strong> بسام القنطار
لا تزال البقعة النفطية الناجمة عن قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي لخزانات محطة الجية لتوليد الطاقة الكهربائية تترك آثاراً خطيرة على صحة الإنسان والتنوع البيئي ومصائد الأسماك والسياحة على طول الساحل اللبناني. وبعد مرور عام على حدوث هذه الكارثة، لا تزال آليات المعالجة التي نفذتها الجهات الرسمية اللبنانية والمنظمات الدولية وبعض الجمعيات غير الحكومية تحت مجهر مساءلة العديد من منظمات المجتمع المدني والقوى الأهلية إضافة إلى حزب البيئة اللبناني.
وتجدر الإشارة إلى أن لجنة التحقيق المعنية بلبنان التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أكدت في تقريرها الذي رفع إلى المجلس أن الغارات التي استهدفت محطة الجية يومي 13 و15 تموز 2006 «كانت متعمدة واستهدفت انسكاب النفط وإلحاق الضرر بالبيئة اللبنانية». وبحسب التقرير الذي قدمته المفوضة السامية لحقوق الإنسان لويزا آربور عن متابعة توصيات لجنة التحقيق أوائل الشهر الماضي، يقدر المركز الإقليمي للاستجابة لحالات الطوارئ الناشئة عن التلوث البحري في منطقة البحر الأبيض المتوسط أنه تم جمع ما 7280 متراً مكعباً من النفايات الملوثة حتى تاريخ 1 شباط 2007.
وبموجب المادة 8 (2) (ب) 4 من نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية «يُعدّ جريمة حرب تعمّد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد بالبيئة الطبيعية». لكن جريمة الحرب البيئية والإنسانية التي نتجت من تسرب النفط في حرب تموز لم تستدع أي تحرك من الحكومة والقضاء اللبنانيين لمقاضاة إسرائيل أمام المحاكم الدولية. والجهة الوحيدة التي تتحرك عملياً اليوم هي «الشبكة ضد جرائم الحرب الإسرائيلية» التي ألّفتها مجموعة من هيئات المجتمع المدني بالتنسيق مع لجنة حقوق الإنسان النيابية، وهي في صدد إعداد تقرير موثق لما يمكن وصفه بجرائم الحرب في صيغة «مضبطة اتهام».
وفي سياق متصل، اجتمعت أول من أمس لجنة المتابعة لمؤتمر التلوث النفطي الذي نظمه «حزب البيئة اللبناني»، في 31 آذار الماضي، لمناقشة آخر تطورات الملف. وقد طالب حزب البيئة مجدداً بفتح تحقيق في أسباب التقصير في إدارة هذا الملف، وعن أسباب تغييب «لجنة الطوارئ لمكافحة تلوث البحر»، التي تأسست عام 1999، وتم تهميشها، والتي لو كانت لا تزال موجودة، لتحمّلت مسؤولية المعالجة الفورية، ولما تطور التلوث إلى هذا الحد الخطير».
وأكد حزب البيئة أنه أخذ علماً بتحويل الأسئلة والمعلومات التي وردت في تقرير الحزب إلى التفتيش الإداري، ولا يزال الحزب ينتظر النتائج.
وأصدرت وزارة البيئة اللبنانية تقريرين عن سير عمليات التنظيف، بعد الانتقادات التي وُجّهت لها بشأن تقصيرها في هذا الموضوع وقلة شفافيتها. وعلى الرغم من ايجابية مجرد صدور مثل هذه التقارير عن هيئة رسمية لطالما حجبت المعلومات عن الجمهور، يرى حزب البيئة أن هذين التقريرين تضمّنا معلومات غامضة ومتناقضة في جوانب عديدة وغير شفافة لناحية الكشف عن التلزيمات في التنظيف والكلفة».
ورأى الحزب «أن التقرير يذكر الجهات التي ساعدت في عمليات التنظيف محلياً ودولياً، من دون ذكر أي تفاصيل عن حجم تلك المساعدات، ولا عن التلزيمات للقطاع الخاص، وكيفية حصول هذه التلزيمات»، اذ لم تعترف إلّا بالمساعدات العينية التي تلقّتها من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأوبك، والبالغة 200 ألف دولار لكل منهما. وتكون الوزارة بذلك قد أغفلت تلك اللائحة «السرية» من المساعدات العينية والمعدّات والخبراء التي كانت متداولة بين موظفي الوزارة والمقدرة بما يقارب 15 مليون دولار. كذلك «أغفل التقرير الوزاري الردّ على الاتهامات بالتلزيم للقطاع الخاص من دون دفتر شروط ومن دون مناقصات».
وتشير المعلومات إلى أن المدير العام لوزارة البيئة بيرج هتجيان يدرس إمكان تصدير المخلفات التي تم جمعها من البحر لمعالجتها خارج لبنان، بكلفة تقدر بما بين 13 و17 ألف دولار على الطن!. وتعدّ كلفة هذا الخيار عالية جداً، قياساً إلى الخيارات الأخرى التي من الممكن أن توجد حلولاً لهذه المشكلة في لبنان. وهذا ما دفع البعض إلى التحدث عن «صفقة» ما حول فكرة الترحيل إلى الخارج. مع العلم أن هناك من بدأ ببيع هذه المواد ومعالجتها في لبنان لإعادة استعمالها كفيول.
كذلك انتقد حزب البيئة «تلزيم دراسات من جديد لدراسة كيفية معالجة هذه المخلفات بعد أن صرف ما يتجاوز مليون دولار أميركي على دراسة آثار الحرب البيئية». وأكد «إمكان معالجة هذه المخلفات في لبنان، لا بل ضرورة معالجتها في لبنان لا في أي بلد آخر، ولا سيما إذا احتاج الأمر إلى استيراد معدات للمعالجة، بدل ترحيل المادة الى خارج لبنان بأكلاف خيالية. ويكون لبنان بذلك قد ربح المعدات والخبرة في المعالجة، لكون معظم منشآته النفطية على الشاطئ، ويمكن أن تحصل حوادث تسرب الى البحر في أي لحظة».