أنطوان سعد
انكبّت الأوساط المسيحية المحايدة على درس المسائل الثلاث التي أثارها بيان المطارنة الموارنة، الأسبوع الماضي: عهد حقوق الطفل في الإسلام، استبدال التطوع بالتعاقد في قوى الأمن الداخلي، وقانون تملك الأجانب في لبنان. وكان الاكتشاف الأول لهذه الأوساط أن مجلس المطارنة استند إلى دراسات جدية وعلمية أعدّتها دوائر تابعة لبكركي، استُحدثت منذ فترة غير وجيزة، وأخرى قدمتها شخصيات سياسية مخضرمة مترفعة عن النزاع الدائر بين الموالاة والمعارضة.
وفي أية حال، فقد علّمت التجربة البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير أن يحذر من المعلومات التي ترده من طرف عن خصم له. ولا بد من التذكير، في هذا الإطار، بأن مفكرته الشخصية تحفظ الكثير الكثير من الكلام والاتهامات التي تلقيها الأطراف المتنازعة أمامه بعضها عن بعض، والتي لم ينشر منها سوى ما يعطي فكرة واضحة عن تردّي نوعية الطبقة السياسية اللبنانية.
وكما لدى مقاربة تفسير الدستور عند إثارة الجدل حول نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية والتي كانت في الواقع أقرب إلى إبداء وجهة نظر سياسية منها إلى العودة إلى الدستور واحترام أحكامه، انقسمت الطبقة السياسية بين مدافع عن الحكومة ومنتقد لها، بغضّ النظر عن محتوى السجال. فقد كان لافتاً أن تدافع قوى الرابع عشر من آذار عن قرار الحكومة بالانضمام إلى «عهد حقوق الطفل في الإسلام» أو تصمت عنه، على رغم وجود اتجاهات مدنية علمانية في صفوفها، وأن تهاجم قوى المعارضة القرار أو تصمت عنه على رغم وجود اتجاهات إسلامية سنّية وشيعية في صفوفها.
طبعاً، لا بد من الإشارة هنا إلى أن ثمة مدافعين عن القرار في الحكومة، من المسيحيين والمسلمين، مؤمنون حقيقة بوجوب إقراره وجدواه. فـ «القوات اللبنانية» ترى فيه وسيلة لإرساء ذهنية التمايز المجتمعي بين الطوائف اللبنانية التي تؤدي شيئاً فشيئاً إلى جعل فكرة الفدرالية مقبولة منها، وخصوصاً من التيارات السنية التقليدية والأصولية التي رفضتها في لبنان والسودان، ولا تزال ترفضها في العراق وتقاومها بأعتى الوسائل وأظلمها. وفي المقابل، قد تكون لدى تيار «المستقبل» حاجة الى إقرار «عهد الطفل في الإسلام»، في هذا الظرف الداخلي المتشنج بالذات، الذي يخوض فيه حرباً شرسة مع التيارات الأصولية السلفية التي تحاول اللعب على مشاعر القواعد الشعبية السنية باستمرار لإقناعها بالابتعاد عن تيار «المستقبل» وزعيمه، عبر اتهامه بالتعاطف مع العالم الغربي وبخاصة الولايات المتحدة التي تحمي إسرائيل وتدعمها دون أن تأخذ حقوق الفلسطينيين في الحسبان. وإلا فكيف يمكن تفسير قيام الحكومة الحالية بإقرار مشروع القانون هذا، وإحالته على مجلس النواب للإبرام، في وقت تُمثّل فيه الحكومة موضع تشكيك قوي لجهة غياب التمثيل الشيعي كلياً عنها من جهة، ولجهة ضعف تمثيل الأطراف المسيحية فيها الذي يقتصر في أفضل الأحوال على ثلاثة أو أربعة وزراء يتمتعون بتمثيل شعبي من أصل اثني عشر وزيراً مسيحياً، من جهة ثانية.
وترى الأوساط التي تدرس موضوع انضمام لبنان إلى «عهد الطفل في الإسلام» أنه، من حيث الشكل، يكفي أن تتحفظ الحكومة عن أربع فقرات أساسية في المعاهدة حتى تصبح غير مقبولة، خصوصاً أن منظمة المؤتمر الإسلامي لا تلزم أعضاءها بالانضمام إليها ولا تمنعهم حتى من الانسحاب منها إذا ارتأت ذلك في ما بعد. ورأت إحدى الدراسات الجدية والعلمية التي أجريت قبل صدور مجلس المطارنة أن «التحفظ الذي أبدته الحكومة على الفقرات الأربع فقط لا يزيل التعارض الجوهري لهذا العهد مع دستورنا وصيغتنا اللبنانية، بل إنه يثبته، على الصعد المجتمعية والتربوية والتعليمية والثقافية والإبداعية والعلمية». وتلفت إلى وجود العديد من الفقرات التي كانت تستلزم أيضاً تحفظ الحكومة عليها، ومنها:
ــ «إيمان الدول الأطراف في هذا العهد بأن الإسلام بقيمه ومبادئه يؤلّف أنماط السلوك للمجتمع المسلم بما يوفر له الأمن والاستقرار...».
ــ «مراعاة حقوق أطفال الأقليات والجاليات غير المسلمة»، (رفض اعتبار المسيحيين أقلية أو جالية مقيمة في لبنان).
ــ اعتبار «الدول الأطراف في هذا العهد» بلداناً يجمعها انتماء واحد «الأمة الإسلامية»، ويوجب «ليس فقط احترام أحكام الشريعة الإسلامية»، بل كذلك «مراعاة ثوابت الأمة الإسلامية الثقافية والحضارية».
ــ اشتراط اللباس الذي تفرضه التربية الإسلامية.
ــ عدم التعارض «مع حرية انتساب الطفل المسلم للمؤسسات التعليمية شريطة احترامها لأحكام الشريعة الإسلامية».
وتوضح الشخصية المخضرمة التي أعدّت الدراسة، وهي مقربة جداً من بكركي، لـ«الأخبار» أنها لا تهدف منها الى استثارة عصبيات أو الانتصار لفريق دون آخر من المتنازعين، بل فقط سحب المشروع بكل هدوء ووضعه في الدرج كما فعل الرئيس نبيه بري بمشروع «إيسيسكو» قبل أربعة أعوام.