strong>يحيى دبوق
تركت النتائج الفاشلة لعدوان تموز على لبنان، وفي مقدمتها إنهاء حزب الله وظاهرته وإقامة وضع استراتيجي مغاير في المنطقة، جملة من التداعيات السلبية على العقيدة الأمنية الإسرائيلية، التي ظلت حاكمة للفعل العسكري والأمني الإسرائيلي منذ إنشاء الدولة العبرية عام 1948، واستطاعت ان تحقق لإسرائيل النصر، في معظم الحروب التي بادرت إليها، أو كانت طرفاً فيها

لا شك في أن واضعي السياسة الأمنية الإسرائيلية سيندفعون مجبرين إلى القيام بمراجعة عامة للنظرية الأمنية الإسرائيلية باتجاه تعديلها أو إعادة إنتاج نظرية جديدة، تعالج مكامن الخلل الظاهر في العدوان الأخير، الذي أدى إلى فشله، أو إلى إعادة توظيف الجهود المختلفة لإثبات قدرة النظرية على مواجهة الخلل نفسه، من خلال إسناده إلى عدم الدقة والإخفاق في تحقيق مكوناتها، سواء من قبل المؤسسة السياسية أو المؤسسة العسكريةيتبيّن من التعاطي الإسرائيلي مع فشل العدوان الأخير ومسبّباته، وجود اختلاف بيّن بين ثالوث العدوان (رئيس الحكومة إيهود أولمرت، ووزير الدفاع السابق عامير بيرتس، والرئيس السابق لأركان الجيش دان حالوتس) وبين معظم رجالات القوس الأمني والسياسي الإسرائيلي. فبينما يرى ثالوث العدوان، على وجه العناد وعدم القدرة على الاعتراف بالهزيمة، أن العدوان قد حقق أهدافاً ما رغم الابتعاد عن الأهداف التي حددت في بدايته، يجمع معظم الإسرائيليين، على نحو من التسليم، أن نتائج العدوان كانت كارثية ولن تقتصر تداعياتها السلبية على ظرف مكاني وزماني محددين، بل ستظهر سلسلة السلبيات تباعاً، وبشكل ممتد زمانياً.
ماهيتها
تقوم العقيدة الأمنية الإسرائيلية، على مجموعة من العناصر المستخلصة من البيئة الاستراتيجية والجيوسياسية للكيان الإسرائيلي لمواجهة أخطار نظرية وعملية قد تواجه الدولة العبرية، ويفترض بهذه العناصر أن تعالج ثلاثة أنواع من الأخطار والتهديدات:
  • النزاعات المنخفضة الوتيرة (حرب العصابات).

  • حروب الجيوش النظامية.

  • حرب أسلحة الدمار الشامل.

  • وتتشكل عناصر العقيدة الأمنية الإسرائيلية من مجموعة عناصر تطلق عليها تسمية «قيود أمنية» هي دائمة التأثير ومن الصعب تغييرها أو تليينها، إضافة إلى مجموعة عناصر تطلق عليها تسمية «ردود أمنية» أو حلول استراتيجية، جرت بلورتها للرد على المخاطر المتأتية من عناصر «القيود الأمنية». وتندرج في إطار المجموعة الأولى الظروف التي يفرضها صغر مساحة إسرائيل وانكشاف العمق والأهداف الحيوية فيها، إضافة إلى قلة التعداد السكاني، والموارد الاقتصادية وغيرها، بينما تندرج في إطار المجموعة الثانية الحرب الوقائية والاستباقية، ونقل المعركة إلى أرض العدو، والردع، والإنذار الاستخباري، والتفوق النوعي في مقابل التفوق الكمي، ورعاية الدولة العظمى...
    في ما يأتي، نعرض ثلاثة من أهم هذه العناصر ودورها في العدوان الأخير على لبنان.
    strong>نقل المعركة إلى أرض العدو
    يفترض بمركّب «نقل المعركة إلى أرض العدو»، كمركب من مركبات العقيدة الأمنية الإسرائيلية، أن يُمكِّن إسرائيل من إيجاد عمق استراتيجي مصطنع، يتيح لجيش الاحتلال حماية مستوطنيه ومنشآته الحيوية من التعرّض لهجمات الأعداء، أي حماية الجبهة الداخلية من أية أخطار يمكن أن تتعرّض لها خلال الحرب، إضافة إلى إيجاد حقائق ميدانية تساهم في فرض التغيير أو إملاء نتائج سياسية. ويشترط في ذلك لا مجرد نقل قوات إسرائيلية إلى أرض العدو، بل النجاح في احتلال الأرض وتدمير القوات ومنع العدو من استخدام قدراته العسكرية لضرب الداخل الإسرائيلي.
