إبراهيم الأمين
سيبقى الجميع مهتماً بما جرى في سان كلو باعتباره بات حلقة وصل مع ما انقطع سابقاً. وهو الأمر الذي فتح الباب أمام مرحلة جديدة من المعالجات السياسية والدبلوماسية للأزمة اللبنانية، وسط متغيرات كبيرة تصيب الحركة السياسية محلياً وخارجياً. وحتى اللحظة لا يبدو أن هناك من يقدر على البت بالأمر لناحية المدى الذي ستذهب إليه المبادرة الفرنسية، وسط متابعة خاصة لآلية للموقف السعودي بعدما غاب السفير في بيروت عبد العزيز خوجة عن السمع، وسط معلومات عن تلقيه تحذيرات أمنية شديدة بالابتعاد عن لبنان على أثر المواجهات الدائرة مع مجموعات إسلامية متشددة، تبين أن غالبية عناصرها من السعودية. بالإضافة إلى ما تردد عن اكتشاف الأجهزة الأمنية لأعمال مراقبة لمنزله ومكتبه. لكن الأمر الخاص بالسعودية يتصل أكثر بالخطوة التي أقدم عليها التكتل الطرابلسي، حيث الاعتقاد قائم بأن موقف الوزير محمد الصفدي لا يمكن أن يكون معزولاً عن مواقف القيادة السعودية نظراً لما له من علاقة وطيدة بمقربين من الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز وأنه يأمل بأن يكون له حظوة خاصة، ولا سيما أنه من المرشحين الدائمين لرئاسة الحكومة.
وبينما لا يزال الجميع ينتظر اللقاء المرتقب بين العماد ميشال عون والنائب سعد الحريري لملامسة حجم المتغيرات في موقف الأخير، والذي يتصل أكثر بما جرى الحديث عن تطور خاص في موقفه وأنه في موقع البحث عن صياغة جديدة لموقعه دون أن يعني ذلك تحولاً استراتيجياً كما يظن البعض. وثمة من دعا إلى مراقبة سلوك النائب وليد جنبلاط بعد زيارته الأخيرة إلى السعودية، لأن فيها تعبيراً عن نوعية النقاش الجاري هناك. علماً بأن الأمور مرشحة لمزيد من التوتر والتعقيد وذلك كلما اقتربت البلاد من الاستحقاق الرئاسي.
في سان كلو، كان الفرنسيون يهتمون بخلق مناخ هادئ، هم لا يفكرون بأن إعادة الثقة أمر سهل. لكنهم عبروا عن ضيقهم من فكرة أن الحوارالمباشر قد انقطع، وأن التشكيك المتبادل في النيات وفي تفسير المواقف وفي إعطاء أبعاد لكل أمر، يعكس درجة غير مسبوقة من التوتر. وهو ما دفع بالموفد الخاص جان كلود كوسران إلى التعبير بقلق عن «الهريان الذي يعانيه الوضع اللبناني». ولذلك حاول الأخير خلق مساحات حوارية غير رسمية في سان كلو، وهو كان من الداعين إلى إطالة زمن اللقاء ليوم أو أكثر بغية توسيع هامش التواصل غير الرسمي بين الوفود المشاركة. لكنه كان يدرك في كل لحظة أن هناك من يعمل على تعديل الوقائع وخلق معطيات جديدة، وأن من يقوم بهذ1 الأمر ليس من الطرف اللبناني فقط، بل هناك في الإدارة الفرنسية من له يد في الأمر. وإذا كان كوسران يصمت عند هذا الحد، إلا أن آخرين من وزارة الخارجية، وخصوصاً الذين يتصرفون بحرية أكبر بعد خروج الرئيس جاك شيراك من الحكم، يشيرون بالإصبع إلى «بقايا شيراك» في الإدارة، ومن بين هؤلاء السفير الحالي في بيروت برنار إيمييه، وهم لا يجيبون صراحة عن سبب التعديلات التي طرأت على لائحة ممثلي المجتمع المدني، حيث كان متوقعاً حضور شخصيات موجودة في فرنسا تختلف سياسياً عن تلك التي حضرت. وهو أمر يتصل أكثر بالحسابات والتوازنات القائمة داخل الإدارة الفرنسية. أكثر من ذلك، فإن الشكوك حول وجود