وفاء عواد
قانصو يطالب «أصحاب مطابخ الدسّ والكذب» بالاعتذار العلني عن اتهاماتهم للقوميين

قريباً من محلّة الرملة البيضاء حيث واجه مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي قرار إعدامه، وقريباً من مدافن مار الياس ـــــ بطّينا حيث يرقد، اختار السوريون القوميون قصر الأونيسكو ليحيوا ذكرى رحيل أنطون سعاده.
ففي الشكل، أرادوا أن يكون احتفالهم في قلب عاصمة المقاومة بيروت، حيث انطلقت مكبّرات العدو يوماً «لا تطلقوا النار إننا راحلون».
وفي التوقيت، كان لا بدّ من قرار مسبق اتخذته قيادة الحزب وقضى بتأجيل الاحتفال سبعة أيام ليتزامن مع الاحتفالات بانتصار المقاومة على العدو الإسرائيلي، في تموز 2006.
أما في المضمون، فقد حرص خطباء المعارضة على توجيه الرسائل في اتجاه «الأكثرية»، بدءاً من التأكيد على جهوزية المقاومة في وجه أي عدوان قادم، مروراً بالإشارة إلى الحسم في الدفاع عن الميثاق والدستور والقانون، وخصوصاً في موقع رئاسة الجمهورية الذي «لا يقبل الخصخصة»، وصولاً إلى الوعد بأن المعارضة «أمّ الصبي» لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أية مغامرات جديدة.
وكان الاحتفال قد شهد حضوراً كثيفاً، وتقدّمه الوزير السابق وديع الخازن ممثلاً رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، النائب علي حسن خليل ممثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، الرئيس سليم الحص، رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد ممثلاً «حزب الله»، النواب: أمين شري، أسعد حردان ومروان فارس، عدد من الوزراء والنواب السابقين، رئيس المجلس اللبناني ـــــ السوري الأعلى نصري خوري، نقيب الصحافة محمد البعلبكي، ممثلون عن الأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية، شخصيات سياسية وعسكرية واجتماعية وثقافية، إضافة إلى أعضاء القيادة الحزبية والقوميين والمواطنين الذين توافدوا من المناطق.
وبعد كلمة تعريفية ألقتها رندة بعقليني عدّدت فيها مزايا صاحب الذكرى، ألقى الوزير السابق ميشال سماحة كلمة أشار فيها إلى أن لبنان «يترنّح على أيدي مشروع مكشوف في ارتهانه لأجندات الآخرين، بعدما اختار بعض بهلوانيّي السياسة اقتناص وهم فرصة ظنوا أنها لاحت للبقاء في كراسيهم من أجل استكمال نهب وتشتيت ثروات لبنان البشرية والمادية»، مؤكداً أن هذا المشروع «لن ينجح في ليّ عنق لبنان أو ثني إرادته».
وباسم حركة «أمل»، تحدث النائب خليل عن سعادة «الزعيم الذي رسم صورة مقاومتنا قبل الاحتلال الأول لفلسطين، وكتب سيرة حياتنا كما يجب أن تكون، قبل أن يعي مخاطرها كثيرون من أبناء جيله، وحذّرنا من أن المعركة مع عدونا هي صراع وجود لا صراع حدود».
ومن وحي انتصار تموز 2006، حيّا خليل الشهداء الذين أثبتوا أن «قوة الحق تنتصر على منطق القوة المغتصبة»، وبإرادتهم التي «أوصلت العدو إلى مرحلة البحث في دوائر قراره عن جدوى بقاء كيانه»، مؤكّداً أن «كل السياسات المرتبكة والمحكومة بما تقرّره سياسة الخارج لن تجعلنا نتخلّى عن خيارنا بأن المقاومة كانت وستبقى عنصر القوة الذي يجب أن نحافظ عليه لاستكمال التحرير وردع العدوان»، بما يؤسّس لـ«قيامة لبنان، على قاعدة بناء الدولة القائمة على مرتكزات الوفاق الوطني والشراكة الحقيقية».