    خلال العدوان الأخير على لبنان، عمد الجيش الإسرائيلي إلى محاولة نقل المعركة إلى أرض العدو تدريجاً، نتيجة عدم إدراكه للحقائق الميدانية والبلبلة في اتخاذ القرارات، وصولاً إلى قرار الاجتياح الكامل حتى نهر الليطاني شمالاً، إلا أنه أخفق في الوصول إلى الأهداف الموضوعة للاحتلالات الموضعية أولاً، ومن ثم لمحاولة الاجتياح الكبير لاحقاً، في الأيام الأخيرة للحرب.
    وأظهر الجيش الإسرائيلي، من جهة، عجزاً عن معالجة مجموعات المقاومة التي كانت منتشرة في معظم بقاع الجنوب، والتي استمرت في توجيه ضربات متتالية إلى جنود جيش الاحتلال وآلياته، حتى في الأماكن الأكثر قرباً من السياج الحدودي وفي الأيام الأخيرة للحرب، كما حصل في قريتي مارون الراس وعيتا الشعب، حيث سجلت بطولات غير مسبوقة لقلة من المقاومين أمام الكثرة الإسرائيلية.
    وفي إطار عجز «نقل المعركة إلى أرض العدو»، بمعنى استثمار النقل واستدرار نتائج منه، يشار إلى نقطتين اثنتين:
  • عجزت القوات الإسرائيلية عن حرمان المقاومين من المناورة
  • العسكرية، التي تمكنهم من الحركة الميدانية لإطلاق الصواريخ باتجاه الداخل الإسرائيلي، إذ تواصلت عمليات إطلاقها بوتيرتها الابتدائية مع بدء العملية العسكرية الإسرائيلية، بل وبوتيرة أعلى في الأيام الاخيرة لها، إلى أن سجل سقوط أكثر من 250 صاروخاً على الداخل الإسرائيلي في اليوم الأخير للحرب.
    * لم يستطع الجيش الإسرائيلي إحكام سيطرته على الأماكن المستهدفة من الاجتياحات والتوغلات الموضعية، رغم أن رأس الحربة فيها كان قواته المختارة، كما عجز عن السيطرة على المسالك والممرات النفوذية باتجاه نهر الليطاني شمالاً في الحملة الأخيرة التي نقل خلالها كثير من قواته. وتواصلت هجمات المقاومين على الوحدات الإسرائيلية المختلفة في كل بقعة من البقع المستهدفة والمُنفِذ منها، الأمر الذي أربك الجيش الإسرائيلي ودفعه إلى معالجة إصاباته وإخلائها، بدلاً من العمل على السيطرة الكاملة على هذه المناطق. هذا الفشل منع إسرائيل من إحداث تغيير ميداني قادر على فرض إملاءات سياسية، ما اضطر أصحاب القرار في الدولة العبرية إلى تلقي العروض السياسية ومحاولة شذبها، من دون فرضها.
    الردععملت إسرائيل على امتلاك وسائل عسكرية وأمنية مضادة لتحقيق الردع، من شأن التهديد باستخدامها أو استخدامها فعلياً، أن يرى المردوع نفسه غير قادر على تحمّل نتائج تفعيلها أو أن كلفتها العالية، التي تفوق الفائدة منها، تمنعه من استخدامها. وبحسب منظري الردع الإسرائيلي، فإن وضع الردع مبني على رسم «خطوط حمراء» يكون الرد العسكري أو الامني كثيفاً إذا ما تجاوزها الأعداء. وخلال العقود الماضية، فعّلت إسرائيل الردع الجماعي والخاص، والردع في الحروب التقليدية وفي الحروب غير التقليدية، إضافة إلى الردع المصطلح عليه بالدفع أو بالانتقام.
