وفاء عواد
الحص يوجّه رسالتين إلى الداخل وثالثة إلى المجتمع الدولي... مقدمةً لمبادرة

«أين نحن»، سؤال أجاب عنه رئيس «منبر الوحدة الوطنية ـــــ القوة الثالثة» الرئيس سليم الحص، أمس، في افتتاح لقاء وطني جمع بعض الشخصيات الوطنية وممثلي الأحزاب والقوى السياسية، واضعاً نقاط الحلّ فوق حروف الأزمة السياسية التي تهدّد لبنان، كياناً ووجوداً.
وفي خطوة لافتة، شكلاً ومضموناً، أراد «ضمير لبنان» أن يدلي بوجهة نظره، وأن يستمع الى وجهات نظر الآخرين، «مقدّمةً للحوار المطلوب»، على حدّ قوله لـ«الأخبار»، نافياً أن يصنّف اللقاء، حالياً، في خانة المبادرات، إذ «هناك متابعة سيتولاها أعضاء المنبر لبحث آلية استثمار الحوار وكيفية التواصل مع من حضر اللقاء واتخاذ القرار المناسب في شأن الخطوة التالية، على أن يليها اجتماع قريب جداً في حضور من يرغب، لتقويم نتائج اللقاء وترجمتها عملياً»، و«من الممكن أن يتحوّل هذا اللقاء الى مبادرة».
ففي الشكل، جاء اللقاء متزامناً مع الذكرى الأولى للعدوان الإسرائيلي على لبنان، فكان لا بدّ من توجيه تحية خالصة للمقاومة الباسلة التي أسقطت مقولة «الجيش الذي لا يقهر»، فـ«سجّلت إنجازاً تولّد عنه تحوّل مفصلي في مسار الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي»، مرفقة بتحية قلبيّة الى الشعب اللبناني الذي «جعل من العدوان هزيمة نكراء للمعتدي».
أما في المضمون، فقد قرّر الرئيس الحص توجيه ثلاث رسائل مباشرة: واحدة في اتجاه المجتمع الدولي، واثنتين في اتجاه الداخل اللبناني.
الرسالة الخارجية اختصرها بـ«ازدواج المعايير في السياسة الدولية، حيث تُكال القيم بمكيالين». وفي هذا الإطار، انطلق الحص من وصف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي «حزب الله» بالإرهاب، ليطرح ثلاثة أسئلة: هل كان ديغول إرهابياً يوم قاوم الاحتلال الألماني لبلاده؟ أما كان الرئيس الفرنسي سيقاوم، فيما لو تعرّضت أرض بلاده للاحتلال؟ وهل سيكون عندئذ إرهابياً؟ وآملاً «ألا يقف المشروع الأميركي ــــ الإسرائيلي عائقاً في الطريق»، رأى المؤمن بأن «الانتماء للوطن ليس خياراً وحسب، وإنما هو التزام» أن معطيات الواقع الداخلي تتطلّب:
1 ـــــ الحاجة إلى التوافق على رئيس مقبل يوفّر عبوراً سليماً للاستحقاق الرئاسي، فـ«يدرأ عن البلد خطر التفجير الرهيب الذي يتخوّف منه الجميع، فيما لو لم يُنتخب في موعده أو في حال الإتيان برئيس غير توافقي يجسّد غلبة فريق على فريق»، مؤكّداً أن حكومة الوحدة الوطنية هي «أقرب السبل إلى التوافق».
2 ـــــ الحاجة إلى إصلاح شامل، «مدخله إصلاح سياسي» و«مفتاحه قانون انتخاب عادل وفاعل»، وذلك مقدّمة لـ«عبور سليم» للاستحقاق الرئاسي.
