نهر البارد ـ نزيه الصديقالبدّاوي ـ عبد الكافي الصمد

النازحون يشكون تراجع الخدمات ويستعدّون لتمضية الشّتاء خارج مخيّمهم


تطوران أمنيان لافتان وبالغا الدلالة برزا يوم أمس في مخيم نهر البارد، تمثّل الأول في إحراز الجيش اللبناني تقدماً ميدانياً على الارض عند المحور الشرقي من المخيم؛ والثاني في اطلاق مسلحي حركة «فتح الاسلام» صواريخ كاتيوشا عيار 107 ملم من مواقعهم، الأمر الذي أدى الى وقوع جرحى وأضرار مادية في الأماكن التي سقطت فيها، والتي يبعد بعضها عن المخيم نحو 7 كيلومترات تقريباً.
وعلى الرغم من أن الاشتباكات التي دارت قبل ظهر أمس على محاور المخيم كلها كانت أقل عنفاً من يوم أول من أمس، فقد ازدادت عنفاً وضراوة في فترة بعد الظهر، وتمكّن خلالها الجيش من إحراز تقدم ملحوظ على طول المحور الشرقي، وبعمق وصل إلى حدود 100 متر تقريباً داخل حرم المخيم القديم.
وأحرز الجيش هذا التقدم بالتدرّج في أحياء المخيم، حيث قام بعملية قضم بطيء للمخيم، وعمل على تنظيف الأبنية من مخلفات مسلحي حركة فتح الإسلام، ودمّر الأبنية المرتفعة التي استهدفها بقصف مركّز، لمنع المسلحين من ممارسة عمليات القنص في اتجاه مواقع الجيش والمناطق المجاورة، وعمل على تضييق الخناق على المسلحين لإجبارهم على الاستسلام والرضوخ له، في ظل تقدم وحداته في اتجاه أحياء صفوري وسعسع العالي والمغاربة، وتمركزت وحداته في بعض الأبنية والمواقع الجديدة عند هذا المحور، ليضيق الخناق أكثر على المسلحين الذين تراجعوا إلى بعض الأحياء والملاجئ في وسط المخيم القديم، حيث حاصر الجيش مجموعة من هذه العناصر في احد الملاجئ في حي الصفوري، قاطعاً عنها كل الإمدادات من مختلف المحاور.
وبعد عصر أمس، دارت اشتباكات عنيفة بالأسلحة المتوسطة عند المحورين الشرقي والجنوبي، وهو ما دل على أن المعارك تدور عن قرب، وخصوصاً قرب مركز التعاونية، وحي سعسع وشارع ابو حجل، بينما شوهدت أعمدة الدخان الأسود ترتفع إثر تعرّض محطة وقود عند المحور الجنوبي الشرقي للقصف واشتعال النيران فيها.
وفي وسط هذا الاحتدام في المعارك، وبعدما بدا واضحاً أن الجيش يسير باتجاه حسم الأمور مع المسلحين خطوة خطوة، تعرّضت بلدات في منطقة عكار قبل الظهر، وفي بلدتي المنية ودير عمار أيضاً، لصواريخ من عيار 107 ملم، أطلقت من داخل المخيم، وأدّت الى سقوط جرحى وأضرار مادية، ومحدثة حالة من الهلع والخوف في اوساط المناطق المحيطة والقريبة من المخيم، خصوصاً أن هذه الصواريخ التي يصل مداها لنحو 10 كيلومترات على أبعد تقدير، تستخدم للمرة الأولى في الحرب المستمرة منذ 55 يوماً.
واستُهدف سهل عرقة وبلدة بيت حدارة وبلدة قعبرين بتسعة صواريخ، أحدها لم ينفجر، أدت إلى وقوع أضرار في مشاريع الخيم البلاستيكية الزراعية وبساتين الليمون والعنب في المنطقة. اما الصاروخان اللذان سقطا وسط بلدة دير عمار، فأديا إلى جرح خالد خضر عيد، وخديجة احمد عيد بجروح طفيفة، وأحدثا أضراراً كبيرة في المنازل المحيطة، إضافة إلى تحطيم سيارتين، كذلك سقطت قذيفة ثالثة في بلدة المنية وسط بساتين الحمضيات، محدثة أضراراً في الممتلكات.
ومساءً سقطت صواريخ في منطقة قعبرين، في سهل عكار، ما أدى الى استشهاد أحد المدنيين.
على صعيد آخر، لا تزال المفاوضات جارية من اجل إجلاء بعض من بقي داخل مخيم نهر البارد، وعلى رأسهم مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــــ القيادة العامة أبو نبيل، الذي أوضحت مصادر الجبهة لـ«الأخبار» أنه «متخوف من تعرضه لإساءة ما من الجيش، الذي أعطانا ضمانات في هذا الخصوص، وأن الأمر لن يتعدى إجراء تحقيق روتيني معه مثلما حصل مع البقية التي نزحت أخيراً».
وعلى صعيد متصل، وصل بعد ظهر أمس الى مخيم البداوي أمين سر حركة فتح في لبنان سلطان ابو العينين، وعقد على الفور اجتماعاً مع مسؤولي قيادة الحركة في الشمال في مركز فتح في المخيم، للبحث في آخر التطورات، وما يتعلق منها تحديداً بمخيم نهر البارد، على أن يعقد عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم مؤتمراً صحافياً.