    أريد للعدوان الأخير على لبنان ان يستعيد قدرة الردع الإسرائيلية التي واصلت انحدارها منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي عن جنوب لبنان عام 2000. وكان هدف استعادة الردع ضمن الأهداف المركزية للعدوان، التي أعلنها المجلس الوزاري الأمني المصغر المتخذ لقرار الحرب في اليوم الأول. ومنذ بداية العملية العسكرية، أكد رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت أن أحد أهدافه هو استعادة قدرة الردع الإسرائيلية، وتحطيم أسطورة انتصار حزب الله عام 2000. فما الذي تحقق؟
    يُنظر للردع على أنه تعبير عن واقع قيمي، يتحكم ويسيطر على الوعي، وغير قابل للقياس عموماً بتعابير كمية، سواء لدى الرادع أو المردوع المفترضين. وكلما تغيرت صورة الرادع المفترض أمام نفسه في مقابل تدني قيمة ردعه أمام خصمه، تدنت قدرة الردع القائمة أساساً على تضخيم القدرة، كما هو الواقع في الحالة الإسرائيلية.
    لقد تغيّرت صورة إسرائيل أمام نفسها كثيراً بعد العدوان، عدا عن تغير صورتها أمام عدوها، ولم تعد تلك القوة الأسطورية التي تُكتب لها الغلبة والاقتدار في أي حرب أو مواجهة تخوضها. وتعبيرات تدني قدرة الردع الإسرائيلية نجدها في كتابات الباحثين الأمنيين الاستراتيجيين الإسرائيليين وتعليقاتهم، وهي تشير إلى منسوب التدني الذي اعترى الردع الإسرائيلي:
    تكتب صحيفة «هآرتس» بعد أسبوعين فقط من بدء العدوان، (25/7/2006)، عن فقدان الثقة بالجيش الإسرائيلي وعن إنجازاته المحدودة ضد حزب الله. وهو تعبير يدل على مدى التغيير الذي اعترى نظرة الإسرائيليين لقدرة ردع جيشهم، والمفترض ألا يجري الحديث عنه إعلامياً في زمن الحرب، إلا إذا كان مكشوفاً وصارخاً في الوعي العام الاسرائيلي.
    وتقول «هآرتس» إن «إنجازات إسرائيل بعد أسبوعين من خروجها للقضاء على حزب الله محدودة جداً.. الدولة صاحبة الجيش الذي نجح خلال ستة أيام في دحر ثلاث دول عربية، تقف الآن في وضع مُربك ومعاكس لماضيها التليد.. من كان يُصدق أن تنظيم عصابات من بضع مئات من المقاتلين سينجح في شل نصف الدولة بعمليات قصف يومية لمئات من الصواريخ.. رويداً رويداً بدأت تتكشف معطيات ومؤشرات مقلقة، ووجدنا أمامنا جيشاً غنياً وكبيراً وغبياً، بدلاً من الجيش الصغير والذكي الذي نعرفه».
    وتعود «هآرتس» في 15/12/2006 لتتناول الفشل الإسرائيلي بصورة أكثر سوداوية. تقول «لم يعد الحديث عن نقص في الدروع الواقية، ومعركة غير ناجحة، وقائد فرقة مشكّل، وقوات احتياط غير مدربة، بل يتبيّن أنه لم تكن للجيش قيادة، أو خطة أو تصور قتالي عام. للمرة الأولى يجري الحديث علناً عن فشل. لقد انهارت صيغة حالوتس عن النصر بالنقاط».
    وتتابع الصحيفة «بعد 33 يوماً من القتال، لم يتم إحراز حسم. سقطت آلاف الصواريخ على الشمال حتى وقف إطلاق النار، ولم يبدُ أن الجيش الاسرائيلي كان قادراً على وقف إطلاق الصواريخ. إذا كان هدف الحرب هو الردع، فإن النتيجة جاءت معكوسة».
    ويكتب المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، بعد أكثر من ثمانية أشهر على العدوان (9/4/2007) ليقول إن «دولة إسرائيل فقدت هراوة الردع في الصيف الأخير. دفعت إسرائيل خلال الحرب الأخيرة في لبنان ثمناً بشرياً ومعنوياً فادحاً، والى جانبه ضعف أحد رؤوس أموالها الهامة من أجل بقائها: عامل الردع».