وللذين «يراهنون على تمرير الوقت»، قال: «إن لعبة الوقت يمكن أن تغتال الفرصة الحقيقية، والتي نأمل أن يشكل لقاء باريس باب الوصول إليها كحوار يؤمّن قاعدة ونافذة لاستعادة المسار السياسي والدستوري الصحيح، إذا ما قدّمت مصلحة الوطن واستقراره على الإيقاع الذي يريده الأميركي منسجماً مع مصالحه في المنطقة»، مضيفاً: «سنكون حاسمين في الدفاع عن الميثاق والدستور والقانون، ولن نسمح بالانقلاب عليه، وخصوصاً في استحقاق رئاسة الجمهورية».
وباسم «الوعد الصادق»، وعلى وقع الهتافات العفوية التي تردّدت في قاعة الاحتفال وخارجها «يا جبل ما يهزّك ريح»، استحضر رعد شخصية سعادة ومواقفه وتراثه كـ«رائد كبير من روّاد النهضة والنضال القومي من أجل تحرير أرض وأمة»، لافتاً إلى أن "التحرّر دون تحرير لا يكتمل»، وأن «التحرير دون تحرّر يبقى عرضة للضياع»، إذ إن «التحرّر ليس مجرد انتصار ننجزه ضد العدو وآلته العسكرية، بل هو إحساس إنساني ذاتي واجتماعي عام بالقدرة الدائمة على اتخاذ القرارات، وتنفيذ السياسات التي ترعى مصالح الوطن والأمة، دون تدخلات القوى الأجنبية ومحاولاتها لفرض الوصاية وإملاء الشروط»، مشيراً إلى أن «إرادة المقاومين أقوى وأفعل من كل طائرات الصهاينة ودباباتهم»، وإلى أن «خيار المقاومة هو الخيار الاستراتيجي الأمثل لمواجهة عدوان جيش نظامي أوهم العرب لعقود أنه متفوّق ولا يهزم»، حتى «ولو تواطأ المتواطئون وسخّروا كل أدواتهم التحريضية ووسائل إعلامهم لتثبيط عزائم الناس وأبنائهم المقاومين»، مؤكّداً أن «وطننا لا يستباح، وأرضنا لا تحتلّ، وشعبنا لا يذلّ، وأسرانا لن يبقوا في السجون، وحقنا لا يضيع».
وإذ نبّه إلى «خطورة التداعيات الخطيرة المحتملة جراء إقدام فريق السلطة على المغامرة في مقاربة الاستحقاق الرئاسي، خلافاً للدستور وتجاوزاً لمبادئ العيش المشترك»، أكد رعد أن «موقع رئاسة الجمهورية ليس موقعاً قابلاً للخصخصة، وانتخاب الرئيس له نصاب دستوري محدّد في النص والعرف ولا مجال فيه للاجتهاد على الإطلاق»، مجدّداً الدعوة إلى «الشراكة الوطنية الحقيقية».
بدوره، رأى الرئيس الحص أن مشروع سعادة الداعي إلى الوحدة الإقليمية «يواجه اليوم بمشروع تجزئة للمنطقة، تحت هيمنة الولايات المتحدة، ومعها إسرائيل»، مشيراً إلى أن مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد هو «مشروع تفتيت لشعوب المنطقة، طائفياً ومذهبياً وإثنياً».
وإذ رأى أن مشروع سعادة كان «تحدياً مباشراً لمخطّط سايكس ـــــ بيكو ومشروعه»، وهو «يجب أن يكون، اليوم، الردّ على المشروع التفتيتي الأميركي ـــــ الإسرائيلي المسمّى شرق أوسط كبيراً أو جديداً، والمعطّل لنهج جهنمي يرافق هذا المشروع وهو نهج الفوضى البناءة أو الخلاقة»، ختم الحص كلمته بالإشارة الى أن الإدارة الأميركية «فشلت في كل مشاريعها في الشرق الأوسط. ولكنها، للأسف الشديد، نجحت في تحقيق الفوضى التي سمّتها خلّاقة في أكثر من قطر عربي»، محذّراً من أن «هذه الفوضى، إن عمّت، لن تجد لها حدوداً تقف عندها».
