strong>عمر نشابة
51 موقوفاً دفعة واحدة حشروا في المكان المخصّص على يمين قوس المحكمة، وبينهم نساء وشباب متهمون بقضايا مختلفة. ومع اقتراب موعد رفع الجلسة تبين للقاضي أن بين المتهمين قاصرَين كبَّلهما عناصر قوى الأمن مع الكبار

يعاني القضاة المناوبون في موسم الصيف، كما يعاني الجسم القضائي برمّته الإهمال في كلّ الفصول. اكتظاظ الملفات والموقوفين والنقص في أبسط حاجات القضاء ومخالفة عناصر الأمن لأصول العدالة يؤدي إلى «بهدلة» لا يمكن إخفاؤها عن المواطنين.
فقد بدأت العطلة الصيفية للقضاة مطلع هذا الأسبوع. وكما في كلّ عام، تخفّ زحمة المواطنين والمحامين قليلاً في قصر العدل ويُعمل ببرنامج المناوبة القضائية. ومع اشتداد الحرّ وارتفاع نسبة الرطوبة في قصر العدل، شهدت «الأخبار» أمس في إحدى قاعات المحاكم على الأزمة «الصيفية» التي يعانيها نظام العدالة في لبنان.
بدأت الجلسة الساعة 11 في إحدى قاعات قصر العدل في بيروت. القاعة لا تبدو قابلة لتكون محكمة، فإضافة إلى الجدران المهترئة والأرض الوسخة والسقف الذي تتساقط منه قطع من «الفوبلافون»، تنبعث رائحة عرق كريهة. فالجوّ حار ولم تُجهّز المحكمة بجهاز تبريد ولا حتى بمروحة. وليس مستغرباً أن تتخلّف وزارة العدل التي لا تؤمّن أبسط المستلزمات، عن تأمين الكومبيوترات والقرطاسية اللازمة لعمل المؤسسة القضائية. ولا مكبّر للصوت ولا تسجيل صوتياً لوقائع الجلسة. القاضي المنفرد الجزائي المناوب هاني عبد المنعم الحجّار يجد نفسه في موقع لا يحسد عليه. فهو المسؤول عن تأمين العدل في مكان لا يصلح لذلك، وفي ظروف صعبة.
يحضر عناصر قوى الأمن والأمن العام مجموعة كبيرة من الموقوفين مكبلين ببعضهم ويحشرونهم في مكان ضيّق على يمين القوس، ويتعاملون معهم كأنهم قطيع من الحيوانات المفترسة. وبما أن من بينهم عدداً كبيراً من الأجانب السودانيين والسيريلانكيين والبنغال الذين يحملون أسماء يصعب لفظها أحياناً، تعلو بين العسكر عبارات السخرية والاستهزاء. لكن القاعة مدجّجة بالسلاح، إذ انتشر فيها أكثر من 12 عنصراً من قوى الأمن الداخلي في وضعية قتالية.
من بين الموقوفين ثماني سيدات من جنسيات مختلفة أحضرهم رجال في الأمن العام إلى المحكمة، الأمر الذي يشكل تجاوزاً واضحاً للأصول القانونية الدولية التي تقتضي وجود عناصر أمنية نسائية لحراسة السجينات ونقلهن. لكن المفاجأة الكبرى ظهرت لاحقاً عندما تبين أن من بين الموقوفين الراشدين قاصرَين مكبَّلين بهم. ولقصر قامتيهما، لم يلاحظ القاضي وجودهما مكبَّلَين خلف الكبار في أول الجلسة. فعناصر قوى الأمن أحضروهم مجموعة واحدة من «المجرمين» ولم يفرّقوا بين الولدين والكبار رغم ملامح الخوف والضياع التي بدت واضحة على وجهيهما. فأمر القاضي بإحالتهما على محكمة الأحداث.
لكن اللافت أن جميع الموقوفين أُجبروا على الوقوف، محشورين ومكبّلين بالأصفاد طوال الجلسة. والعدد الأكبر منهم أجانب لا يتقنون اللغة العربية جيداً، لكن لم يتوافر المترجمون. وعلمت «الأخبار» أن المترجمين الموكلين يتلكّأون عن حضور الجلسات، ما يؤخر غالباً سير المحاكمات.
أما في ما يتعلّق بحقّ الدفاع، فحتى إذا توافر المترجمون، فإن عدد الموقوفين الذين عين لهم محامون هو اثنان فقط من بين أكثر من أربعين موقوفاً. والمحاميان لرجلين لبنانيين متهمان بتعاطي المخدرات. أما باقي الموقوفين وأغلبهم من الأجانب فبقوا بدون دفاع ما يحرمهم حقّهم باستئناف الأحكام الصادرة بحقّهم.
وحكم القاضي على 35 رجلاً من الجنسيات السودانية والمصرية والعراقية بجرم دخول البلاد خلسة وفرض عليهم عقوبة الحبس شهراً وغرّمهم مبلغ 100 ألف ليرة وفرض عليهم الترحيل من البلاد بعد السجن على نفقتهم أو على نفقة بلادهم. وبما أنهم كانوا موقوفين لـ15 يوماً قبل المحاكمة، تنتهي مدة سجنهم بعد 15 يوماً. كما حكم القاضي على 7 سيدات من جنسيات سيريلانكية وفيليبينية وبنغالية و3 رجال بنغال بجرم الإقامة غير المشروعة في لبنان، واكتفى الحكم بمدة توقيفهم (أسبوعاً) لكنه فرض عليهم غرامة 100 ألف ليرة وأعطاهم القاضي فرصة لتسوية أوضاعهم القانونية أو ترحيلهم إلى بلادهم. وحكم القاضي أيضاً على امرأة لبنانية بالتسوّل واكتفى بمدة توقيفها (10 أيام). ولعلّ أبرز حكم صدر أمس في قصر العدل جاء بحقّ «بيّاع كعك» لمخالفته الأنظمة البلدية والإدارية. وقضى بالاكتفاء بمدة توقيفه قبل المحاكمة التي بلغت خمسة أيام.