فريق فرنسي ينوي تعطيل الاستراتيجية الجديدة للحكومة الفرنسية، ازدادت في لحظة محاولة وزير الخارجية برنار كوشنير تلخيص الحوارات التي قامت، وخصوصاً عندما وصل إلى نقطة أعطاها عنوان «الهدنة الأمنية»، ما دفع معارضين في المؤتمر إلى السؤال عن المقصود بهذا الأمر، فكان الجواب يتصل بالاغتيالات السياسية الجارية، الأمر الذي زاد من استغراب المعارضين وكأن هناك من يتهم أحداً من المشاركين بالوقوف خلف عمليات الاغتيال. وبالتالي فإن الدعوة إلى هدنة أمنية تخص المشاركين في الحوار نفسه. وهو ما ظهر في ردة فعل النائب أكرم شهيب الذي تحدث عن «نواب يتعرضون للقتل على يد الغدر ونواب حلفاء ليد الغدر»، الأمر الذي مرّ للحظات قبل أن يتدخل مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله السيد نواف الموسوي ليلفت انتباه شهيب إلى أنه غير مسموح التعامل مع هذا الأمر بهذه الخفّة، ما دفع بأحد ممثلي «القوات اللبنانية» إلى التوضيح بأن الكلام لا يقصد الحاضرين بل يقصد قوى تقول إنها مع النظام السوري. ولكن هذا الكلام دفع الموسوي إلى القول مجدداً، بأنه يمثل حزباً يعلن صراحة أنه حليف لسوريا، وهذا لا يلزمه بأي موقف من المواقف التي تأخذها لنفسها القوى الأخرى، وتوجه إلى شهيب وإلى من يهمه الأمر بأن محاولة الإساءة لن تمر من دون رد، وأن تلبية الدعوة الفرنسية كانت بقصد فتح باب الحوار ، ولكن ذلك لا يمنع من وضع حد وبشدة لمن يريد أن يستغل اللقاء لأجل إطلاق كلام ومواقف بهدف الإساءة إلى الآخرين. وإن الاستعداد لمواصلة الحوار قائم شرط احترام آداب وأصول الحوار.
على أن المهم في هذه النقطة، ليس السجال بحد ذاته، بل بعض التدقيق الذي يسمح بالتشكيك بأن السفير إيمييه قد يكون هو من يقف خلف فكرة «الهدنة الأمنية»، وهي نقطة سوداء أضافتها قوى المعارضة على ملف السفير الفرنسي الذي لم يعد مقبولاً حتى كناقل رسائل. وهو أحد الأسباب التي تقف خلف إصرار قوى بارزة في المعارضة على الطلب من كوسران العودة سريعاً إلى بيروت وتولي الاتصالات مباشرة،
وفي هذا السياق، كان كوسران قد استمع إلى آراء حول مبادرته المقبلة، ومنها كلام لحزب الله بأن يعمل على الحضور والبقاء في بيروت لأيام يمكن من خلالها إدارة حوار حول نقاط خلافية انطلاقاً مما وصل إليه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، وسأل كوسران عما إذا كان المقصود أن يواصل مهماته بالتعاون والتنسيق مع موسى، فكان الجواب هذه المرة من الممثل الفعلي لفريق الحكم في اللقاء الوزير مروان حمادة بأن المقصود هو أن تكون لوحدك وأن تأخذ بالاعتبار ما وصل إليه موسى. علماً بأن حمادة كرر أن ما حصل قد يساعد على استئناف الحوار اللبناني ـــــ اللبناني دون مشاركة أو ضيافة أو وصاية من أحد آخر.
لكن كوسران كان قد جمع المواد المهمة لجولته الجديدة، ومنها نقاط التوافق العامة التي جرى التأكيد عليها من التوصل إلى هدنة إعلامية وتوقف السجال المتوتر وتثبيت نقاط الاتفاق التي أقرتها هيئة الحوار الوطني والتأكيد على تمسك الجميع بالدستور ومقدمته والعمل على تعزيز الدولة ومؤسساتها. لكنه تأكد أيضاً أن المعارضة ترفض مقترح فريق 14 آذار الذي يربط مصير حكومة الوحدة الوطنية بمصير الانتخابات الرئاسية.