النبطية ــ كارولين صباح
بعد سنة من حرب تموز، أُعيد الى حدّ كبير بناء البنى التحتية وتدفقت المساعدات إلى لبنان، إلّا أن تأهيل ضحايا القنابل العنقودية يحتاج إلى الكثير من الجهد.
حصدت القنابل العنقودية والذخائر غير المنفجرة التي خلّفها العدوان الأخير على لبنان عشرات القتلى ومئات الجرحى، ولا يزال خطرها متربصاً بالمواطنين نظراً لكثافة وجودها، علماً بأن استعمال هذا النوع من الذخائر على نحو يهدّد سلامة المدنيين محظور دولياً. وقد خلّف القصف الإسرائيلي حوالى مليون قنبلة عنقودية أو أكثر غير منفجرة. وتمّ حتى الآن تفكيك 122 ألفاً منها، ولا تزال تجري حالياً عملية تنظيف الحقول.
يجلس أحمد مكّي (12 عاماً) على كرسي العلاج حاملاً كتابه، يدرس كسباً للوقت، بانتظار انتهاء جلسة العلاج الفيزيائي، بعد إصابته جراء انفجار قنبلة عنقودية بينما كان يلهو مع صديقه قرب منزله في قعقعية الجسر منذ خمسة أشهر.
إصابات أحمد تركّزت في بطنه ورجليه، كذلك أصيب كبده بجروح، وخضع للعديد من العمليات الجراحية في رجله اليمنى المصابة بشكل مباشر، وهو اليوم في مرحلة متقدمة من العلاج حيث تبقى له جلسات العلاج الفيزيائي. والدة أحمد سناء حلاوي تقول: «لقد نجا أحمد من الموت بأعجوبة، لكنّ رحلة العلاج كانت صعبة عليه وعلينا نحن كعائلة؛ خمسة أولاد، راتب محدود، فزادت إصابة أحمد من أزمتنا. تكاليف الانتقال بين المستشفى والبيت تحتاج وحدها الى ميزانية خاصة بالنسبة إلينا، إضافةً الى شراء الأدوية لاستكمال العلاج، لأن وزارة الصحة تغطي مصاريف العلاج في المستشفى ولا تغطي تكاليف الأدوية، مع ذلك فأنا أحاول المستحيل لاستكمال علاجه».
مشكلة أحمد ليست جسدية فقط، فالمعروف أن ضحايا الألغام يعانون من مشاكل نفسية واجتماعية إضافةً إلى الإصابة الجسدية، «لم يعد بإمكان أحمد، الكثير الحركة، أن يلعب، فضلاً عن غيابه المستمر عن المدرسة، ومحاولاته الدائمة لمتابعة الدروس من المنزل؛ كل هذا أثّر الى حد بعيد عليه فبات منعزلاً بعض الشيء، شديد الخوف على إخوته، قلقاً دائماً من انفجار قنابل أخرى بإخوته أو أصحابه»؛ كما تقول والدته.
محمد نحلة (32 عاماً) بُترت ساقه اليسرى بعد إصابته، قبل بضع ساعات من إعلان وقف إطلاق النار في محلة كفرجوز في النبطية خلال قيامه بمهمة مع الدفاع المدني؛ محمد يصف حالته «بالصعبة جداً»، ويضيف: «أعاني أوجاعاً كثيرة، وفقدان طرف ليس بالأمر السهل، أنا الآن أتابع جلسات العلاج الفيزيائي في الجمعية بعد تركيب الطرف في الجمعية اللبنانية لرعاية المعاقين في الصرفند، ومن الجهة المقابلة فقد خسرت عملي كدهّان، وأنفقت مبالغ كبيرة ثمناً للأدوية التي لا تغطيها أيّ جهة ضامنة، فأنا أحتاج مثلاً الى دواء يبلغ ثمنه 100 الف ليرة كل أسبوعين، إضافةً الى الأدوية الأخرى المختلفة، أما بالنسبة إلى العمل فهناك وعود بتأمين وظيفة لي في الدفاع المدني، وإذا لم تتأمّن هذه الوظيفة فسأسعى للحصول على قرض ميسّر من الجمعية لتأسيس عمل ما».
محمد وأحمد وغيرهما من المصابين يتمنّون على الدولة «أن تستكمل تقديم مساعدتها الصحية، لكون العلاج بعد الإصابة ليس موحّداً لجميع الإصابات الناجمة عن الألغام، بل يختلف باختلاف الإصابة لجهة: نوعها، درجتها، شدتها، وقد يكون العلاج آنيّاً أو على فترات زمنية. فالعلاج الجراحي الفوري الذي يقدّم بعد التعرض للإصابة مباشرة، تليه جراحة ترميمية وتجميلية؛ ثم تأهيل الجسم لاستقبال الطرف أو لعلاج الحروق والتشوّهات الجسدية الناجمة عن الإصابة، هذه تغطّيها وزارة الصحة، أما العلاج الفيزيائي والتأهيل الجسدي والنفسي، فتتولّاهما بعض الجمعيات الخيرية المتابعة لهذه الأنواع من الإصابات، من بينها «جمعية المعاق الخيرية» في النبطية حيث يعالج أحمد مكي، ومحمد نحلة ومصطفى عجمي (17 عاماً) المصاب بعطل في يده اليمنى، خضر هرموش (39 عاماً) المصاب بشلل نصفي نتيجة إصابة في الظهر، علي مهدي (12 عاماً) المصاب في القدم اليمنى، وغيرهم من المصابين.
مسؤولة المعلوماتية في الجمعية، أحلام حطاب قالت: «يمكننا تصنيف حالات المصابين بين الخفيفة والصعبة؛ فالمصاب الذي لم تتعرض أطرافه للبتر تراوح فترة علاجه بين خمسة أشهر وسبعة، من ضمنها العلاج النفسي كما هي حالة أحمد مكي؛ لكنّ الحالات الأصعب هي عند من يخسرون أحد الأطراف، إضافةً الى الكسور والحروق نتيجة شظايا القنبلة، فنقوم كجمعية بالتدخل النفسي المبكر مع المصاب وعائلته منذ دخوله المستشفى، ونرافقه في مختلف مراحل العلاج حتى تركيب الطرف».
«لكنّ مشكلة المصاب لا تتوقف عند هذا الحدّ لأن الطرف لا يمكن أن يبقى أكثر من سنتين»، تضيف حطاب «لذلك نحن على اتصال مستمر بالمصابين للوقوف على حالتهم، وتسعى الجمعية دائماً إلى تأمين الأطراف من مختلف الجمعيات العالمية».