    أما وزير الدفاع الإسرائيلي السابق والخبير الاستراتيجي، موشيه أرينز، فيؤكد، من جهته، أن «إسرائيل، في حرب لبنان الثانية، تُمنى للمرة الأولى في تاريخها بهزيمة. ومن يشك في ما إذا كانت إسرائيل قد هُزمت، لأنه كانت لها أيضاً إنجازات، فإن النتيجة النهائية تتمثل في 250 صاروخاً أطلقت على إسرائيل في اليوم الأخير» للحرب.
    ويرى وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي إيهود باراك، الذي شغل مناصب عسكرية وسياسية هامة بينها رئاسة الحكومة ورئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، أن «حرب لبنان كانت فشلاً.. وفي إسرائيل انكسار جماهيري لا يجوز الاستخفاف بأهميته.. الفشل في الحرب الأخيرة، أدّى إلى تآكل حاد في قدرة الردع الإسرائيلية، التي بُنيت هنا في السنين الستين الأخيرة».
    جدلية الكم والنوع
    في الأصل، جهدت العقيدة الأمنية الإسرائيلية إلى احتواء عدم التكافؤ الكمي في الموارد البشرية والعسكرية بينها وبين أعدائها، من خلال إقرار عنصر رد يعمل على تحقيق تفوّق نوعي لجنودها ووسائلها القتالية. ودأب الجيش الإسرائيلي على رفع كفاءة جنوده نوعياً ومهنياً وإخضاعهم لتدريبات أشد من أي تدريب تخضع له الجيوش الأخرى. كما عمل أيضاً على امتلاك أحدث الوسائل القتالية وأكثرها تطوراً في العالم، مع تحديث متواصل لضمان استمرار تفوقه على عديد جيوش أعدائه أو الكم الهائل من الأسلحة الموجودة في حوزتها وإن كانت أقل نوعية، سواء عن طريق استيراد أحدث أنواع الاسلحة من الخارج، أو من خلال التطوير الذاتي الذي تقوم به الصناعات الأمنية الإسرائيلية.
    في الإطار المشار إليه، ينظِّر وزير المواصلات الإسرائيلي شاؤول موفاز (17/11/2003)، الذي شغل في السابق منصب وزير دفاع ورئيس هيئة أركان الجيش، للتفوق النوعي كإحدى ثوابت العقيدة الأمنية الإسرائيلية غير القابلة للتغيير. ويقول إن «علينا تأكيد التفوق النسبي في النوعية البشرية والتكنولوجية، وإعطاء أفضلية لوسائل الحسم الواضحة كالاستخبارات الاستراتيجية والتكتيكية، التي تشكل أساس ساحة المعركة المستقبلية، كما يجب تطوير العمليات اللوجستية وأجهزة السيطرة والمراقبة. علماً بأن المركّب الأكثر أهمية هو بناء الإنسان المقاتل، سواء كان في الخدمة النظامية، أو في التجنيد أو في الاحتياط».
    لم يتحقق لإسرائيل في عدوانها الأخير على لبنان تفوق نوعي وحسب، بل أضافت إليه تفوقاً عددياً ملحوظاً، سواء لجهة عديد الجيش الإسرائيلي أو لجهة الوسائل القتالية والتكنولوجية الذي تزود بها. وكان ميزان القوى مختلاً بشكل صارخ بينها وبين حزب الله، الذي لم يتجاوز عديد مقاتليه الذين خاضوا المعارك المئات، أو الآلاف على أبعد تقدير.
    زجت إسرائيل في الحرب الأخيرة أربع فرق عسكرية، ضمت 14 لواءً، من بينها أربعة ألوية نخبة (غولاني، وناحل، والمظليون وغفعاتي)، إضافة إلى ثلاثة ألوية مدرعات نظامية، وسبعة ألوية من الاحتياط بين مشاة ومدرعات. واستخدم الجيش الاسرائيلي مئات الآليات المدرعة من بينها 350 دبابة «ميركافا» بمختلف أنواعها، بينها 120 من نوع أربعة الاكثر تطوراً، علماً بأن عديد القوات النظامية والاحتياط، الذين شاركوا في الحرب، بلغ ما يقرب من أربعين ألفاً.
