جوزف سماحة
سأل السيناتور الجمهوري جون ماكين «هل قلت إن هناك احتمالاً لاندفاع الوضع في العراق نحو الحرب الأهلية؟ هل هذا حقاً ما قلته؟».
أجاب رئيس الأركان الأميركي بيتر بايس: «نعم، سيدي. لقد قلت ذلك». استأنف ماكين: «هل كنت تتوقّع الحرب قبل سنة؟». ردّ بايس: «كلّا سيدي».
هذا جزء من حوار في جلسة استماع في الكونغرس الأميركي حضرها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وحذّر خلالها من سعي المسلمين إلى استعادة... إسبانيا.
أمّا في بريطانيا، فكتب دبلوماسي اسمه وليام باتي تقريراً كشفت عنه «بي بي سي» جاء فيه: «إن احتمال الحرب الأهلية المنخفضة التوتر، والتقسيم الواقعي للعراق، هو أكبر، في هذه المرحلة، من الانتقال الناجح إلى ديموقراطية مستقرّة». ولمّا سئل طوني بلير عن الأمر أجاب بتفاؤله المعهود «إن بريطانيا ملتزمة برؤية للشرق الأوسط القائم على الديموقراطية والحرّية وسلطة القانون».
إن العقلية التي يعبّر عنها رامسفيلد وبلير لا تعجب الكثيرين في الولايات المتحدة وبريطانيا. ولقد خصّصت «نيويورك تايمز» افتتاحيتها امس لانتقاد وزير الدفاع آخذة عليه «إنكار الواقع». غير أن اللافت هو إقدام الجريدة نفسها على وضع عنوان عريض لخطاب السيد حسن نصر الله يقول إنه «هدّد بقصف تل أبيب» (عنوان «الواشنطن بوست» مماثل) وذلك في إنكار كامل لحقيقة ما قاله الأمين العام لـ«حزب الله».
إن قياس الواقع العراقي الحالي بالمزاعم الأميركية ــ البريطانية عن العراق المأمول يدلّ، بوضوح، على أن الحرب الأهلية هي احتمال من احتمالات «الوعد الديموقراطي». ولا يسعنا، في لبنان، إلا أن نتمسّك بهذه الملاحظة ونحن نعاين ما يحصل لدينا، ونراقب همجية العدوان الاسرائيلي، ونستمع الى معزوفات المسؤولين الأميركيين والبريطانيين. ويمكننا أن نضيف إلى هذه الصورة أن فرنسا، التي نأت بنفسها عن حرب العراق وانتقدتها، هي شريكة الآن في دفع لبنان نحو مصير بائس. وربما جاز لنا، اليوم، أن نؤكّد أن الموقف الفرنسي قبل سنوات لم يكن مدفوعاً بحكمة ما أو بتصور آخر لكيفية معالجة أزمات الشرق الأوسط، وإنما، أكثر، برفض لأي انفراد أميركي يهمّش مجلس الأمن.
وما يؤكد هذا الاستنتاج الأخير، أن مشروع القرار الفرنسي المقدّم إلى مجلس الأمن، من دون أي تعديلات أميركية عليه، يشي بأن الرغبة، أو بالأحرى الوجهة ولو غير الإدارية، هي دفع لبنان نحو الفوضى. إذا مرّ المشروع الفرنسي، وإذا حرص الرئيس جاك شيراك على تنفيذه، فإن لبنان مهدَّد بالاختناق جرّاء «احتضان» باريس له.
لقد بات واضحاً أن الغزو الإسرائيلي الساعي للتحول إلى احتلال، يواجه عقبات تجعله يتعثّر منذ أسابيعه الأولى. أي إننا لن نكون، كما في الحالة العراقية، بحاجة إلى شهور وسنوات لاكتشاف الفشل الأميركي والمآل الذي يدفع البلد إليه. حتى الأميركي الصهيوني المؤيد لأقصى اليمين الإسرائيلي تشارلز كراوتهامر، اكتشف هذه الحقيقة.
يقول هذا النافذ من بين «المحافظين الجدد»، إن إسرائيل سارعت إلى شنّ الحرب على لبنان لأنها أرادت وضع نفسها في خدمة الولايات المتحدة وسياستها في «مكافحة الإرهاب»، وتقديراً منها أن واشنطن راغبة في هذه الحرب. لكنه يلاحظ الفشل الإسرائيلي ويحمّل إيهود أولمرت المسؤولية لأنه أراد تسجيل «انتصار بخس» ولكنه مهدَّد بفقدان ثقة أميركا به.
«الانتصار البخس» هو ما حاولته واشنطن في العراق، فكانت النتيجة المعروفة. وها هو الأفق العراقي يلوح في لبنان لكن، هذه المرة، بتحالفات دولية وإقليمية جديدة.
السبت 5 آب 2006