وأعلنت مصادر أمنية أن 3 عسكريين استشهدوا كما توفي عسكري رابع متأثرا بجراحه، ما يرفع عدد شهداء الجيش في اليومين الماضيين الى عشرة.
وعلى صعيد النازحين إلى مخيم البداوي، تتفاعل يوماً بعد آخر الآثار الاجتماعية والمعيشية والنفسية، ويتضح تدريجياً حجم المشاكل المتأتية عن عدم قدرة هؤلاء النّازحين على ترتيب أوضاعهم بشكل لائق، ولو بحدّه الأدنى، إضافة إلى عدم قدرة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» بمفردها على تحمّل أعباء أكثر من 30 ألف نازح، أغلبهم يقيم في مخيّم البدّاوي في ظروف بائسة للغاية.
وإذا كانت الجهود الأخيرة التي بذلتها الأونروا وناشطون فلسطينيون، قد استطاعت استيعاب الأعداد الأخيرة من النازحين، فإنّ الهمّ الأكبر الذي بات يؤرق بال الجميع منذ الآن هو في كيفية مواجهة فصل الشتاء المقبل، بعدما تيقّن نازحو مخيّم نهر البارد، قبل غيرهم، أنّ العودة إلى مخيمهم ستطول، نظراً للدّمار الكبير الذي لحق به، عدا الوقت الذي ستستغرقه عملية إزالة الألغام والفخاخ التي خلّفها وراءهم مسلحو حركة «فتح الإسلام»، إضافة إلى إزالة الركام بعد انتهاء العمليات العسكرية.
وفي هذا المجال، عُقدت اجتماعات جانبية عدّة بين مسؤولي الأونروا ومسؤولي الفصائل والهيئات الفلسطينية في مخيّم البدّاوي، تناولت سبل وكيفية مواجهة الأيّام الصعبة المقبلة، خصوصاً بعدما صارح عدد من النّازحين مسؤولين في الأونروا بأنّهم سيضطرون إلى «تمضية أيّام فصل الشتاء المقبل في مخيّم البدّاوي، لأنّ منازلهم دُمّرت كلياً في المواجهات الأخيرة».
ولأنّ فصل الشتاء يوجب لمواجهته التزامات عدّة، فإنّ هيئات عديدة لفتت نظر الأونروا إلى أنّ «غالبية النازحين يفترض أن يتمّ توفير ملابس شتوية لهم، عدا مساكن بديلة من الكاراجات التي تقيم فيها عائلات عدّة، بالإضافة إلى المدارس التي يُفترض إخلاؤها قبل بداية العام الدراسي المقبل، إن كان في مدارس المخيّم، أو في المدارس الرسمية في المنية والبدّاوي التي أوت مئات النازحين، فضلاً عن الذين يبيتون في المساجد والنوادي الاجتماعية والرياضية والكشفية وغيرها».
وفي ظلّ هذه الظروف الصعبة، نزل خبر توقف المؤسسات الإنسانية والإغاثية التابعة للاتحاد الأوروبي عن العمل كالصاعقة على النازحين، على الرغم من تبرير ذلك من الأوروبيين بأنّه خطوة أولية في انتظار معرفة ما ستؤول إليه التطورات في مخيّم نهر البارد، قبل المباشرة في انطلاق خطّة عمل المرحلة المقبلة، التي لن تتضح ملامحها قبل فترة زمنية ليست قليلة.
هذه «النكسة غير المتوقعة في مجال الإغاثة، ستترك فراغاً لن يملأه أحد في الوقت القريب»، حسبما أشار إلى ذلك ناشطون وعاملون في هيئة الإغاثة الفلسطينية، الذين لفتوا إلى أنّ «مؤسسات الاتحاد الأوروبي كانت تقدّم مساعدات نوعية للنازحين، مثل حليب الأطفال، والحفاضات، والملابس، والخضر والفواكه، وكذلك خدمات الإسعافات الأولية».
في موازاة ذلك، برزت شكاوى عديدة من نازحين لـ «عدم توافر أدوية كافية للمرضى، إن كان لدى الأونروا، أو في المخيّم الطبّي القطري، وغيره، والذي تراجعت خدماته لأسباب غير مفهومة، بعدما أخذ في البداية حجماً إعلامياً أكبر من الخدمات التي يقدمها».
غير أنّ مشكلتين برزتا في مخيّم البدّاوي منذ وصول طلائع النّازحين من مخيّم نهر البارد إليه، وهما مشكلتا تأمين الكهرباء والمياه للمقيمين فيه، الذين تضاعف عددهم منذ أقل من شهرين مرتين على الأقل.
ويتضح مدى حجم المشكلتين في عدم قدرة محوّلات الكهرباء على تحمّل الضغط الكبير المتزايد عليها، وفي الانقطاع المتكرر للمياه، التي باتت الحاجة إليها في هذه الأيّام الصيفية الحارّة أكثر من ضرورية، وهو أمر دفع بعض مسؤولي الفصائل الفلسطينية إلى مراجعة وزير الطاقة والمياه بالوكالة محمّد الصفدي والنائب مصطفى علوش في الأمر منذ نحو اسبوع، إلا أنّ أيّ نتيجة ملموسة على الأرض لم تحصل بعد.