طرابلس ـ عبد الكافي الصمد نهر البارد ـ نزيه الصديق

ملف البارد أضحى «لبنانياً بامتياز» وسط انقسام فلسطيني وتبادل اتهامات

حقّق الجيش اللبناني إنجازات ميدانية لافتة وهامّة على أرض المعركة في مخيم نهر البارد في اليومي الماضيين. ما يشير إلى أن خطوة التضييق التي اتّبعها الجيش أخيراً ضد مسلحي الحركة أثمرت اقتراباً من لحظة الحسم النهائي معهم، بعدما تقدّم الجيش على أكثر من محور، وحصرهم في بقعة ضيقة داخل حدود المخيم القديم، في ظل استمرارهم بإطلاق صواريخ الـ107 باتجاه أكثر من منطقة مجاورة للمخيم.
فعلى المحور الشرقي، وتحديداً عند حي صفوري، اختفت نهائياً في فترة ما بعد ظهر أمس الأعمال العسكرية فيه، ما يرجّح احتمال سقوطه في يد الجيش، فيما لا يزال الجزء الشمالي من الحي يشهد معارك واشتباكات عنيفة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
وقال مصدر عسكري لـ«الأخبار» إن «الجيش يواصل العمل في نهر البارد ويضيّق الخناق على المسلحين لإرغامهم على الاستسلام»، لافتاً إلى استشهاد جنديين في المواجهات. وأوضح المصدر أن «انهيار مبنى عند الجزء الشمالي من الحي أول من أمس، تسبّب بإعاقة تقدّم الجيش حسب الخطة الموضوعة لذلك، إضافةً الى ما تبعه من انهيار مبنى آخر بعد ظهر أمس، الأمر الذي أعاق مجدداً تقدّم الجيش، عدا عن الانشغال بسحب الجرحى والشهداء الذين سقطوا بفعل انهيار المبنيين».
ونعت قيادة الجيش ـــ مديرية التوجيه الرقيب الشهيد بسام محمد عيشة من بلدة مشمش ـــــ عكار، الذي استشهد أثناء قيامه بواجبه العسكري في مهمة الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الشمال. من جهة ثانية، شيعت قيادة الجيش أربعة عسكريين هم: المعاون الشهيد وليد محمود الحاج من عكار العتيقة، الرقيب الشهيد محمد أحمد الحجيري من عرسال ـــــ بعلبك، الرقيب الشهيد محمد دياب دره من يونين ـــــ بعلبك والعريف الشهيد طلال قاسم الحاف من الحلوسية ـــــ قضاء صور، حيث احتضنهم أهالي بلداتهم وقراهم ورفاق السلاح بمواكب شعبية حاشدة، ثم أقيمت الصلاة على جثامينهم الطاهرة. وألقى ممثل العماد قائد الجيش، خلال كل تشييع، كلمة نوّه فيها بشجاعة الشهداء وتضحياتهم الكبيرة في سبيل الجيش والوطن.
وكانت فرقة من الدفاع المدني مكوّنة من العنصرين سمير عود وإدوار عبده، بالتعاون مع الجيش اللبناني، قد عملت على سحب جرحى الجيش وجثث شهدائه من تحت المبنيين المنهارين، في ظل ظروف صعبة للغاية، ووسط احتدام المعارك.
وأفاد المصدر العسكري أنه «سُجّل تقدّم للجيش عند المحور الشمالي لجهة التعاونية باتجاه الشارع الرئيسي داخل المخيم القديم، فيما تجاوزت فرقة من عناصر الجيش جسر نهر البارد عند المدخل الجنوبي من المخيم، متقدمةً باتجاه الشارع الرئيسي، ورُفع العلم اللبناني فوق مبنى الصاعقة بعد سيطرة الجيش عليه، إضافةً الى إقامة نقطة ثابتة للجيش في المنطقة الواقعة بين الجسر ومبنى الصاعقة».
في موازاة ذلك، سجل الجيش تقدماً مماثلاً عند المحور الغربي مسافة تزيد على مئة متر بعيداً عن شاطئ البحر، ما يعني توغّله داخل حي سعسع، وبالتالي تضييق الخناق أكثر على مسلحي الحركة الذين باتوا محصورين في بقعة لا تزيد على 400 متر طولاً وعرضاً.
وإزاء هذا التقدم اللافت للجيش، أوضح المصدر العسكري أن الجيش «يخطّط لإنهاء المعركة في غضون 48 ساعة تقريباً، بعد وضع يده على كل حي صفوري، وخصوصاً عند الجزء الشمالي منه، ما يجعله بالتالي يطل على الشارع الرئيسي العام وسط المخيم القديم بأكمله، ومسيطراً عليه بالنار، فينحصر المسلحون في بقعة ضيقة أخرى داخل حي سعسع».
على صعيد متصل، تعثرت يوم أمس ثلاث مرات محاولة إخراج مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــــ القيادة العامة أبو نبيل، بعدما تسبّب القصف العنيف بتعذّر وصول سيارة الهلال الأحمر الفلسطيني الى مكان وجوده، بعد «إنجاز الترتيبات التي تم التفاهم عليها بين الجيش اللبناني ومسؤولي الجبهة»، حسب ما أفاد مسؤولها في الشمال لـ«الأخبار» أبو عدنان.
