strong>صباح أيوب
منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب توجه عصام مواسي، ابن بلدة عيترون، إلى الحنوب. تحديداً إلى بلدة مارون الراس مع الزميلة بشرى عبد الصمد، وانتقل لاحقاً إلى الخيام مع الزميلة كاتيا ناصر.
في اليوم الرابع للحرب سمع أن بلدته تعرّضت للقصف وأن هناك الكثير من الخسائر، فخاطر ودخل القرية: «لم أكن أتوقع حجم الدمار، عندما دخلت منزل صديقي حسن الأخرس الذي استشهد والده تساءلت هل يستحق هذا البيت المتواضع كل هذا الحجم من الصواريخ التي تساقطت عليه؟».
ليلة واحدة فاصلة بين المجزرتين، عاود بعدها عصام الدخول إلى بلدته: «فوجئ بنا الأهالي، لم يصدقوا أن في إمكان أحد الوصول إليهم. كان الوضع سيئاً جداً. كانت مخاطرة حقيقية أن نأتي من الخيام إلى البلدة. معظم الضحايا كانوا من الأطفال، الكبير فيهم كان عمره 14 عاماً».
يتأثر عصام وهو يستعيد تلك الأيام، يتذكر كيف صوّر سيدة من أقاربه لم تعرفه «كانت تقف على الشرفة، لم تعرفني لأني كنت أضع طاسة ودرعاً على رأسي، قالوا لها لاحقاً إن الذي صوّر هو ابن أبو عصام».
لكن عصام لم يذهب إلى عيترون فقط لأنها بلدته بل كان «يقتل نفسه» من أجل الوصول إلى أي مكان شهد مجازر اسرائيلية «ما استطعنا أن نوصله إلى العالم لا يؤلف أكثر من 10% مما كنا نراه يومياً». ويتذكر كم حاول للوصول إلى صريفا عندما سمع بما حلّ بها، «لكن لم يوافق أحد على إيصالي إلى هناك بسبب خطورة الوضع آنذاك».
«لا أريد أن أعود الآن... أنا في أحسن حال... لدينا عمل كثير لم ينجز بعد»، هكذا كان يجيب على كل محاولة تبديل كان يقترحها عليه فريق مكتب «الجزيرة» في بيروت لإرسال مصوّر آخر مكانه الى الجنوب بعد مرور أكثر من 15 يوماً على بدء الحرب.
عصام، الذي لم يكن قد مرّ عام على انضمامه الى المحطة رسمياً، كان أوّل «المرابضين» في «مارون الراس»، وهو المصوّر الذي أتاح لأكبر عدد من المشاهدين اللبنانيين والعرب أن يعيشوا لحظة بلحظة ومن مواقع قريبة جداً مجريات الحرب بتفاصيلها العسكرية والإنسانية والحربية.
قاوم على طريقته الحرب الاسرائيلية الأخيرة، فحمل كاميرته على كتفه وراح «يقنص» كل غارة ويلاحق تطورات المعركة من على الخطوط الأمامية متنقلاً بين «مارون الراس» و«عيترون» و«الطيبة» و«مروحين» و«بنت جبيل» في ظروف أقلّ ما يُقال عنها إنها كانت تحاكي الموت وتتحايل عليه في كل لحظة...
«لم أتعب من الحرب لأنها لم تُخفني، لكني تعبت من رؤية الأطفال والنساء يموتون في منازلهم وقراهم وعلى الطرقات، ومن مشهد الأشلاء أينما ذهبت» يقول مواسي الذي لم يترك كاميرته الا ليقدّم العون لبعض السكان الذين حوصروا في قراهم المهدّمة والتي نجح فريق «الجزيرة» في الدخول اليها ومدّ أهاليها بما استطاعوا من مساعدات معنوية ومادية. فلم يفصل بين واجبيه المهني والوطني. يصف الحرب الاسرائيلية الاخيرة بأنها «حرب وجود، وقلت مرة إن هذه المعركة أساسية جداً وكان عليّ بصفتي لبنانياً أن أكون حاضراً فيها بل على رأسها».
كذلك خاض مواسي مع بشرى عبد الصمد وكاتيا ناصر حرباً نفسية حاولوا قدر الإمكان تخطّيها بتقديم أعلى مستوى من العمل اليومي والآني علّهم يشعرون بأنهم يساهمون بإبراز فظاعة ذلك العدوان. وأُدرج اسمه بين الأسماء التي هدّدها الاسرائيليون في بياناتهم الاذاعية والمكتوبة. وفي 22 تموز استهدفت غارتان اسرائيليتان موكب «الجزيرة» و«العربية»، فدُمّرت معدّاتهم وآلياتهم وتمكّن الفريقان بصعوبة بالغة من الوصول الى مركز الصليب الأحمر في حاصبيا. «ما زلت لا أصدّق أننا بقينا على قيد الحياة... كأنّ يداً إلهية امتدّت وأنقذتنا من الهلاك».
لا يخفي أن زميلته كاتيا مثّلت له مفاجأة، إذ عندما قال له مدير مكتب «الجزيرة» في بيروت الزميل غسان بن جدو إنها المرة الأولى التي تغطي فيها كاتيا حرباً تضايق «وكانت المفاجأة فوق، أظهرت تماسكها وصلابتها وأعدّت تقارير مميّزة جداً بناء على الصور التي كنت ألتقطها».
«زهر اللوز زهّر زهّر بالبستان...» هكذا غنّت له ابنته رنا في كلّ مرّة كان يحالفه «الإرسال» فيها لمكالمتها خلال فترة الحرب، وكان بها «يسترجع الروح والأمل بالحياة» حين كانت تشتدّ المصاعب وينسدّ الأفق.
مواسي، أبٌ لثلاثة أولاد، يؤكّد اليوم أنه «لن يتردد، ولو للحظة، في خوض المعركة نفسها وبالطريقة نفسها إذا ما حدثت مرّة أخرى»!