جان عزيز
هل انتهى شهر العسل الذي دام أقل من عامين، بين أمين الجميّل وكريم بقرادوني؟ السؤال بات مطروحاً بقوة في أوساط حزب الكتائب، كما في الوسطين المسيحي خصوصاً والسياسي اللبناني عموماً.
المطّلعون على خفايا المسألة يشرحون أن فهمها لا يكتمل إلاّ بالعودة إلى بداية اللقاء والاتفاق، خريف عام 2005. يومئذ كان الرئيس الأسبق للجمهورية خارجاً من انتخابات المتن الشمالي النيابية بنكسة ملحوظة. وكان خليفة والده في حزب الكتائب خارجاً من آخر حكومة في عهد إميل لحود الأصلي، بنكسة مماثلة. الجميّل كان في حاجة إلى ما يعوّض انتظاره حتى ساعات الصباح الأولى من اليوم التالي لانتخابات جبل لبنان، لينقذ مقعداً نيابياً أخيراً في معقله بالذات، وفي مواجهة سركيس سركيس. وبقرادوني كان في حاجة إلى ما يفتح أمامه إعادة التموضع، حفاظاً على الكتائب التي رعاها في الأعوام التي سبقت.
وبين الحاجتين المتبادلتين، قيل إن عوامل أخرى جديدة طرأت. أبرزها خروج سمير جعجع من الأسر وعودته لاعباً على الساحة الكتائبية، حيث يتكوّن الفضاء الأساسي للرجلين. يضاف إلى ذلك بروز اسم النجل الأكبر للجميّل، بيار الابن، على ساحة التحالف الحاكم، وخصوصاً بعد العلاقة المميّزة التي نسجها مع سعد الدين الحريري. وهذا ما جعله مرشحاً قوياً لأدوار وزارية أو أكثر، تقتضي فوراً ومستقبلاً شرعية مسيحية غير متنازع عليها، لتحصينها وتحسين حظوظها وتأكيد فرصها...
هكذا، وسط هذه التقاطعات كلها، بدأ الاتصال بين بقرادوني والجميّل الابن أولاً، ثم اتّسع ليصير مع الأب مباشرة، وأنجزت المصالحة الكتائبية.
على مدى أقل من عامين بدا أن التعايش بين الرجلين نجح في إرساء أول تجربة ديموقراطية حزبية لدى المسيحيين. قيل إن معادلات دقيقة رعته، في توازنات الحزب وبنيانه وهيكلياته، كما في توازنات السياسة والمواقف والمواقع.
لكنّ الأهم، أنه كان يتردد بشدة، أن أكثر ما حفظ هذا التعايش، كان مرور الكيمياء الشخصية بسهولة وسرعة بين بقرادوني والجميّل الابن. نجح بيار في اكتساب ثقة كريم. وأحسّ الأخير بوعد الجميّل الشاب. تفاهما وتعاونا واطمأنّا إلى دور كل منهما. حتى إن بقرادوني اقتنع تلقائياً بأن وظيفته في الفترة الباقية له في رئاسة الحزب، ستكون الإعداد لتسليمه إلى بيار، وإعداد الحزب لاستعادة دور ذهبي مضى، وإعداد بيار لمستقبل أكبر من نتيجة المتن الانتخابية الأخيرة.
إلى أن كانت كارثة 21 تشرين الثاني الماضي. سقط الحلم الجميلي الجديد برصاص الغدر هذه المرة. وتوالدت التداعيات على أكثر من مستوى وصعيد. منذ اللحظة الأولى للجريمة بدا الأمر زلزالاً لم تتوقف ارتداداته العكسية. على الصعيد الوطني العام، أخذ الحزب فجأة من تشييع شهيده في بكفيا، إلى مهرجان المنظومة الحريرية قرب الضريح. وعلى الصعيد المسيحي فتح هول الجريمة ثغرة لتحريض هستيري ضد ميشال عون، لمّا ينتهِ بعد. وعلى المستوى الكتائبي نفسه، بدا الفراغ كبيراً. وفي كل ذلك كانت الوقائع والتطورات تحدث المسافة المتباعدة تدريجياً بين الرئيس والرئيس الأعلى.
وعلى وقع تلك التباينات قيل إن ثمة مَن دخل على الخط. طلب من الجميّل إبعاد بعض الرموز القواتيين السابقين من المكتب السياسي للحزب. ثم صارت دورة العمل في الصيفي تتغرّب أكثر فأكثر عن دور بقرادوني وحضوره وديناميته المعهودة.
في كانون الأول الماضي استقال نادر سكر من عضوية الكتائب بصمت. ثم لزم بقرادوني منزله نهائياً، لأن معلومات متقاطعة وردت إليه عن كون حياته في خطر. وبين التطورين قيل إن الجميّل صار يعتبر نفسه مرشحاً رئاسياً جديّاً. وقيل إن بقرادوني لم يقتنع بذلك، ولم ينخرط في الماكينة المطلوبة، التي برع فيها أكثر من مرة. وبعد فترة ثمانية أشهر من البحث داخل العائلة، حسم الجميّل قراره «بتبني» ابنه الثاني سامي، حزبياً وسياسياً. فيما العلاقة بين سامي وكريم تاريخية التوتر واللّاودّ، فتفاقم الإشكال.
قبل أيام، انتقل بقرادوني إلى منزله الصيفي في غدراس. هناك قيل إنه تلقّى رسالة «رفاقية»، تتمنى عليه العمل تمهيداً لنقل رئاسة الحزب إلى الجميّل الابن الثاني، ضمن برنامج زمني محدّد. لم يتجاوب كريم، وفضّل ترك الأمر لآليات الحزب الطبيعية ولمواعيدها المقررة عبر المؤتمر العام. فهل يعني ذلك الطلاق؟
يُروى أنه يوم زار كريم بكفيا لتكريس المصالحة قبل نحو عامين، كان اللقاء رسمياً جداً مع الرئيس الجميّل. في نهايته سأل بقرادوني صاحب الدار: متى تريد النزول إلى الصيفي؟ فأجابه: «منشوف». عندئذ مدّ الضيف يده إلى جيب سترته وأخذ منها مفتاحاً ناوله إلى الجميّل قائلاً: «على كل حال، هيدا مفتاح مكتب الشيخ بيار، خلّيه معك تيكون جاهز وقت اللّي بدك تنزل».
يومها كانت الخطوة كافية لتصير مفتاح التسوية. اليوم قد لا تكون كل المفاتيح أهلاً لذلك.