وكان الحص قدّم «جردة» لأهم محطات الأزمة الوطنية الشديدة التي شهدها لبنان منذ عام 2004: ابتداءً من إعلان القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن، ثم تمديد ولاية الرئيس إميل لحود في اليوم التالي، مروراً بالأحداث الجسام (اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، انطلاق تظاهرات حاشدة غصّت بها شوارع بيروت وساحاتها، انسحاب القوات العربية السورية من لبنان بعد انتشار دام نحو 29 سنة، ووقوع مسلسل من الاغتيالات والتفجيرات الآثمة»، ومروراً بالحرب الشاملة التي شنّتها إسرائيل على لبنان، ووصولاً الى انسحاب فريق وازن من الحكومة «ما أطلق أزمة حكومية عنيفة»، ليطلّ على أوجه القضايا التي تبدّلت لتفرّق اللبنانيين: من المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية، إلى الاختلاف حول المحكمة ذات الطابع الدولي، فالمطالبة بتأليف حكومة وحدة وطنية، ووصولاً الى التركيز على الاستحقاق الرئاسي.
وبكثير من «الغصّة»، كان لا بدّ لمن عايش حالة التمزّق والحرب الأهلية من استذكار مسلسل الأزمات الوطنية المتتالية التي شهدها لبنان منذ استقلاله، بما يشهد على «هزال الحياة الديموقراطية في بلدنا، حيث الكثير من الحرية والقليل من الديموقراطية، في غياب ضوابط الحكم الشمولي أو الاستبدادي المشؤوم»: أزمة عام 1952 التي أطاحت رئيس الجمهورية بشارة الخوري، أزمة دامية عام 1958 على خلفية إقليمية ـــــ دولية، أزمة وزارية متمادية عام 1969، حرب أهلية مدمّرة ما بين عاميْ 1975 و1990، وصولاً الى الأزمة التي نعيش تداعياتها حتى يومنا هذا.
واستناداً الى هذا الواقع، يخلص الى التأكيد أن محور القضية اللبنانية هو «الحاجة الى تنمية الحياة الديموقراطية»، حيث «الإصلاح الشامل يكون شاملاً أو لا يكون»، على أن ينطلق من «الإصلاح السياسي، ومفتاحه قانون الانتخاب»، و«عسى أن ينتج الصالحين المصلحين».
ومنبّهاً الى أن اللبنانيين على «مفترق مصيري: نكون أو لا نكون»، اختصر الحص القضية بسؤال: «هل سنعبر الاستحقاق الرئاسي بسلام؟»، مجيباً: «سوف نعبر الاستحقاق بسلام إذا انتُخب رئيس جديد للجمهورية في الموعد الدستوري، وإذا أسفرت الانتخابات عن فوز رئيس توافقي يجمع ولا يفرّق»، ولكن «الشرطين غير مضمونين»، بفعل «ما نشهد من خلافات حادّة، وغياب الآلية الديموقراطية الفاعلة لفضّ هذه الخلافات». وإذ أشار الى أن مطلب حكومة الوحدة الوطنية ما كان إلا لـ«إيجاد منبر يوفر آلية للتوافق على حلول للقضايا الخلافية العالقة»، ذكّر بأن مهمة هذه الحكومة تكمن في «طيّ صفحة ماضٍ بائسٍ، وفتح صفحة جديدة من التطبيع والاستقرار والنمو والازدهار».
وفي إطار افتقار لبنان إلى الديموقراطية، أبدى الحص جملة ملاحظات لأخذ العبر، وفق عنوانين أساسيين: قانون عام 2000 هو الذي «صنع الأكثرية والأقلية» و«أتاح دوراً حاسماً للمال السياسي»، والتركيبة السياسية القائمة «نتاج لما يسمّى التحالف الرباعي»، وذلك من دون أن يغفل واقع المنطقة التي «أضحت مسرحاً لصراع يدور بين معسكرين: أميركي ـــــ إسرائيلي، وسوري ـــــ إيراني»، حيث قضى قدر اللبنانيين بـ«أن يكونوا على خط التماس، يتلقّون الضربات يمنة ويسرة، ما أدّى الى انشطارهم فريقين: أحدهما مرتبط بهذا المعسكر والآخر بذاك».
وبمعزل عن سلبيات هذا الواقع «الأليم»، يختم الحص كلمته بتأكيد ضرورة «التوصّل إلى صيغة وفاقية داخلية»، إذ إن «الكلمة الأخيرة هي دوماً لإرادة الشعوب، مهما كانت صغيرة أو ضعيفة».