الرياض ــ حسن المصطفى
العدد ثلاثمئة هو عدد السعوديين المطلوبين أمنياً في لبنان، ﻻنتمائهم إلى تنظيمات إسلامية أصولية تتبع لـ«القاعدة» و«فتح اﻹسلام». وهو رقم يفوق التقديرات اﻷولية التي تناقلتها وسائل اﻹعلام، وأعلنتها الحكومة اللبنانية.
لكن هذا الرقم الذي كشف عنه الصحافي السعودي فارس بن حزام، المتابع لشؤون اﻹرهاب والقاعدة، رقم غير مبالغ فيه برأيه، وأتى بعد تتبّع لملف القاعدة والمجنّدين السعوديين، معتقداً أن ما لم يكشف عنه ربما يفوق هذا العدد، وخصوصاً أن التحقيقات لم تنتهِ بعد، وهناك عدد كبير من المطلوبين متوارون عن اﻷنظار في أماكن غير معروفة، مضيفاً أن «العدد اﻷكبر من السعوديين موجود خارج مخيم نهر البارد، في بيروت وباقي المدن اللبنانية»، متوقعاً «حدوث مواجهات بين هذه العناصر وقوى اﻷمن في مناطق مختلفة تمتد حتى نهاية العام الجاري». وعن اﻷماكن التي يتحصّن فيها هؤﻻء، يرى بن حزام «أن عدداً منهم يتوزع في شقق سكنية في بيروت، وعدداً آخر في حقول زراعية، وهناك من يختفي في القرى اللبنانية المختلفة لكونها بعيدة عن الرقابة وأكثر أمناً».
هذا العدد الكبير من السعوديين بدأ بالتوافد على لبنان منذ نهاية صيف 2006، وذلك عبر طريقين: إما مباشرة عبر مطار رفيق الحريري الدولي قادمين من السعودية، أو عبر سوريا قادمين من العراق. ويضيف «الذين أتوا مباشرة من السعودية لم تكن في نيتهم القتال في لبنان. ضُلّلوا واستُدرجوا. قيل لهم إن الذهاب إلى العراق من السعودية عبر سوريا يعرّض صاحبه إلى الشبهة، وأن الأسلم الذهاب إلى لبنان ومنها يُنقلون إلى العراق بطرق مختلفة. وفي لبنان أُدخل هؤﻻء إلى معسكر «فتح الإسلام» للتدرّب والتهيّؤ، فأُلزموا بالبقاء، استجابة وطاعة لقائد خليّتهم. والفئة الثانية نُقلت من العراق عبر سوريا، وهي في أغلبها لم تنضوِ تحت لواء شاكر العبسي، بل طُلب منها تأليف خلايا لتنظيم «القاعدة»، ويشاركهم في هذه الخلايا عناصر من جنسيات متعددة».
هل لتنظيم «القاعدة» وجود في لبنان؟ يجيب بن حزام باﻹيجاب، مردفاً «تنظيم القاعدة لم يتشكل بصورة متكاملة في لبنان إﻻ أخيراً، من أفراد أتوا من العراق، وآخرين موجودين في المخيمات. إﻻ أنه أخذ في النمو والتغلغل في مناطق مختلفة».
الدعم المالي هو عينه والمرجعية الفقهية واحدة لهذه الخلايا اﻷصولية ولتنظيم «فتح اﻹسلام»، لكنها قد ﻻ تنعقد تنظيمياً ضمن تراتبية هرمية واحدة. وتتبع في عملها أسلوب الخلايا العنقودية. وهذا ما قد يمنع انكشاف بعضها.
عوائل سعودية كثيرة أبلغت السلطات اﻷمنية في الرياض بفقدان أبنائها وتغيّبهم، أو سفرهم وعدم عودتهم، ليتبين لهم بعدها أنهم في لبنان ضمن تشكيلات «القاعدة»، ويؤكد الصحافي فارس بن حزام أن لدى السلطات السعودية أسماءً لعناصر مطلوبة أمنياً كانت في العراق، ثم انتقلت ﻻحقاً إلى لبنان. والملاحقات اﻷمنية الحالية أتت نتيجة جهود سعودية ومتابعات دقيقة قُدّمت إلى اﻷمن اللبناني.
توجّه السعوديين إلى لبنان أتى بعد تحريض غير مرئي، على عكس ما حدث في العراق من تحريض واضح وظاهر للعيان. إﻻ أن الصعوبات اﻷمنية التي واجهها كثير من الشبان السعوديون بعد تضييق السطات اﻷمنية في الرياض الخناق على تنظيم «القاعدة»، والمراقبة اﻷكثر صرامة للحدود العراقية، دفعتهم للتوجه إلى لبنان، والبعض غادر بغداد إلى بيروت بوثائق مزوّرة، بعدما وُضعت أسماؤهم على القوائم اﻷمنية.
ما يحدث اﻵن يرى فيه بن حزام «لعبة استخبارية ضخمة تجنّد هؤﻻء الشبان المتحمّسين لخدمة أجندتها الخاصة، وهذه اﻷجهزة وفرت لهم الدعم المالي واللوجستي وسهّلت تنقّلاتهم، لتحقق في النهاية أهدافها، وليكونوا هم مجرد أدوات تنفيذية ﻻ أكثر».
غالبية السعوديين الثلاثمئة هي دون عمر 23 عاماً. هذه هي النتيجة التي توصّل إليها بن حزام بعد تتبّعه ملف القضية، وهم بحسبه «من جيل اﻹنترنت الذين حُرّضوا وجُنّدوا إلكترونياً. فهؤﻻء ﻻ خبرة لديهم في القتال، ولم يشاركوا في أفغانستان أو الشيشان، ولذا لن يُسلّموا إمرة الخلايا، وسيكونون مجرد مقاتلين ضمن مجموعات يرأسها آخرون أكثر خبرة وصلابة»، معتبراً أن ما يُتناقَل عن زعامة سعودية لمجموعات متقدمة كلام غير دقيق، وما يدل على ذلك هو السقوط السريع لسعوديين في مواجهات «أبو سمرا»، وانكشاف خلايا البقاع التي فخّخت عدداً من السيارات ﻻستخدامها في أغراض أمنية.