نهر البارد ــ نزيه الصديق البدّاوي ــ عبد الكافي الصمد

الأونــروا تمــدّد حالـة الطــوارئ وهواجـس عـدّة تقـضّ مضاجـع النـازحيــن

على الرغم من أن الجيش اللبناني أكد أن «العمليات العسكرية الجارية حالياً في مخيم نهر البارد لا تزال في إطار تضييق الخناق على مسلحي تنظيم فتح الإسلام لإجبارهم على الاستسلام والرضوخ للعدالة»، لا باعتبارها «معركة حاسمة للقضاء عليهم»، حسب ما أشارت إلى ذلك تصريحات نسبت إلى مسؤولين عسكريين، فإن الاشتباكات التي دارت على محاور المخيم كانت الأعنف منذ اندلاعها في 20 أيار الماضي.
وكان القصف المدفعي العنيف قد بدأ قرابة الساعة الرابعة من فجر أمس، واستمر متواصلاً على الوتيرة نفسها طوال نحو خمس ساعات، استخدمت فيه الأسلحة الرشاشة والصاروخية والمدفعية، قبل أن يتراجع ليصبح متقطعاً على مختلف المحاور، وخصوصاً على المحور الجنوبي، وسط ارتفاع أعمدة الدخان والغبار التي غطت سماء المخيم وجواره.
وكانت انتشرت منذ مساء أول من أمس في محيط المخيم وحدات وأفواج المغاوير والمجوقل والهندسة في الجيش اللبناني، بعدما عززت المواقع بالجنود والعتاد، وسط قصف مدفعي متقطع ليل أول من أمس، ليشتد تدريجاً ويبلغ الذروة مع ساعات صباح أمس. وقد تركّز القصف على تلة كستينة وأحياء الدامون والمغاربة والصفوري وطلعة الصاعقة والسوق القديمة والشارع الرئيسي للمخيم والمحيط الجنوبي لمبنى التعاونية وناجي العلي، إضافة إلى الواجهة الجنوبية للمخيم على امتداد مجرى نهر البارد. وكان القصف المدفعي يتواصل بمعدل 15 قذيفة في الدقيقة، في ذروة عمليات القصف، مترافقاً مع حصول اشتباكات عنيفة دارت على مختلف المحاور، وساهمت الزوارق الحربية التابعة للجيش في عملية دكّ تحصينات المسلحين في مواقع محددة إلى الجهة الجنوبية للواجهة البحرية للمخيم القديم.
وأدت الاشتباكات الى استشهاد أربعة عسكريين في الجيش اللبناني أحدهم برتبة ضابط، حسب ما أشارت مصادر عسكرية موضحةً أن الضابط استشهد نتيجة إصابته برصاص قناص، فيما استشهد اثنان بعد وقوعهما في كمين نصبه لهما المسلحون على تخوم المخيم القديم.
وعمل الجيش لاحقاً على تفجير أبنية في محيط المخيم وتدميرها بالكامل ليحول بذلك دون استعمال المسلحين لها في أعمال القنص، وسط محاولات تقدّم لفوج المغاوير في اتجاه المخيم القديم، ولإحكام الطوق على المسلحين الذين أطلقوا عدداً من قذائف الهاون التي وقعت في خراج بلدات الريحانية وبحنين والمحمرة من غير أن تسفر عن سقوط ضحايا، فيما أصابت رصاصة طائشة المواطن عادل العجل قرب أفران لبنان الأخضر على الطريق الدولي بين المنية والعبدة أدت الى وفاته، على رغم الجهود التي بذلها عناصر الدفاع المدني لنقله الى أحد المستشفيات القريبة.
وأُعيد فتح الطريق الدولي بعد ظهر أمس، إثر المنع من عبوره نتيجة اشتداد الاشتباكات طوال فترة قبل الظهر.
في مقابل ذلك استمرت الجهود لإخراج نحو 50 مدنياً لا يزالون داخل المخيم، إضافة الى المساعي التي تبذلها رابطة علماء فلسطين لإخراج عوائل مسلحي فتح الإسلام، حسب ما أشار الى ذلك عضو الرابطة الشيخ محمد الحاج الذي لفت الى أن «الجيش اللبناني تجاوب مع هذا المطلب، وأبدى استعداده لإعطاء كل التسهيلات اللازمة لذلك».
الى ذلك، أعطى تمديد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان «الأونروا» حالة الطوارىء الصحّية والغذائية التي اتخذتها مسبقاً حتى شهر شباط من عام 2008، بدلاً من شهر آب المقبل، انطباعاً لدى الفلسطينيين، أفراداً وقيادات، عن حجم الصعوبات والمشاكل المعيشية والاجتماعية والصحّية التي ستواجههم في الشهور المقبلة.
