ليعرف ما حصل هناك لكنه كان يعود كلّ مرة خائباً بسبب الظلام «وما إن بزغ أول خيط من خيوط الفجر حتى سارع إلى هناك واكتشف المجزرة... فعاد في حالة يرثى لها، وأصيب بحالة عصبية لا يزال يعاني منها إلى اليوم».
يروي نضال الزين، نقلاً عن أقاربه الذين كانوا في القرية يومها أن الجثة الأولى التي استطاعوا العثور عليها كانت للطفل حسين الزين، ووجدت جثة رب العائلة منير على بعد عشرة أمتار من مكان المجزرة.
حنان، العاتبة على الإعلام لأنه لم يفِ هذه المجزرة حقها، تتحدّث بحرقة عن العائلة التي استشهدت بكاملها. تعدّهم لنا: منير الزين (47 عاماً)، نجلاء حدرج (43 عاماً)، علي الزين (20 عاماً)، ولاء الزين (18 عاماً)، حسن الزين (14 عاماً)، فاطمة الزين (10 أعوام)، حسين الزين (5 أعوام)، صهر العائلة حيدر بن نخي ووالده عبد بن نخي (كويتيان) وخادمة من الجالية السريلانكية لم يكن ممكناً التعرّف إلى اسمها لأنها كانت قد قدمت من الكويت. ولم ينجُ من العائلة إلا ابنة واحدة هي حوراء (21 عاماً)، زوجة الشهيد حيدر، لأنها كانت في بيروت آنذاك.