    وشارك في الحرب أيضاً كل أسراب سلاح الجو الإسرائيلي، بما يشمل طائرات الاستطلاع والإنذار والحرب الالكترونية، إضافة إلى الطائرات الحربية والمروحيات وطائرات النقل، علماً بأن عديد القوات الجوية الإسرائيلية المشاركة، بلغ مع الاحتياط، أكثر من ثلاثين ألفاً.
    لجهة سلاح البحر الإسرائيلي، شاركت كل القطع البحرية الإسرائيلية، رغم أنها تراجعت كثيراً عن الشاطئ اللبناني بعد تلقي بارجة «ساعر 5»، درة سلاح البحرية الإسرائيلي، ضربة صاروخية قاتلة قبالة شواطئ بيروت. وبلغ عديد القوة البحرية المشاركة 11 ألف جندي.
    الأرقام المشار إليها تنطق من دون تعليق أو شروح، فإذا كان التفوق النوعي، مضموماً إليه التفوق العددي، لم يحقق لحرب إسرائيل أهدافها، فكيف كانت النتائج ستكون لو اكتفت الدولة العبرية بالتفوق النوعي من دون التفوق العددي، الذي تلحظه العقيدة الامنية الاسرائيلية كمكوّن أساسي من مكوّناتها.

    الحسم في ساحة الحرب
    شاؤول موفاز*

    تتلخّص الأهداف التي ينبغي للجيش الإسرائيلي تحقيقها بالدفاع عن دولة إسرائيل، وإعداد قوة نوعية قادرة على الردع (أي امتلاك القدرة على الردع، وإلا فالجهوزية للدفاع)، والقدرة على الحسم.
    علينا أن نتذكر أن الحسم في ساحة الحرب مركّب من تراكم انتصارات في الجو والبر والبحر. وعلينا أن نتذكر أيضاً قضية الوعي، أي قوة الإرادة.
    أما بخصوص العمليات التي تؤدي إلى الحسم فهي: أولاً، التفوق الجوي. ثانياً، احتلال الأرض. ثالثاًَ، إلغاء أي إنجاز للعدو على أرضنا. رابعاً، الاستقرار في خطوط النهاية التي حُدِّدت أهدافاً للحرب. خامساً، الإنهاء السريع للحرب.
    أما القدرات والمسارات المطلوبة على المستوى الاستراتيجي للوصول إلى هذا الحسم، فهي: بناء وتفعيل نوعي لسلاح الجو، الأسلحة البرية والتشديد على القوة النارية. ويتطلّب ذلك تحقيق تفوّق استخباري.
    وهنا أطرح سؤالاً عن الضربة الوقائية، وأقول: ضرب الطرف الآخر وشل قسم كبير من قدرته قبل أن يحدث احتكاك بين الطرفين، له أهمية كبرى.
    وفي عصر صواريخ أرض ـــــ أرض، عندما نتحدث عن دوائر العمق، فإنّ الحدود الفاصلة بين الجبهة المدنية والعسكرية هي حدود غير واضحة. وعندما نتحدث عن مواجهة، لا نقصد فقط مواجهة بين دول ذات حدود مشتركة، بل أيضاً مع دول من الدائرة الثانية والثالثة.
    ويشكل الحسم السريع الحجر الأساس لعمل الجيش الإسرائيلي، للأسباب التالية: الحاجة بالعودة سريعاً إلى الحياة الروتينية في الدولة. الثمن الذي ندفعه كلما طالت المعركة. الحرب التي تنتهي سريعاً لها تأثير حاسم، مثل حرب الأيام الستة.
    علينا أن نغير الرؤية الأحادية التي تقول إن الهجوم بالنار يعني حرباً بطيئة وأكيدة، بينما المناورة تعني حرباً سريعة وكثيرة الإصابات. في النهاية، هناك علاقة بين نوعين من القتال، وعملية الحسم هي دمج وتوازن بينها، بين عنصر النار وعنصر المناورة. ومن هنا تنبع أهمية عامل الوقت...
    خلاصة الموضوع أن الحسم والانتصار هما الحجران الأساس في النظرية الأمنية الإسرائيلية. هل نستطيع أن نسمح لأنفسنا بالهزيمة؟ الجواب هو لا. لكي ننتصر، يجب على الجيش الإسرائيلي إعداد نفسه.
    * وزير الدفاع ورئيس الأركان الأسبق