strong>عمر نشابة
التقرير الثامن للجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري أفاد بأن شاحنة الميتسوبيشي التي استخدمت في الجريمة كانت قد نقلت من اليابان إلى الإمارات ثمّ الى طرابلس، بينما كانت تقارير اللجنة برئاسة ديتليف ميليس قد ذكرت أن الميتسوبيشي مرّت بسوريا. فما هي حقيقة الروايتين المتناقضتين؟

في 3 آذار 2005 خلال فترة تولّي القاضي ميشال أبو عراج مهماته قاضياً للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تسلم القضاء اللبناني تقارير من شركة ميتسوبيشي اليابانية، و«كاتالوغاً» صادراً عن الشركة خاصاً بشاحنات «بيك آب»، وكان القاضي أبو عرّاج قد طلب تزويده بها بعد أن تسلّم من المحققين الذين يشرف عليهم قائمة بالقطع والأجزاء التي تم العثور عليها في مكان الانفجار. كذلك ذكر تقرير الأدلة الجنائية السويسري الذي وضعه محققون سويسريون بناء على طلب لبنان: «في ما يتعلق بالقول بأن العبوة الناسفة يحتمل أن تكون قد وضعت في سيارة، لا بد من أن تكون السيارة من الحجم الكبير». وفي ايلول 2005 أجرى فريق من الخبراء الهولنديين والبريطانيين واليابانيين تحريات شملت موقع الجريمة والمناطق المحاذية له، بما في ذلك قاع البحر المجاور لمكان الانفجار، وتمّ جمع عدد كبير من العينات التي أشارت الى أن الميتسوبيشي كانت مفخّخة بجهاز تفجير ارتجالي (Improvised Explosive Device) وهي من طراز «كانتر» بيضاء اللون. كذلك تمّ التعرّف إلى الشاحنة من خلال تسجيلات كاميرا كانت مخصّصة لحماية مصرف بريطاني (HSBC) يقع قرب مكان الجريمة، وبيّن التسجيل أن الميتسوبيشي كانت تتنقل بسرعة أبطأ ستة اضعاف سرعة جميع المركبات الأخرى لحظات قبل وصول موكب الحريري الى المكان.
وبدأت رحلة البحث عن كيفية وصول شاحنة الميتسوبيشي المشتبه في تسبب حمولتها بالانفجار الذي أودى بحياة الرئيس الحريري و22 آخرين الى عين المريسة في 14 شباط 2005 بهدف تحديد الجهة التي فخّختها.
رواية ميليس
اعتمدت لجنة التحقيق برئاسة ديتليف ميليس على رواية أحد الشهود والمشتبه في تورطهم بالجريمة وهو محمد زهير الصديق، إذ نصّ التقرير الأول: «زار الشاهد عدة قواعد عسكرية سورية في لبنان. وفي إحدى هذه القواعد، في حمانا، شاهد شاحنة ميتسوبيشي صغيرة بيضاء، مغطاة بقماش مشمع أبيض سميك. ووقعت هذه المشاهدات ايام 11 و12 و13 شباط/ فبراير 2005. وغادرت شاحنة الميتسوبيشي القاعدة العسكرية في حمانا صباح يوم 14 شباط/ فبراير 2005. وكانت شاحنة الميتسوبيشي كانتر، التي استخدمت لنقل المتفجرات، قد دخلت لبنان من الجمهورية العربية السورية، عبر حدود البقاع، واستخدمت طريقاً عسكرياً سريعاً، يوم 21 كانون الثاني/ يناير 2005، الساعة 13:20. وكان يقودها عقيد سوري من الفرقة العاشرة بالجيش.» (الفقرة 98). ومع أن التقرير لم يذكر كيفية جمع الصديق لهذه المعلومات، ذكرت الفقرة 108 من التقرير نفسه أن «السائق الذي أُسندت اليه قيادتها في نهاية الامر، كان عراقياً تم إقناعه بأن الهدف هو رئيس الوزراء العراقي اياد علاوي (الذي صدف وجوده في بيروت قبيل الاغتيال)». ولم يتوقّف التقرير عند هذا الحدّ بل تحدّث أيضاً عن «رحلة قام بها الصديق، مع عبد الكريم عباس، الى معسكر في الزبداني. وزعم الصدّيق أنه رأى شاحنة ميتسوبيشي كانتر في هذا المعسكر: كان الميكانيكيون يصلحون السيارة ويفرغون جوانبها. وجرى توسيع جوانب مسطح ظهر الشاحنة، وأبوابها، وحشيت بالمواد المتفجرة، التي وضعت أيضاً تحت مقعد السائق. ورأى في المعسكر أيضاً شاباً أمكنه التعرف إليه على أنه ابو عدس بعد مشاهدة شريط الفيديو الذي عرضه التلفزيون يوم 14 شباط 2005.» (الفقرة 110).
ومن خلال جزء من المحرك وجد في مسرح الجريمة، استنتج المحققون أن المحرك يعود لميتسوبيشي مسروقة في 12 تشرين الاول/ اكتوبر 2004 في مدينة ساغا ميهارا، اليابان. (الفقرة 134).
