strong> بيسان طي
خرج المفكر العربي عزمي بشارة في الكلام على حرب تموز 2006 من المتاهات التي يقود إليها النقاش العربي المصطنع المنطلق من سؤال «هل دخلت المقاومة الحرب؟»، في لقاء المنتدى القومي العربي صباح أمس، وفي الندوة المسائية، حيث ذكّر بأن حادثة خطف الجندييْن الإسرائيلييْن تُطرح في إسرائيل بشكل مخالف لكيفية طرحها بين بعض العرب، فهي بالنسبة إليهم محاولة الخطف الرابعة وأن خمسة من الجنود الذين قتلوا خلال تلك العملية قتلوا خلال محاولة ملاحقة المقاومة داخل الأراضي اللبنانية. وفيما ذكّر بشارة بأن الحكومة الإسرائيلية قررت في جلستها المسائية ذلك اليوم اعتبار عملية الخطف سبباً للحرب، شدد على أنّ «من قرر الخروج من الحرب ليس المقاومة، وهذه بديهيات غائبة عن الخطاب العربي».
بشارة كان يتحدث مساءً في مسرح المدينة، بدعوة من المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، عن «تداعيات حرب تموز على المجتمع والدولة في الكيان الإسرائيلي». وقدّم اللقاء مدير المركز الدكتور علي فياض، وحضره الرئيس سليم الحص ونواب وشخصيات سياسية وثقافية.
لم يكن بشارة محايداً حتى في نبرة صوته، فكرّر: «ما حصل أن العدوان الإسرائيلي واجه مقاومة بطولية يجب أن ترفع الأمة العربية رأسها بها»، وانتقد بشارة من رأوا الحرب «مغامرة قام بها حزب الله»، لافتاً إلى أنّ هذا الكلام ناتج من أنّ «فئات وقوى معينة في المجتمعات العربية صارت مستعدة لأن تجاهر بإخضاع الصراع مع إسرائيل للصراعات الداخلية» فلم تحصل الإدانة أو مهاجمة عمليات «الإبادة» التي كانت إسرائيل تنفذها في لبنان من خلال القصف، وقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنّها تريد معاقبة جزء من المجتمع اللبناني ليتعظ الجزء الآخر مع تعميق الشرخ الطائفي.
خلال بداية الحرب، أظهرت استطلاعات الرأي أنّ نسبة تأييد الإسرائيليين لقرار الحرب وصلت إلى 80 في المئة، في 6 آب 2006 انخفض التأييد إلى 50 في المئة، وفي ذلك اليوم قُتل 12 جندياً إسرائيلياً، وفي نهاية العدوان كان المؤيدون لقرار الحرب 40 في المئة والمؤيدون للحكومة الإسرائيلية 17 في المئة. وقد ذكّر بشارة بأن إيهود أولمرت هو الذي اتخذ قرار الحرب بدعم أو إيعاز من الولايات المتحدة، وبأن الإسرائيليين ولجنة فينوغراد لا يتحدثون عن الفشل الأخلاقي في الحرب لكنّهم مهتمون فقط بأسباب هزيمتهم، فقد «واجهت إسرائيل مقاومة بطولية» وهي تجهد حالياً لكي يستعيد الجندي الإسرائيلي مهاراته الفردية.
بشارة، الذي نأى عن الخطاب العربي السائد بشأن الحرب، ابتعد عن التأويلات السائدة حول الرؤية الأمنية في إسرائيل، مذكّراً بأنّ واضعها هو بن غوريون نفسه الذي تحدث عن ضرورة ألاّ تتورط إسرائيل في حرب طويلة وأن تقوم بضربات استباقية وأن تنقل المعركة إلى أرض أعدائها. وركّز بشارة على أهمية التفوق التكنولوجي والارتباط بدولة كبرى، مشيراً إلى أنّ بسالة المقاومين برهنت أنّ التفوق التكنولوجي وحده رغم أهميته الكبيرة، لا يجعل إسرائيل تربح الحرب، وهي حالياً تواجه معضلة انهيار عقيدتها الأمنية وتراجع مهارات الجندي الفرد. ولفت إلى أنّ إسرائيل لم تعد تستطيع أن تتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية أو تشن حرباً على لبنان إلاّ في إطار حرب إقليمية ليست بالضرورة رابحة بالنسبة إليها، ولم تعد قادرة على اتخاذ قرار الحرب وحدها. وأكّد بشارة أنّ «التعويل على النقاشات داخل إسرائيل في الحرب خطأ كبير»، وأنّ وسائل الإعلام تحولت إلى مكان للتعبئة يُصدّر نظريات مخيفة وسخيفة مثل طرح أسئلة خلال العدوان «هل نجعل لبنان خراباًَ أو تلالاً من الرمل؟».
بشارة جدّد التأكيد على أنّ النموذج الذي قدمته المقاومة يجب أن يُدرس في الأمة العربية، فهي صاحبة استراتيجية موحدة، يتفوّق لديها العنصر البشري المقاتل، لكن «دراستها لا تقوم دون التنقية من الحالة الطائفية»، والكلام في هذا الإطار طويل بعدما انتهى بعض المثقفين العرب من التعلق بشعار «الديموقراطية» ليتحدثوا الآن عن «العلمانية» في مواجهة الأصولية، لكنّها «علمانية» يراد بها محاربة التيارات الدينية التي تحارب إسرائيل.
النقاش الذي يدعو إليه بشارة القومي العربي ينطلق من مسلّمات أخرى تفخر بإنجاز المقاومة في لبنان صيف 2006.