وتضاعف هذا الانطباع بعدما تسرّبت أنباء عن أنّ مؤسسات إغاثية لبنانية عربية ودولية ستعمل على إيقاف نشاطها الإغاثي والإنساني في الأيّام القليلة المقبلة في مخيّم البدّاوي، بعدما شارف مشروعها الذي قدمت من أجله على الانتهاء، واستنفدت جميع عناصره، وباتت اليوم تراجع إمكانية تجديد مهمتها وتمديدها، مع طرح بعض التعديلات عليها، أو التوقّف عند هذا الحدّ، والعودة من حيث أتت.
هذا التطوّر المرتقب كان دافعاً لإبداء العديد من مسؤولي الفصائل والتنظيمات الفلسطينية تخوّفها من احتمالات وسيناريوات عدّة تطبخ في الداخل والخارج، لتقرير مصير الفلسطينيين في لبنان بعيداً من أن يكون لهم أي قرار أو مشاركة في ذلك، وهو ما تبدّى من قلق أعرب عنه مسؤول فلسطيني مطّلع عندما أشار إلى «وجود هاجسين لدى النازحين من مخيّم نهر البارد: الأول حول مصير المخيم وما إذا كانوا سيعودون إليه مستقبلاً أم لا، في ظلّ ما يروّج عن وجود توجّه لهدم المخيّم بالكامل وتدميره، مع مشاهدة جرّافات ضخمة عند المدخل الشمالي للمخيّم في بلدة العبدة».
أمّا الهاجس الثاني حسب المسؤول الفلسطيني فتمثّل في ما نقله بعض الأهالي من «معلومات نشرت في بعض الصحف البريطانية أشارت إلى استعدادات قائمة في كلّ من كندا وأوستراليا من أجل استقبال بعض عائلات النازحين من مخيّم نهر البارد، الأمر الذي سيساهم في تفكّك الأسر والعائلات وتشرذمها، وإلغاء فكرة ومبدأ حقّ العودة إلى فلسطين بصورة نهائية».
هذا الوضع المصحوب بالقلق والخوف على المستقبل، شرحه ممثل «الجمعية الأهلية للخدمات الاجتماعية» في الشمال حسن شعبان، عندما أشار إلى أنّ «المشكلة الأساسية والمعاناة التي لم تسلم أسرة أو فرد من تبعاتها هي مشكلة الإيواء، والاكتظاظ السكّاني في المدارس والبيوت، التي أوجدت مشاكل اجتماعية عدّة داخل الأسر، الأمر الذي دفع الكثيرين منهم إلى البحث عن شقق ولو خارج المخيم، إضافة إلى استئجارهم مستودعات ومخازن في محيط المخيّم».
ولم تفُت شعبان الإشارة إلى أنّ «المساعدات بدأت تتقلص منذ فترة، على الرغم من أنّ الأونروا لا تزال تقدّم الخدمات الصحية والمساعدات الغذائية، إلا أنّها لا تزال ناقصة، وخصوصاً أنّ بعض الأسر لا يزال محروماً حتى الآن من وجود أماكن للاستحمام ودورات المياه، عدا عن توفير مساكن للإيواء، إضافة إلى ما أوضحته دراسة ميدانية أجرتها باحثات أجنبيات أخيراً من أنّ عدداً من الأطفال النازحين يعانون اضطرابات نفسية عميقة، في حين أنّ النساء يعانين عوارض القلق والخوف، وأنّ الهاجس الأخير نبع من إمكانية تحوّل مخيّم نهر البارد إلى تلّ زعتر جديد، ما قد تستحيل بعده العودة إليه، إلى جانب الصعوبات المالية النابعة من أنّ أصحاب الشقق باتوا يطالبون برفع قيمة الإيجار الشهري، بعدما تبين لهم أنّ إقامة النازحين ستطول».
وإذ لفت شعبان إلى أنّ مؤسسات عدّة لا تزال تقوم بمهماتها الإغاثية، مثل جمعية المساعدات الشعبية النروجية، ومؤسسة التعاون، وهيئة الإغاثة الفلسطينية، والهلال الأحمر القطري، والهيئة العليا للإغاثة في لبنان، فإنّه أشار إلى أنّ الأونروا «بدأت بإجراء اتصالات بوزارة التربية بهدف درس إمكانية التحاق الطلاب الفلسطينيين بالمدارس الرسمية اللبنانية في العام الدراسي المقبل، وخصوصاً طلاب مخيّم نهر البارد، فضلاً عن استرجاع الأونروا الثانوية العربية في طرابلس، لاستيعاب الطلاب النازحين، عدا عن درس إمكانية إقامة دوامين قبل الظهر وبعده في بعض المدارس».
وعلى الرغم من أنّ الجمعيات والهيئات المدنية والاجتماعية الفلسطينية تؤدي دوراً مهماً في مجال معالجة المشاكل الاجتماعية الناتجة من النزوح، ضمن الإمكانات المتاحة، فإنّ شعبان لم يفوّت الفرصة من غير أن يتهم المرجعيات والفصائل الفلسطينية كافة بـ«التقصير في تقديم الخدمات للنازحين، والتهائهم بدلاً من ذلك بالمناكفات والخلافات السياسية الضيقة في ما بينهم».