كلمة الختام كانت لرئيس الحزب علي قانصو الذي، بعد أن تحدث عن مسيرة سعادة واستشهاده، شنّ حملة مركّزة على الحكومة استهلّها بالقول: «ما أشبه اليوم بالأمس، وما أشبه قتلة الوطن، اليوم، بقتلة أنطون سعادة، فأيّ فرق بين من اغتالوا أنطون سعادة ومن يحاولون اغتيال لبنان؟ ما الفرق بينهم وبين من يحاولون اغتيال فلسطين واغتيال العراق؟ هم واحد، وإن اختلفت أسماؤهم وألوانهم. هم واحد، وإن اختلفت مرجعياتهم الإقليمية والدولية».
ورأى أن «المشكلة مع فريق 14 شباط ليست في أننا مختلفون معه على حكومة أو على مواقع إدارية، بل لأننا مختلفون معه على الخيارات الوطنية»، متسائلاً: «أي عروبة بقيت مع تدويلكم كل شيء في لبنان: سياسته، أمنه، قضاؤه، اقتصاده؟ وماذا بقي من سيادة البلد في عهدكم الميمون وقد انكشفت ساحاته لأجهزة المخابرات الأجنبية، ولفرق القتل التي تدفع بالأوضاع إلى الفتن والحروب الداخلية؟».
وفي هذا السياق، تطرّق قانصو إلى ذكر مصير شبكة محمود رافع، متسائلاً: «لماذا لم تتقدم الحكومة بشكوى إلى مجلس الأمن ضد إسرائيل التي نظمت هذه الشبكة؟»، وإلى «عصابة فتح الإسلام»، مطالباً بـ«تحقيق جدي يجيب عن أسئلة الناس حولها».
ومعرباً عن سروره بتوصّل الأجهزة الأمنية الى اكتشاف مرتكبي جريمتي عين علق واغتيال الوزير بيار الجميل، طالب «أصحاب مطابخ الدسّ والكذب»، الذين اتهموا «القومي» بهاتين الجريمتين، بـ«أن يعتذروا، وأمام الرأي العام، من الحزب على ما دبّجته ألسنتهم وأقلامهم، هذا إذا كان لديهم ذرّة من نخوة وكرامة».
وإذ أكد أن ما بين لبنان والشام «وحدة حياة ووحدة مصالح ووحدة مصير»، دعا قانصو رئيس الحكومة الى «أن يبادر إلى حوار معها لمعالجة كل الملفات، وإزالة كل الشوائب وإعادة الدفء إلى العلاقة بين البلدين»، وهو الذي «زار كل عواصم العالم واستثقل زيارة الشام، وهي الأقرب والأحرص والأنفع والأبقى من واشنطن وباريس ولندن».
وحمّل الفريق الحاكم مسؤولية «الاهتراء العام»، فـ«هو الذي عطّل المبادرات، وأدار البلاد بعقلية التسلّط والاستئثار، وهو انقلب على مسلمات الوفاق الوطني، بدعم من الإدارة الأميركية وبطلب منها ودائماً وفق خطة الطريق التي رسمها القرار 1559»، محذّراً إياه من «استكمال انقلابه بانتخاب رئيس للجمهورية من بين أركانه»، ومن «السير بانتخاب رئيس من خارج الأصول الدستورية»، مضيفاً: «إياكم واللعب بالدستور لأنه لعب بالنار، وإياكم وهزّ السلم الأهلي وتخريب الاستقرار العام، إياكم وتقويض مشروع الدولة، فالمعارضة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مغامراتكم ومقامراتكم، فهي أم الصبي، وستعرف كيف تحميه».