عُبادة كسر تروي أم علي أنهم لجأوا إلى إحدى هذه المغاور في واحدة من ليالي القصف العنيف الذي تعرّضت له المدينة: «نزلنا إلى المغارة مثل ما هي، من دون الأخذ بعين الاعتبار الروائح الكريهة التي خلّفتها الحيوانات التي كانت تعيش فيها. أمضينا ليلة كاملة على روثها، ومع مرور الوقت كنا نغتنم فرصة الهدوء لنقوم بتنظيف المغارة ونحضر كل ما نحتاج من المنزل القريب».
حوّلت أم علي المغارة التي تقبع تحت منزلها إلى بيت آخر لها، فلقد أحضرت سريراً وكنبة وستائر للفصل ما بين المغاور المتجاورة ومدّت إليها «لمبات» كهرباء. وتتذكر زينب: «كنا نبيت في مغارة آل اللحام ونسهر في المغارة المجاورة، نتنقّل عبر ممرّات ضيقة جداً تربط المغاور بعضها ببعض».
في كل ليلة من ليالي حرب تموز كان ينزل من بقي في المدينة الى المغاور. أكثر من ثلاثين شخصاً عاشوا في مغارة واحدة ووصل عددهم ليلة الإنزال إلى أكثر من خمسين في المغارة الواحدة.
يؤكد عدد ممن أهّلوا هذه المغاور أن شعوراً بالأمان والطمأنينة كان يساورهم عند نزولهم إليها وكأنهم في وحدة حال معها. يتسامرون في الظلمة، أو على ضوء شمعة يتحدثون عن المآسي التي حلّت بهم. تتذكّر «منى» كيف كانت تتأهّب متوترة عند سماع صوت هدير طائرة قادمة من البعيد حاملةً الموت معها: «بعمري ما خفت هلقد».
أبرز الخائفات لينا، إحدى النازحات من الضاحية الجنوبية، التي أنجبت طفلة كان عمرها أسبوعاً تلك الأيام. فقد باءت كل محاولات إقناعها بالخروج من المغارة ولو لدقائق في النهار لترى نور الشمس مع طفلتها، بالفشل. ارتعبت وثارت على الجميع لأنها لا تريد أن تموت وابنتها. كانت تردّد: «هون أحسن من برا... خلّوني هون، ما بدي موت بالقصف». وكانت إحدى «الجريئات» مثلما كانوا ينادونها تقوم بالتطوع لإحضار المياه يومياً من خارج المغارة التي تغور داخل الأرض أكثر من عشرات الأمتار، من أجل تنظيف الرضيعة.
وقضت عائلة السيدة ميرفت فترة 30 يوماً في المغارة مع أطفالها الخمسة. كانت تغيب عنهم لدقائق، تجلب الأغراض الضرورية من ثياب وطعام: «بعدما قُصف معملLiban Lait وُزعت منتجاته على الناس فأصبحت أنا وأطفالي ومن معنا في المغارة نأكل منها كوجبات ثلاث في النهار وأحياناً من دون خبز».
حسين ابن السابعة يتذكّر أنه كان ينسى خوفه عندما ينزل إلى المغارة «كنت أتسلّى مع رفاقي في لعب الورق ومشاهدة التلفاز... لكنني لم أكن أستطيع إغماض عينيّ بسبب الفئران والجرذان المجاورة لنا في المغارة».
تعلّم أطفال المغاور الحفر وذلك بطلب من آبائهم، تحسباً لتعرّض باب الكهف للقصف والموت اختناقاً. يقول الطفل حسين: «أحضرنا معنا إلى المغارة معولاً ورفشاً، إذا ما تعرضنا للقصف، لنفتخ نافذة صغيرة يدخل منها الهواء».
ظروف صعبة عاناها من ارتاد هذه الأمكنة، طفح جلدي، ربو وضيق تنفس «لكن الهيئة الصحية كانت تقدّم إلينا أدوية مضادة للالتهاب، والسعال والتحسّس» تقول أم علي.
انتهت الحرب، عاد الأهالي إلى ديارهم وعادت بعض المغاور الى حالها السابقة، فيما قام بعضهم بدهنها وتنظيفها وتجهيزها تحسّباً لأي طارئ.