strong>عمر نشابة
بعد أيام من وقوع جريمة اغتيال الحريري ضجّت وسائل الإعلام بخبر تلاعب الأجهزة الأمنية بمسرح الجريمة بهدف إخفاء الأدلّة الجنائية. وفي هذا السياق اتهم سياسيون قادة الأجهزة الأمنية بالتآمر لحماية القتلة. التقرير الثامن للجنة التحقيق الدولية يشير إلى حسم هذه المسألة من دون أن يذكر كيف

ذكر التقرير الثامن للجنة التحقيق الدولية المستقلة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أن اللجنة حسمت مسألة المعلومات التي وردت سابقاً عن احتمال تلاعب بعض الأمنيين بموجودات مسرح الجريمة في 14 شباط في منطقة عين المريسة. فذكرت الفقرة 34 أن اللجنة «توصّلت إلى معرفة مرضية للسياق المحيط بآليات معينة كانت موجودة في مسرح الجريمة أو في محيطه». كما توضّحت للجنة، مسألة حفريات «مشكوك فيها على مقربة من مسرح الجريمة قبل الهجوم، والتدخلات بمسرح الجريمة التي جرت بعد الهجوم».
وقال مصدر متابع للتحقيقات أمس لـ«الأخبار» إن القوى الأمنية حاولت القيام بواجبها بعد وقوع الانفجار في 14 شباط وإن أي تقصير في إدارة مسرح الجريمة سببه الفوضى وقلّة الاحتراف ونقص في التجهيزات. أما في ما يتعلّق بنقل بعض السيارات من مكان الانفجار، فقد أكّد المصدر أن التوجيهات التي صدرت بهذا الشأن كانت واضحة وتضمّنت تعليمات لالتقاط صور فوتوغرافية مفصّلة للسيارات ووضعيتها، ورفع البصمات والأدلة الجنائية، ومن ثمّ نقل السيارات إلى مكان آمن تمهيداً لإعادة فتح الطريق أمام المواطنين. وأضاف أن هذه التعليمات كانت مطابقة للتعليمات التي صدرت بعد جريمة اغتيال الرئيس رينيه معوّض في الصنائع والمفتي حسن خالد في عائشة بكّار، حيث نُقلت السيارات بعد فترة قصيرة من وقوع الانفجارين وبعد التصوير ورفع الأدلة.
عدم دقّة التقارير السابقة
وكانت لجنة التحقيق الدولية برئاسة ديتليف ميليس قد ذكرت في تقريرها الاوّل أنه «بعد بضع ساعات من وقوع الانفجار، وفي حوالى الساعة 23,00 أُخذ من مسرح الجريمة دليل رئيسي. فقد نُقلت سيارات موكب المرحوم رئيس الوزراء السابق إلى ثكنة الحلو بذريعة المحافظة عليها، بالرغم من أن ما بقي من السيارات لا يبرر المحافظة عليها إلاّ من زاوية قيمتها دليلاً جنائياً باعتبارها كانت الهدف المتوخى من الانفجار. وهذه ليست الحالة الوحيدة التي تمثل برهاناً على التلاعب بمسرح الجريمة. إذ إن هناك سيارة من طراز (BMW) لم تكن في جملة الموكب أُخذت من مسرح الجريمة، في حين أنه كان ينبغي التركيز على عدم أخذ أية سيارة وإبقائها على النحو الذي استقرّت عليه بعد الانفجار من أجل تحديد الكيفية التي اقتُرفت الجريمة بها». وأضاف التقرير الاول: «أُدخلت جرافة (بلدوزر) إلى مسرح الجريمة في مساء يوم الانفجار، 14 شباط/ فبراير 2005، دونما أي مبرر. وما إن علم وزير الداخلية والبلديات بالأمر، أصدر أوامره بإخراجها من هناك وبالمحافظة على مسرح الجريمة على ما كان عليه». (الفقرة 144). كما ذكر التقرير: «لم تجر للعيّنات (التي رفعت من مسرح الجريمة) اختبارات خاصة بالأدلة الجنائية. وهذا أمر أعاق التحقيق، لأنه أصبح من المستحيل تعقّب أصل المتفجرات، الأمر الذي يمكن بالتالي أن يؤدي إلى معرفة الجُناة». أما التقرير الثاني للجنة برئاسة ميليس فذكر أن «التدابير المرتبكة الأولية التي اتخذتها السلطات اللبنانية عقب وقوع الانفجار مباشرة جعلت من الصعب تحديد نوع المتفجرات المستخدمة بصورة مؤكدة» (الفقرة 40).
لكن تبين أن لجنة التحقيق برئاسة سيرج براميرتس توصّلت إلى معلومات قيّمة بخصوص المتفجرات المستخدمة. وبهذا الشأن ذكر التقرير الأخير «في ما يتعلّق بنوع المتفجرات المستخدمة، جمعت اللجنة النتائج من النماذج التي رفعتها من ساحة الجريمة والتحليلات الكيميائية التي أكّدت أن المتفجّرات التي استُخدمت، كانت تتألف من مواد الـ RDX والـ PETN والـ TNT. وبعدما قامت اللجنة بتحليل الفجوة التي خلّفها التفجير وقارنتها بالنتائج التي أدت إليها اختبارات المتفجّرات ووجوه أخرى في التحقيق، فإنها تؤكد أنّ تفجيراً واحداً فوق الأرض يتألف من 1800 كيلوغرام من المواد المتفجرة وقع في الساعة 12.55.05» (الفقرة 21).
ومن المرجّح أن تكون لجنة التحقيق قد توصّلت إلى خلاصة مغايرة لما كان قد ذكر في التقريرين الأولين، فإن الفوضى وقلّة الاحتراف في التعاطي مع مسرح الجريمة لا يعني بالضرورة قيام الأجهزة الأمنية اللبنانية بالتلاعب بالأدلة الجنائية عمداً. واللافت هنا هو أن نقص احتراف الأجهزة الأمنية اللبنانية استمرّ في إدارة مسارح جرائم أخرى تلت جريمة اغتيال الحريري، وكان آخرها جريمة اغتيال النائب الشهيد وليد عيدو.