أما التقرير الثاني للجنة التحقيق برئاسة ميليس، فذكر أنه «ليس لدى قوى الأمن الداخلي سجلات لأي شاحنة في لبنان لها رقم الشاسيه أو رقم المحرك اللذين تم تعرفهما من أجزاء الشاحنة التي تم جمعها.» (الفقرة 41).
تحقيقات براميرتس
بعد تسلّم سيرج براميرتس رئاسة لجنة التحقيق الدولية لم يؤكد أي من تقارير اللجنة الستة التي تبعت التقريرين الاولين اية معلومات تفيد بأن شاحنة الميتسوبيشي كانت في حمانا أو في «معسكر الزبداني»، بل على العكس تمّ التشكيك بتلك المعلومات، فذكر التقرير الثالث أنه «يقتضي مواصلة التحقيق في ادعاء مؤدّاه أن شاحنة ميتسوبيشي شوهدت في مخيم في الزبداني بالجمهورية العربية السورية قبل حدوث الانفجار. يقتضي الأمر مواصلة التثبت من صحة هذا الادعاء الذي يظل خطاً قائماً في سياق تقويم شهادة الشخص الذي قدم المعلومات» (الفقرة 29). (واللافت هنا استخدام مصطلح «مخيم» بدل «معسكر» في النسخة العربية الرسمية للتقرير).
كذلك ذكر التقرير أن اللجنة «حصلت على قدر كبير من التعاون من السلطات اليابانية وسلطات الإمارات العربية المتحدة في ما يتصل بالتحقيق في سرقة شاحنة من طراز «ميتسوبيشي كانتر» عثر على أجزاء من محركها في مسرح جريمة اغتيال الحريري.» (الفقرة 100).
أما التقرير الرابع للّجنة فذكر أنه من المحتمل أن «يكون فريق واحد فقط هو الذي فكَّر في قتل رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، وتولّى عملية الاستطلاع الأولية والإشراف، وأعدّ شريط الفيديو الذي تدّعى فيه المسؤولية، وحصل على المتفجرات وعلى شاحنة الميتسوبيشي، وقام بتجهيزها، واستخدم شخصاً كآلية لإطلاق التفجير، وتولّى تنفيذ العملية.» (الفقرة 40). وفي هذا السياق، واصلت اللجنة التحقق من «الكيانات التي تملك الوسائل والقدرات للقيام بهجوم بهذا التعقيد وبالطريقة التي نُفّذ بها، ومن أين جاءت المتفجرات، ومن هم الذين كانت لديهم المعرفة والقدرة على صنع الجهاز المتفجر، ومتى وأين تم ذلك، ومن الذي قام بصنعه فعلاً وكيف تم إيصال المركبة إلى موقع الجريمة.» (الفقرة 44)، الأمر الذي يشير الى تشكيك واضح بالمعلومات التي كان قد ذكرها ميليس في التقريرين الأولين.
أما التقرير الثامن والأخير للّجنة برئاسة براميرتس والذي صدر الاسبوع الماضي، فذكر أنه «خلال فترة التحقيق الماضية، تحقق تقدم بمسار التحقيق المتعلق بسيارة الميتسوبيشي التي، على الأرجح، استخدمت لنقل المتفجرات. تمكّنت اللجنة من التوصل إلى تحديد مرضٍ لمصدر السيارة وتاريخها. ووفقاً لتحقيقات اللجنة والسلطات اللبنانية، خرجت الشاحنة من مصنع للميتسوبيشي في اليابان في شباط 2002، وجرى الإبلاغ عن سرقتها في مدينة كاناغاوا في تشرين الأول 2004. شحنت الشاحنة بعد ذلك إلى الإمارات العربية المتحدة ونقلت إلى صالة عرض في لبنان، قريباً من طرابلس في شماله، في كانون الأول 2004، حيث بيعت. حصلت اللجنة أخيراً على معلومات متعلقة ببيع الشاحنة لأفراد من الممكن أن يكونوا متورطين في الإعداد النهائي للشاحنة تمهيداً للهجوم على رفيق الحريري. تتم متابعة خط التحقيق هذا كأولوية.» (ترجمة غير رسمية للفقرة 24).
أسئلة لا بدّ منها
ولا بدّ للجنة التحقيق من أن تجيب عن بعض الأسئلة المتعلّقة برحلة الميتسوبيشي الى لبنان: من سهّل عملية نقل سيارة مسروقة من اليابان، عبر الامارات العربية المتحدة الى لبنان؟ وهل هناك مافيا دولية ضالعة في هذه العملية؟ وهل قامت اللجنة بالتدقيق في احتمال مشاركة فيكتور بوت المطلوب الى الانتربول في عملية نقل الشاحنة المسروقة؟ فمركز عمل بوت، بحسب تقارير الانتربول، هو امارة الشارقة وهو المكان نفسه الذي قيل إن الميتسوبيشي نقلت اليه قبل وصولها الى لبنان. ويُذكر أن بوت لديه شركات شحن وهو متخصّص بتهريب السلاح والمتفجرات دولياً.