وكان مسلحو الحركة قد استمروا لليوم الثالث على التوالي في إطلاق صواريخ من عيار 107 ملم باتجاه المناطق المجاورة للمخيم، فأطلقوا 11 صاروخاً في فترة ما قبل ظهر أمس باتجاه منطقة عكار، سقطت في بلدات تل حياة، وتل سبعل، وقعبرين، إضافةً الى سقوط صاروخين في بلدة الروضة في الجزء الساحلي من منطقة الضنية، في تطور لفت الأنظار، لكونه الأول من نوعه الذي تُستهدف فيه المنطقة، عدا عن أن البلدة تبعد عن المخيم ما لا يقل عن 11 كلم.
وفي هذا الجانب، استنكرت قيادة المقاومة واللجان الشعبية الفلسطينية في الشمال «عمليات القصف التي تلحق الضرر بأهالي تلك القرى، والتي تستهدف الإساءة إلى العلاقة الأخوية الفلسطينية ـــــ اللبنانية»، بينما أوضح عضو رابطة علماء فلسطين الشيخ محمد الحاج لـ«الأخبار» أنه تمكّن من إجراء اتصال مع المسؤول الإعلامي في تنظيم فتح الإسلام شاهين شاهين، وأبلغه أن «إطلاق الصواريخ باتجاه المناطق اللبنانية المتاخمة للمخيم يضر بالعلاقات المستقبلية بين الفلسطينيين واللبنانيين»، وأن الأخير «لم يعلّق على الأمر».
وعلى صعيد الحراك الفلسطيني المرتبط بحل أزمة نهر البارد، استمر الخلاف السّياسي الذي دبّ بين الفرقاء الفلسطينيين على الساحة اللبنانية على سبل وآليات معالجة مسألة مسلحي تنظيم «فتح الإسلام» متصاعداً ووصل إلى حدّ تبادل الاتهامات على نطاق واسع.
وإذا كان الخلاف الفلسطيني المأزوم في قطاع غزّة، قد دار بين حركتي «فتح» و«حماس» حصراً، فإنّه اتسع في لبنان ليشمل فصائل منظمة التحرير الفلسطينة كافة من جهة، ومن ضمنها حركة «فتح»، في مواجهة سياسية حادة مع فصائل قوى التحالف الفلسطيني، التي تضمّ حركة «حماس» إلى جانب قوى أخرى، من دون إغفال أنّ هذا الانقسام الفلسطيني امتدت تداعياته إلى الداخل اللبناني، بعدما باتت فصائل منظمة التحرير تلتصق تماماً بقوى السلطة، فيما توثّقت العلاقة أكثر بين قوى التحالف الفلسطيني والمعارضة، الأمر الذي دفع مصدر فلسطيني مطّلع إلى الإشارة لـ«الأخبار» إلى أنّ «القرار في مخيّم نهر البارد أصبح لبنانياً أولاً وفلسطينيا ثانياً، وأنّ ملف المخيّم قد أصبح لبنانياً بامتياز، وتحوّل إلى نقطة تجاذب وانقسام حادة بين اللبنانيين، لا يوحّدها في الشكل سوى الدعم المعلن للجيش اللبناني».
في وسط هذا الضجيج السّياسي الذي يدور على وقع دويّ القذائف في مخيّم نهر البارد، أكّد تحالف القوى الفلسطينية «ضرورة حلّ أزمة المخيّم سياسياً، وأن يكون هذا الحلّ مشتركاً لبنانياً ـــــ فلسطينياً، بما يحفظ سيادة لبنان وأمنه واستقراره، وينهي ظاهرة «فتح الإسلام» بشكل نهائي، ويثبّت المخيّم بإعماره وعودة النّازحين اليه، ويمنع استخدامه للإساءة إلى السلم الأهلي في لبنان»، معتبراً أنّ «تشكيل قوة أمنية فلسطينية مشتركة ينبغي أن يكون جزءاً من حلّ شامل ينهي أزمة مخيّم نهر البارد، مع تأكيد ضرورة الاتفاق على دورها ومهماتها ومرجعيتها السياسية، وتوضيح علاقتها مع الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية».
غير أنّ الكلام الأكثر صراحة ووضوحاً وتعبيراً عن عمق الأزمة الداخلية الفلسطينية، كان ما أشار إليه أمين سرّ حركة «فتح» في لبنان سلطان أبو العينين أول من أمس، بعد زيارة قام بها إلى مخيّم البدّاوي واجتماعه مع مسؤولي الحركة وفصائل منظمة التحرير في الشمال، عندما حمّل مسؤولية الفشل في التوصّل إلى حلّ سياسي، لبعض قوى التحالف التي «أصرّت وأعلنت أنّها ترفض أن تكون لأي قوّة عسكرية تدخل إلى المخيّم أيّ صفة أمنية أو عسكرية، وكانت مقيدة سياسياً لأسباب لا نعرفها، ورفضت بنفسها أن يكون لها أيّ دور أو مشاركة عسكرية أو أمنية»، متهماً إيّاها بأنّها «عرقلت عن عمد مشاركة أو قيام أيّ دور فلسطيني لاجتثاث ظاهرة «فتح الإسلام»، وأصرّت على حصرية الدور السياسي لهذه القوّة، الأمر الذي لم يقبل به الجيش اللبناني».